ترجمات أجنبية

مركز ستراتفور – توماس حنا يكتب – ماذا يعني انسحاب القوات الأمريكية بالنسبة للعراق؟

مركز «ستراتفور» للدراسات الأمنية والإستراتيجية – توماس حنا – 25/12/2020

سوف يسعى الرئيس الأمريكي المنتخب “جو بايدن” إلى تقليص الوجود الأمريكي في العراق بسبب الضغط السياسي المحلي؛ ما يؤدي إلى تحويل تركيز السياسة الخارجية إلى أهداف أخرى، مثل التنافس مع الصين وروسيا. وسيخلق ذلك مساحة لإيران ووكلائها وغيرهم لكسب المزيد من النفوذ في العراق.

وبعد زيادة القوات الأمريكية في العراق عام 2007، خفضت إدارات “جورش بوش” و”باراك أوباما” ولاحقا “دونالد ترامب” الوجود الأمريكي في العراق إلى حد ما. وكان الاستثناء الملحوظ هو عندما اضطرت إدارة “أوباما” إلى عكس مسار انسحابها عام 2011 بعد صعود تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ويواجه “بايدن” ضغوطا طويلة الأمد من الجناح اليساري للحزب الديمقراطي للتخلي عن العراق كأولوية وهدف من أهداف السياسة الخارجية، وكان للرئيس المنتخب نفسه تاريخ من دعوة الولايات المتحدة لتقليص وجودها في العراق، وخاصة عندما خدم كنائب للرئيس.

وبالمثل، فإن القيادة المركزية الأمريكية لديها هدف معلن يتمثل في تقليص الوجود الأمريكي في العراق بحلول عام 2023، خلال فترة “بايدن”.

ويركز برنامج السياسة الخارجية لـ”بايدن” على قضايا أخرى، مثل المنافسة مع الصين، وإعادة العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين في “الناتو” والاتحاد الأوروبي، ومعالجة قضايا المناخ، كأهداف أكثر أهمية للسياسة الخارجية.

وفي الواقع، لا يظهر العراق حتى في خطة السياسة الخارجية المنشورة لـ “بايدن”، الأمر الذي يشير بشكل غير مباشر إلى إن الإدارة تنوي إنهاء “الحروب التي لا نهاية لها”.

وأصدر البرلمان العراقي قرارا غير ملزم، في يناير/كانون الثاني 2020، يطالب الحكومة العراقية بطرد جميع القوات الأجنبية، وهو قرار أشار توقيته في أعقاب اغتيال الجنرال الإيراني “قاسم سليماني” إلى أنه يستهدف الولايات المتحدة بشكل واضح.

وسيكون لدى إدارة “بايدن” مساحة أكبر للانسحاب؛ لأنها لا تواجه نفس العوامل التي قيدت الإدارتين السابقتين، لكنها لن تنسحب بالكامل في محاولة للاحتفاظ ببعض النفوذ في البلاد. وكانت إدارة “أوباما” قد نفذت انسحابا مدروسا من العراق، لكن تراجعت عندما واجهت البلاد أزمة أمنية وجودية في 2014 بسبب تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ثم ساعدت إدارة “ترامب” العراق على إكمال حملته لاستعادة جميع الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”، مع اتخاذ موقف عسكري أكثر عدوانية تجاه الميليشيات المدعومة من إيران كجزء من حملة “أقصى ضغط” ضد إيران.

ويواجه “بايدن” مجرد بقايا من تنظيم “الدولة الإسلامية”، على عكس إدارة “أوباما”، حيث لم يعد التنظيم يمارس السيطرة الإقليمية على أجزاء من العراق ولا يشكل مستوى التهديد الذي يتطلب وجودا عسكريا أمريكيا أكبر.

وعلى النقيض من النهج العدواني لإدارة “ترامب”، أشار “بايدن” إلى أنه سيتخذ موقفا عسكريا أقل تصادمية تجاه الميليشيات المدعومة من إيران في العراق كجزء من سياسة أوسع لتقليل التوترات مع طهران.

وتعني رؤية الولايات المتحدة للعراق كشريك إقليمي في مكافحة الإرهاب وقضايا أخرى، أنها لن تنسحب بالكامل من البلاد. وتتفهم إدارة “بايدن” المخاطر المحتملة لانسحاب أمريكي كامل، وستسعى إلى تجنبها من خلال الحفاظ على وجود عسكري محدود. وفي ظل غياب أزمة أمنية وجودية أخرى في العراق، من غير المرجح أن تتراجع الولايات المتحدة عن مسارها بالكامل وتزيد من وجودها العسكري.

وتعد إيران القوة الخارجية التي لديها الحافز الأكبر والقدرة على توسيع قوتها ونفوذها في العراق، وستكون قادرة على القيام بذلك على نطاق أوسع في ضوء تراجع ​​الوجود الأمريكي.

ولطالما دفعت الضرورات الجيوسياسية إيران إلى السعي لمزيد من النفوذ في العراق، في حين أن روابطها السياسية والاقتصادية والأمنية الواسعة بالفعل مع العراق قد وضعتها في موقع رئيسي للاستفادة من أي انسحاب أمريكي منتظر.

وبسبب قربها من العراق، فإن لدى إيران الحافز والقدرة على ممارسة المزيد من الضغط في البلاد. ويعد أحد الأهداف الاستراتيجية الرئيسية لها هو منع العراق من أن يصبح جارا مستقلا وقويا كما كان في عهد “صدام حسين”.

ولدى إيران أيضا روابط اقتصادية ودينية وسياسية سابقة مع العراق، بنتها بشكل كبير منذ عام 2003. ولعبت إيران دورا مهما في منع تنظيم “الدولة الإسلامية” من الاستيلاء على بغداد عام 2014، ولا تزال الميليشيات المدعومة من إيران تتمتع بنفوذ كبير داخل البلاد.

وتمنح هذه العوامل إيران ميزة على القوى الإقليمية الأخرى مثل تركيا أو السعودية، التي لديها حوافز مختلفة لتوسيع نفوذها في العراق، لكنها تفتقر إلى المزايا التي تتمتع بها إيران.

وبالرغم من أن الولايات المتحدة لن تنسحب بالكامل، إلا أن الانسحاب الجزئي من العراق سيضعف النفوذ الأمريكي في البلاد، ويجعل من الصعب عليها تحقيق أهداف سياسية مستقبلية إضافية في بغداد، وقد يساهم ذلك في مزيد من عدم الاستقرار السياسي.

وعارضت مجموعات عراقية مختلفة الوجود الأمريكي في العراق، ودعت إلى الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية، في حين تسببت علاقات البلاد مع إيران وروسيا في توترات بين واشنطن وبغداد.

ويعني تراجع الوجود الأمريكي في العراق أن بغداد ستبحث عن قوى خارجية أخرى للحصول على دعم اقتصادي وسياسي إضافي؛ ما يفتح الباب أمام اللاعبين الرئيسيين خارج الشرق الأوسط مثل الصين وروسيا لتوسيع نفوذهم في البلاد.

وستسعى الجهات الفاعلة العراقية الأخرى أيضا إلى ملء الفراغ الناجم عن تراجع النفوذ الأمريكي؛ ما يخلق المزيد من نقاط الاحتكاك السياسي بين الجماعات المتنافسة في بيئة سياسية محلية مجزأة بالفعل ومضطربة. ويمكن أن يفاقم ذلك مشاكل العراق الاقتصادية.

ومن المرجح أيضا أن تؤدي التحركات الأمريكية الملموسة لتقليص وجودها العسكري إلى تشجيع الفصائل العراقية التي دعت إلى انسحاب أمريكي كامل. وستجعل المعارضة الأكثر جرأة للوجود الأمريكي في البلاد من الصعب على واشنطن تحقيق أهداف سياسية أخرى في العراق.

وسيتم تحفيز الفصائل العراقية المعادية للولايات المتحدة، بما في ذلك الميليشيات المدعومة من إيران، لتسريع هذا الانسحاب من خلال شن هجمات وزيادة تكلفة استمرار التدخل الأمريكي في البلاد، وهي استراتيجية رأوا أنها ناجحة في الفترة التي سبقت انسحاب عام 2011.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى