مركز مدار – تسيبي ليفني تبحث عن “أفضل ملجأ” يبقيها في الحلبة السياسية!
مركز مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلي – برهوم جرايسي – 9/1/2018
قالت أنباء إسرائيلية إن زعيمة حزب “الحركة” تسيبي ليفني أجرت استطلاعات للرأي لفحص امكانية أن تخوض الانتخابات البرلمانية بقائمة مستقلة، وأن تجتاز نسبة الحسم العالية 25ر3%، ولتفض بذلك الشراكة مع حزب “العمل”، في كتلة “المعسكر الصهيوني”، بسبب خلافات بينها وبين رئيس “العمل” آفي غباي. إلا أن فرص ليفني ليست قوية، على ضوء حالة التنافس الشديد بين الأحزاب والكتل القائمة، خاصة وأنها لم تثبت في السنوات الخمس الماضية أن لحزبها حضورا على الأرض، ولذا فإنها تبحث عن خشبة نجاة في نهر هادر جارف، وأي مغامرة غير محسوبة قد تقذفها إلى خارج الحلبة كليا.
وقد دخلت ليفني إلى الكنيست لأول مرة في انتخابات ربيع العام 1999، ضمن حزب الليكود، وبدعم من رئيسه في حينه بنيامين نتنياهو، لتنقلب عليه لاحقا لصالح تحالفها في حزب “الليكود” مع أريئيل شارون، فكان من المستحيل رؤية تلك الشابة تنضم في أي يوم إلى حزب “العمل”، ولا حتى بتحالف انتخابي، فهي كانت رأس الحربة في مهاجمة اتفاقيات أوسلو، والمفاوضات مع سورية والدول العربية، كيف لا وهي ابنة عائلة محسوبة على منظمة “إيتسل” الصهيونية الارهابية، التي نشط فيها والدها في سنوات الأربعين.
ولم تتخل ليفني في أي وقت عن مواقفها اليمينية الصلبة، ولكنها تبدع في تغليفها. فحينما وقفت إلى جانب أريئيل شارون، داعمة خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة، كانت يومها على قناعة بالدوافع الاحتلالية المبيّتة لدى شارون، الذي أراد من تلك الخطة تشديد قبضته على الضفة المحتلة. وكذا حينما كانت وزيرة الخارجية في حكومة حزبها الجديد في حينه، “كديما”، برئاسة إيهود أولمرت، فقد كانت “الحارس اليميني المتشدد”.
ونذكر لها، في خريف العام 2007، قبيل مؤتمر أنابوليس، أنها كانت صاحبة مطلب اعتراف القيادة الفلسطينية بما يسمى “يهودية إسرائيل”. وحينما تسرّبت أمور عن مسار المفاوضات بين أولمرت، والرئيس محمود عباس، ومدى عرض أولمرت للانسحاب من الضفة (في حدود 94%)، هاجمت فورا عبر وسائل الإعلام مجرد الحديث عن نسبة كهذه.
وحتى حينما كانت ليفني زعيمة للمعارضة البرلمانية، وقفت على منصة الكنيست تهاجم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يمينيا، حينما إتهمته بأنه يفتح أبواب مواجهة إسرائيل مع العالم، بينما حينما كانت في حكومة أولمرت، عرفت كيف توطد الاستيطان تحت غطاء المحادثات مع الجانب الفلسطيني. ونضيف إلى كل هذا، مشاركتها في حكومة اليمين المتشددة بزعامة بنيامين نتنياهو في الدورة البرلمانية السابقة.
وبادرت ليفني بنفسها إلى قوانين شرسة، بتوليها وزارة العدل، وأبرزها قانون الاطعام القسري للأسرى المضربين عن الطعام، وتشديد العقوبات على تهمة القاء الحجارة. وقد أقر الكنيست هذين القانونين، في الدورة الصيفية الأولى بعد انتخابات 2015، حينما كانت ليفني نائبة في المعارضة، ولكنها تغيّبت عن التصويت على القانونين، كي لا تدعم الحكومة من جهة، ولعدم قدرتها على معارضة قوانين أشرفت على بلورتها بنفسها من جهة أخرى.
وقال تقرير للكاتب حاييم ليفينسون في صحيفة “هآرتس” قبل أيام قليلة، إن تحرك ليفني جاء بسبب خلاف بينها وبين رئيس حزب “العمل” غباي، بعد أن أعلن الأخير قبل نحو ثلاثة أشهر، أنه لا يمكن اخلاء مستوطنات في اطار الحل الدائم، وفي حينه وجهت لينفي انتقادا حاد لغباي في مجموعة التواصل “واتس أب”، التي تضم أعضاء الكنيست في كتلة “المعسكر الصهيوني”.
وكان غباي قد ظهر في شهر تشرين الأول الماضي، بعد ثلاثة أشهر على انتخابه رئيسا لحزب “العمل”، بمواقف يمينية متشددة، تجعله قريبا لحزب الليكود، خلافا للمواقف التي أعلنها عند انتخابه لرئاسة الحزب. إذ أعلن رفضه لإخلاء مستوطنات في الضفة المحتلة، في اطار الحل الدائم. وقبل ذلك اعلن في اجتماع لفرع حزبه في مدينة ديمونة، انه “ليس واثقا من وجود شريك في الطرف الفلسطيني”. وقال “التقي في الأشهر الأخيرة كثيرا جدا من السياسيين ورجال الامن الذين انشغلوا في المفاوضات مع الفلسطينيين، وأسأل الجميع السؤال التالي: هل يوجد شريك؟ هل يوجد مع من يمكن عقد اتفاق؟ النصف يقولون لا والنصف يقولون نعم. وبشكل مفاجئ فإن الاشخاص ذوي الخلفية الامنية يقولون نعم”. وفي حينه ردت ليفني في تصريحات اعلامية قائلة إن تصريحات غباي لا تعبر عن موقفها.
كذلك من مؤشرات التوجهات اليمينية لدى غباي ما ظهر أيضا قبل أكثر من ثلاثة أشهر، حينما قال لمقربين منه إنه يسعى إلى ضم وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، إلى حزب “العمل”، في الوقت الذي يستفحل التطرف لدى يعلون، الذي تباهى قبل أيام بأنه هو الذي اغتال القائد الفلسطيني الراحل خليل الوزير (ابو جهاد) في تونس، في منتصف نيسان 1988.
إلا أن غباي أفصح عن نيته، بعد أيام قليلة من تصريحات ليعلون، قال فيها إن السلام مع الفلسطينيين هو وهمٌ، إذ لا يمكن سد الفجوات مع الجانب الفلسطيني، الذي يعتبر الدولة الفلسطينية على حدود 67 هو حل مرحلي. وقال إن الضفة الفلسطينية المحتلة تتسع لمليون وحتى لمليوني مستوطن اضافي.
مصير ليفني وتحالفها
يستند حزب “الحركة” إلى شخص تسيبي ليفني، التي أقامت الحزب قبيل انتخابات مطلع العام 2013، بعد انشقاقها عن حزب “كديما”، ولم يثبت وجوده على الساحة السياسية، وليست له قواعد حزبية واضحة وجهاز حزبي نشط، وإنما رئيسة حزب تصارع من أجل البقاء السياسي، مستغلة شعبيتها عند أوساط ليست قليلة في الشارع الإسرائيلي، ولكنها ليست بالحجم القادر على خوض الانتخابات بقائمة مستقلة، بعد رفع نسبة الحسم للدخول إلى الكنيست، من 2%، إلى 25ر3% ابتداء من الانتخابات الأخيرة.
وبالإمكان القول إن غياب النشاط الحزبي يفسر المعطيات المالية التي نشرها تقرير صحيفة “هآرتس” عن حزب “الحركة” إذ في حسابه فائض مالي بلغ 6 ملايين شيكل، ما يعادل 71ر1 مليون دولار، وهذا لكون حزب “الحركة” يتقاضى شهريا من الخزينة العامة ما يعادل 137 ألف دولار، بموجب قانون تمويل الأحزاب، المرتبط بحجم التمثيل البرلماني.
وقبل عامين انتشرت تقارير تقول إن حزب “العمل” وحزب “الحركة” بزعامة ليفني يجريان مفاوضات من أجل دمج “الحركة” بحزب “العمل”، بعد أن حقق التحالف بينهما في انتخابات ربيع 2015 تقدما، ورفع قوة الحزبين مجتمعة من 21 مقعدا إلى 24 مقعدا. إلا أن هذه الأنباء تلاشت، ولكن لم تنشأ خلافات بهذا المستوى بين الحزبين، والعمل البرلماني بينهما سائر بشكل منسجم.
لكن حسب تقرير “هآرتس”، فإن غباي يسعى إلى ضرب حزب “الحركة”، من خلال جذب النائب البارز فيه يوئيل حسون، وهو من كان حتى خريف العام 2005 السكرتير العام لشبيبة حزب “الليكود” حتى انضم لرئيس الحزب في حينه اريئيل شارون لدى الانشقاق واقامة حزب “كديما”، ثم انشق عن “كديما” سوية مع ليفني، لدى تشكيلها حزب “الحركة”. وجاء أيضا، أنه وفق استطلاعات في حزب “العمل” فإن ليفني لها شعبية كبيرة في صفوف الحزب، ولكن تحالفها مع حزب “العمل” حجب أصوات شرائح أخرى تتحفظ من مواقفها.
وفي وقت سابق، كانت ظهرت أصوات في حزب “العمل” دون أن تظهر بأسمائها الصريحة تدعي أن ليفني ليست لها قوة انتخابية في الشارع بقدر ما حصلت عليه ضمن كتلة “المعسكر الصهيوني”، مطالبين بتغيير المعادلة قبيل الانتخابات المقبلة. ولكن من جهة أخرى، فإن قوة حزب “العمل” هي أيضا ليست مضمونة، خاصة على ضوء التقلبات السياسية فيه، وزحفه أكثر فأكثر نحو مواقف اليمين المتطرف. فهذا ما كان بعد الانتخابات في ظل رئاسة إسحاق هيرتسوغ، الذي بادر إلى تغيير برنامج الحزب السياسي في مطلع العام 2016، وبات يستبعد حل الدولتين، ويسعى إلى انفصال من جانب واحد طويل الأمد، ولاحقا في الأشهر الأخيرة من العام الماضي 2017، حينما أطلق غباي تصريحات مشابهة جدا لتصريحات رئيس الحكومة وزعيم حزب “الليكود” بنيامين نتنياهو.
وأمام ليفني عدة خيارات، كل واحد منها محفوف بالمخاطر على وجودها السياسي أساسا، أو على حجم وجودها في الحلبة السياسية.
ونستعرض هنا هذه الخيارات:
*خوض الانتخابات بقائمة مستقلة: هذه هي المغامرة الأخطر بالنسبة لتسيبي ليفني، حتى لو وجدت استطلاعات رأي تجيد لها النتيجة. فحينما خاصت ليفني الانتخابات بقائمة مستقلة في انتخابات مطلع العام 2013، كان ذلك انشقاقا عن حزب “كديما”، الذي كان ممثلا في تلك الدورة البرلمانية المنتهية بـ 28 نائبا، وكان للحزب حضور وقواعد ما، وبضمنهم رؤساء بلديات، كما أن حضور ليفني على الساحة كان أقوى بكثير مما هو اليوم. وعلى الرغم من كل هذا حققت 6 مقاعد، فيما أن من بقوا في الحزب بزعامة شاؤول موفاز حققوا مقعدين برلمانيين فقط، وكانت تلك الانتخابات الأخيرة التي يظهر فيها حزب “كديما” ليتلاشى كليا في انتخابات 2015. وعلى أساس نتيجة 2013 نجحت ليفني في ضمان 6 مقاعد لها في الكتلة البرلمانية “المعسكر الصهيوني”، بالشراكة مع حزب “العمل”، الذي كان هو أيضا يسعى إلى خشبة خلاص، ترفعه من الحضيض الذي قبع فيه على مدى سنوات الألفين، ليعود الحزب الثاني المنافس على الحكم. وحاليا ليست لليفني أية ميزة تنظيمية ولا سياسية على أساسها يمكنها أن تحقق مكسبا انتخابيا في قائمة مستقلة، في انتخابات ستحتد فيها المنافسة بين أحزاب اليمين، مقابل ارتفاع حاد وغير مبرّر في قوة حزب “يوجد مستقبل”.
*تحالفات مع قوى قائمة: أمام ليفني خياران للتحالف، ولا يبدو اي احتمال لكل واحد منهما، الاول: تحالف مع حزب “يوجد مستقبل”، بزعامة يائير لبيد، وهو حزب “اضواء”، لا قاعدة سياسية ثابتة له، وفي العامين الأخيرين يزداد تماثل لبيد وغالبية نواب حزبه مع مواقف اليمين المتطرف في كل ما يتعلق بقوانين ومشاريع قوانين تدعم الاحتلال والاستيطان. كما أن التلاقي بين شخصيتي لينفي ولبيد في اطار سياسي واحد هو أمر شبه مستحيل، رغم أن الاحتمال يبقى واردا. والخيار الثاني هو شراكة مع حزب “ميرتس” اليساري الصهيوني، ولربما تنضم إلى تحالف كهذا قوى أخرى، لكن يوجد بون شاسع نسبيا في المواقف السياسية بشأن حل الصراع، وتقارب شديد في كل ما يتعلق بعلمانية الدولة، ولذا فإن تحالفا كهذه سيؤدي إلى خسارة الجانبين شرائح كانت قد صوتت لهما في الماضي.
*الإبقاء على “المعسكر الصهيوني”: يبقى هذا الخيار الأفضل لليفني، ورغم أنها ستكون مطالبة بالتنازل عن قسم من حصتها في توزيعة القائمة. فمن ناحية سياسية ظهر انسجام واضح في عمل الكتلة البرلمانية، وكذا أيضا في مختلف القضايا، ولم يتم تسجيل أي شرخ بين حزبي “العمل” و”الحركة” خلال العمل البرلماني.
وبالامكان التقدير أنه في نهاية المطاف، فإن كلا الحزبين سيريان أن الخيار الأمثل لهما هو الابقاء على الشراكة في المعسكر، لأن فك العلاقة سيُساهم أكثر في ضعف التمثيل المتوقع لحزب “العمل” في الانتخابات المقبلة، وفق ما يظهر في سلسلة استطلاعات الرأي العام.