أقلام وأراء

مروان أميل طوباسي: هل تُمهّد الولايات المتحدة لتسوية تُقايض بها وقف التصعيد بضم أجزاء من الضفة الغربية؟

مروان أميل طوباسي 19-11-2024: هل تُمهّد الولايات المتحدة لتسوية تُقايض بها وقف التصعيد بضم أجزاء من الضفة الغربية؟

في ظل تسارع التطورات الأخيرة في المنطقة من خلال تصاعد وتوسع الجرائم الإسرائيلية غير المسبوقة ، تُثار التساؤلات حول الدور الأمريكي في إدارة الأزمات المتصاعدة على جبهتي غزة وجنوب لبنان رغم شراكته بالعدوان الجاري ، خاصة في ظل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد شهرين . فهل تسعى واشنطن لإبرام صفقة تتضمن وقف إطلاق النار بشروط اسرائيلية مخففة تتنازل فيها عن ما أعلنت عنه مقابل دعم أمريكي واسع لها لخطط ضم اجزاء من الضفة الغربية؟

— الدور الأمريكي بين الإدارتين الحالية والقادمة.
إدارة بايدن وقبل ان تغادر تُسابق الزمن لتحقيق هدنة مستدامة او على الاقل مؤقته تضمن اطلاق سراح الأسرى الاسرائيلين في غزة ووقف اطلاق النار في جنوب لبنان ، وذلك لمصالح مستقبل الحزب الديمقراطي السياسي في وجه تصاعد المعارضة داخله بعد فشل كامالا هاريس ، لكنها هذه الإدارة تواجه ضغوطا داخلية ودولية تُعيق فرض شروطها وتحديدا من ترامب الذي يريد هو ان يضمن الحصاد السياسي لنفسه ويُثبت فشل الحزب الديمقراطي . في المقابل يُلوح ترامب الذي يعود إلى السلطة قريبا ، بوعوده لنتنياهو ولليمين الإسرائيلي بدعم خطط الضم وتوسيع المستوطنات ، مما يُظهر انقساما واضحا في تنفيذ السياسات الأمريكية ومصالحها دون الخلاف على جوهرها بالعلاقة الإستراتيجية مع اسرائيل بمختلف محدداتها . المبعوث الأمريكي الأخير لإدارة بايدن إلى لبنان هوكشتين يعكس محاولة إدارة بايدن تهدئة الأوضاع قبل التغيير القادم في الادارة الأمريكية.

فالسيناريو المطروح يشير إلى احتمال تقديم الولايات المتحدة عرضا لإسرائيل ، يتضمن وقف التصعيد العسكري في غزة ولبنان مقابل إطلاق يدها في الضفة الغربية ، بل وربما الاعتراف الرسمي بضم مناطق جديدة حيث ان إدارة ترامب لا تعتبر الاستيطان غير شرعي ، وهو أمر يبدو مُغريا جدا لحكومة نتنياهو ، خاصة وان ترامب سيسعى بتقديري للعودة الى مسألة صفقة القرن التي كان نتنياهو على وشك الإتفاق عليها معه في نهاية رئاسته السابقة ، حيث ما سيساهم بذلك هو عودة إدارة ترامب بجوهر وشكل اكثر صهيونية من السابق .

— الأولويات الإسرائيلية : الضم أم التصعيد على الجبهتين ؟
اما نتنياهو فيواجه خيارات صعبة تُحددها حساباته الداخلية والخارجية امام اختيار أياً من الأحتمالين . حيث يمثل السيناريو الاول المتمثل بالضم إنجازا سياسيا وأيديولوجيا ودينيا يُلبي تطلعات اليمين الصهيوني والصهيوني الديني في إسرائيل ، كما ويُعزز سيطرة إسرائيل على أراضٍ استراتيجية لها معنى توراتي لهم من خلال أقامة دولة يهودا . كما يُمكن أن يكون ورقة مساومة تُحقق مكاسب سياسية داخلية لنتنياهو في مواجهة أزماته القضائية والمجتمعية والحزبية . هذا اضافة لأن تعود غزة مشروع أستيطاني وبتواجد جيش الأحتلال يضمن تهجير شمال غزة وتقطيع أوصالها ليُبقى عليها محاصرة بمساحة قد لا تتجاوز ٢٠٠ كم مربع مُدمر .

الا انه وعلى الجانب الآخر ، فهنالك إمكانية ظهور عقبات تواجه خطط الضم ، تتمثل بمعارضة قوية من المجتمع الدولي الذي يعلن لفظيا دعمه لحل الدولتين رغم ان جزء كبير منه يقف عاجزا او متآمر سياسيا لأغراض تاريخ وثقافة الإستعمار وأسبابه . كما يُمكن أن تؤدي هذه الخطوة إلى إشعال انتفاضة شعبية واسعة فلسطينية جديدة قد يصعب احتوائها لأسباب متعددة ، وقد تزيد من كلفة الأحتلال وعدم استقرار المجتمع الاسرائيلي خاصة في ظل ما تتعرض له حتى السلطة الوطنية من محاولات حصارها من جانب الأحتلال لافقادها مزيدا من سلطاتها على الارض ومزيدا من توسيع هوة العلاقة مع فئات واسعة من شعبنا خاصة اذا اصبح التعثر المالي امرا جديا ومستمرا ، وفق ما أعلنه أقطاب حكومة الأحتلال من خطط تؤدي الى ذلك .

اما الأحتمال الثاني، والمتمثل في استمرار تصعيد العدوان العسكري في غزة ولبنان ، فهو يُمكّن نتنياهو من التركيز على التهديدات الأمنية لتشتيت الانتباه عن قضاياه الداخلية ، ويُبرز قوته أمام الناخب الإسرائيلي.
لكن هنالك قد تبدو عقبات امام التصعيد المستمر والطويل بما يؤدي من استمرار خسائر كبيرة قد لا تتحملها الجبهة الداخلية الإسرائيلية ويزيد من الضغوط الدولية ايضا .

وبالنظر إلى الاحتمالين وما أشرت له من عوامل ، فمن المرجح أن يُفضل نتنياهو تحقيق مكاسب تدريجية تضمن له البقاء السياسي دون الدخول في مواجهات واسعة مع القوى الدولية او القضاء الإسرائيلي ، بمعنى دون اي التزام واضح باي احتمال ، لكن بما يفضي الى الاستمرار بتنفيذ الأحتمالين معا بشكل لا يشكل عليه ضغوطات عالية .

وكما أشرت فان الاتحاد الأوروبي قد يشكل العقبة الأكبر أمام محاولات الضم في حال اتخاذ مواقف جادة ، إذ يُعارض بشدة أي خطوات تُهدد حل الدولتين رغم عدم وجود سياسة خارجية موحدة لدول الاتحاد سوى بأجماع الدول الاعضاء ، وذلك في حال اتخاذ اجراءات عملية وفورية تتعلق باوجه الشراكة الأوروبية الاسرائيلية بحق دولة الأحتلال تتضمن تنفيذ التصريحات الصادرة عنهم بتعليق الحوار والمشاورات السياسية .
كما وقد يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى استخدام أدوات دبلوماسية واقتصادية مثل تقليص التعاون وتعزيز الدعم المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية التي تواجه تحديات وعقبات من جانب الأحتلال الإسرائيلي يهدد استمرارها رغم جعلها كسلطة دون سلطة فعلية امام محاولات اعادة الإدارة المدنية الاسرائيلية .

ومن جانب آخر ، فان روسيا والصين ومعهم العديد من الدول التي تدور في فلك مجموعة البريكس و شنغهاي من الدول اللاتينية والافريقة والآسيوية ،
يرفضوا أي خطوات أحادية الجانب قد تُزعزع الاستقرار الإقليمي بل والسلم الدولي ، وقد يُنسقان مع دول أخرى لإحباط مخططات الضم ، الا ان مواقفهم هذه يجب ان تقترن باجراءات اكثر جدية وفعالية لتكون مؤثرة .

اما الدول العربية ، فانها تُواجه ضغوطا متزايدة من شعوبها ومن ما تبقى فيها من حركات سياسية للتعبير عن موقف واضح ضد الضم ، لكن بعضها قد يتجنب التصعيد العلني، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية الحالية والعلاقة مع الأمريكان .

في خضم هذه التحديات، تبرز الحاجة لدور عربي قوي وموحد وجريئ في مواجهة اي أدارة أمريكية ، خاصة بعد القرارات التي صدرت في القمة العربية الإسلامية الأخيرة ، فمن الضروري أن تعمل الدول العربية، وتحديدا المملكة العربية السعودية بالتعاون مع تركيا ومصر وإيران والأردن وبالطبع مع منظمة التحرير صاحبة الولاية السياسية على :
أولا : التأكيد على أن أي حلول سياسية يجب أن تقوم على رؤية إنهاء الأحتلال الاستيطاني كاملا وأولا بما يضمن لاحقا إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود ما قبل ٤ حزيران ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
ثانيا : استخدام كل اشكال الضغط السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية لضمان بقاء مبداء حل الدولتين والمبادرة العربية والقرارات الاممية هي المرجعية الأساسية لأي تسوية سياسية بالمنطقة دون الدخول في صفقات مجزئة كما سيرغب ترامب او كما رغب غيره من قبله ولم تفضي سوى الى استدامة الأحتلال ، والاصرار السياسي الفعلي على عدم القبول بأقل من ذلك بعد وقف عدوان الإبادة وترك غزة للسيادة الفلسطينية .
ثالثا : تعزيز الدعم الدولي للقضية الفلسطينية ، من خلال التنسيق مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين لضمان تشكيل جبهة دولية تُعارض خطوات الضم وتدعم حقوق شعبنا الفلسطيني غير القابلة للتصرف .
رابعا : التعامل مع الإدارة الأمريكية من خلال التواصل المباشر الجريئ و الضاغط باستخدام سلاح الطاقة والمال مع إدارة بايدن قبل تسليم السلطة لتثبيت مواقف داعمة للحقوق الفلسطينية .
كما واستغلال العلاقات الجيدة من جانب بعض الاطراف العربية مع الأطراف الأمريكية للضغط على ترامب وإدارته القادمة للأمتناع عن دعم خطوات الضم ووقف فوري للعدوان دون ما يرغب به ترامب من خلال عقلية الصفقات التجارية .
خامسا : وهو الأهم باعتقادي ، بتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية والعمل بشتى الوسائل الشعبية والديمقراطية على استنهاضها وتعزيز مكانتها باستيعاب كافة الفئات الشعبية فيها من جهة ، وتنفيذ ما تم الإتفاق والتوقيع عليه بلقاء بكين الأخير لتحقيق إنهاء تداعيات الانقسام التي ما زالت قائمة رغم عدوان الإبادة والاقتلاع العرقي ، وذلك بما يُقوي الموقف والخطاب الفلسطيني الموحد في مواجهة التحديات وضرورة مراجعة السياسات وتبني ما يستند الى قرارات المجالس المركزية الاخيرة من حيث العلاقة مع الأحتلال والاستناد الى دبلوماسية وسياسة مقاومة وخطط اقتصاد مقاوم ، بما يتطلب بشكل عاجل الدعوة لأجتماع المجلس الوطني الفلسطيني او على الاقل المركزي بمن يتمكن من الاعضاء وعلى قاعدة تصويب وتوسيع عضويته من القاعدة الجماهيرية والكوادر الوطنية الفاعلة وفق القانون والنظام بعيدا عن حسابات المصالح .

بالمقابل فان نتنياهو يدرك أن دعم الولايات المتحدة هو المفتاح لتحقيق طموحاته، لكنه يعلم أيضا أن الضم الكامل أو التصعيد الكبير والمستمر من اشكال العدوان وتوسعة رقعة الحرب وهو الامر البديل في حال عدم الوصول الى اتفاق مع لبنان قد يُعرّض إسرائيل لمخاطر ولعزلة دولية حقيقية خاصة مع وقوفها في قفص القضاء الدولي وتصاعد الاحتجاجات التضامنية مع شعبنا في عواصم الدول والضرر في مستوى حضورها الدولي كما جرى مؤخرا ببعض العواصم الأوروبية . لذلك، من المحتمل أن يُفضّل نتنياهو نهجا مرحليا، بحيث يُحقق مكاسب محدودة على الأرض تُحافظ على دعم واشنطن وتُقلل من التوتر مع المجتمع الدولي يسعى من خلالها الى محاولات تنفيذ رؤيته الصهيونية المسيانية التي بالتاكيد لن تمر ولن تتحقق وفق تجارب التاريخ واصرار شعبنا على مقاومة ذلك ، فمحاولات فرض الوقائع ليست قدرا على الشعوب .

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى