ترجمات أجنبية

مركز «ستراتفور»  –  تجبر أزمات لبنان حزب الله على الانقلاب

مركز «ستراتفور»  –   توماس أبي حنا * – 5/2/2021

 “حزب الله”  يتجه للتركيز بشكل أكبر على الداخل اللبناني في عام 2021؛ حيث يصارع مزيج فريد من الاضطرابات السياسية وأزمة مالية غير مسبوقة وموجة جديدة من التحديات الاجتماعية والصحية، وهو منعطف سيفاقم التوترات السياسية في لبنان مما يقلل من قدرة الحزب على العمل في أماكن أخرى من الشرق الأوسط.

وأصبحت الأزمة السياسية المستمرة منذ أعوام والاحتجاجات واسعة النطاق المناهضة للحكومة، تستحوذ الآن على الكثير من تركيز “حزب الله”. 

وفي تطور استثنائي، استهدفت بعض الاحتجاجات “حزب الله” في مناطق في جنوب لبنان حيث يتركز نفوذ الحزب. 

ويواجه الحزب أيضا نكسات اقتصادية كبيرة بسبب الأزمة المالية غير المسبوقة في لبنان، وتراجع التمويل من إيران، والعقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”.

ومما زاد من تفاقم هذه التحديات، تكريس “حزب الله” المزيد من الموارد لمواجهة وباء “كورونا” لتعزيز التصورات عن قدرته على تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية. 

ويحاول الحزب أيضا استخدام تحركه تجاه أزمة “كورونا” لتمييز نفسه عن اللاعبين السياسيين الآخرين في لبنان الذين كافحوا لاتخاذ خطوات مقنعة للجمهور حيال تفشي المرض في البلاد.

واندلعت أكبر الاحتجاجات المناهضة للحكومة في تاريخ لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ما أجبر حكومة رئيس الوزراء السابق “سعد الحريري” على الاستقالة في وقت لاحق من ذلك الشهر.

واستقالت أحدث حكومة لبنانية برئاسة رئيس الوزراء “حسان دياب” في أغسطس/آب 2020 وسط ضجة عامة في أعقاب الانفجار الدامي في ميناء بيروت. 

ولا تزال الأحزاب الرئيسية عالقة في محاولة تشكيل حكومة أخرى.

وانهارت قيمة العملة اللبنانية خلال العام ونصف العام الماضيين، حيث انخفضت من 1500 ليرة لكل دولار أمريكي إلى ما يقرب من 9 آلاف ليرة. 

ولمواجهة هذه التطورات، من المرجح أن يكرس “حزب الله” المزيد من موارده لتوسيع قوته المحلية، ما يعني تقليل تركيزه على الأهداف الخارجية. 

وفي عام 2012، تدخل “حزب الله” في سوريا لدعم نظام ” بشار الأسد”، ومنذ ذلك الحين أفادت التقارير أنه فقد أكثر من ألف مقاتل في عمليات قتالية كبيرة ضد المعارضة السورية وتنظيم “الدولة الإسلامية” والجماعات المسلحة الأخرى.

وفي يناير/كانون الثاني 2020، ورد أن “حزب الله” لعب دورا رئيسيا في مساعدة الميليشيات المدعومة من إيران في العراق على تشكيل نظرة استراتيجية جديدة بعد اغتيال الجنرال الإيراني “قاسم سليماني” وقائد الميليشيات العراقية “أبو مهدي المهندس”.

وخلال نفس الإطار الزمني، وسع الحزب نشاطه التشغيلي في جميع أنحاء العالم إلى أوروبا الشرقية وأفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا وحتى الولايات المتحدة. 

ودفعت هذه التطورات، بالإضافة إلى ضغوط واشنطن وإسرائيل، دولا من بينها الأرجنتين وجمهورية التشيك وألمانيا وجواتيمالا وإستونيا وباراجواي وصربيا وسلوفينيا والمملكة المتحدة إلى تصنيف الجماعة بأكملها كمنظمة إرهابية على مدار العامين الماضيين.

وارتبط “حزب الله” بعملية عام 2012 استهدف السياح الإسرائيليين في بلغاريا عام 2012، بينما تم اعتقال عناصره في الأعوام اللاحقة أثناء قيامهم بأنشطة عملياتية في قبرص ونيجيريا والولايات المتحدة، من بين مواقع أخرى.

وسوف يخلق تركيز “حزب الله” على الداخل احتكاكا إضافيا بينه وبين الفصائل الرئيسية الأخرى التي تتنافس على السلطة في الفضاء السياسي المزدحم في لبنان، ما يقوض فعالية الحكومة المركزية وقد يعمق المشاكل الاقتصادية ويؤدي إلى مزيد من الاضطرابات المدنية.

وبالرغم من هذه التداعيات السلبية على لبنان ككل، فإن “حزب الله” في وضع جيد للدفاع عن مصالحه على المدى القريب واكتساب قوة متزايدة في الفضاء السياسي المزدحم، بسبب تدفقات الإيرادات المستقلة وترسانته الواسعة من الأسلحة وبرامج التنمية الاجتماعية.

ويعد “حزب الله” جزءا من الجمود السياسي الحاد بين الفصائل التي تتنافس على مناصب وزارية ومصادر الإيرادات وغيرها من أدوات السلطة في لبنان. 

وقد منع هذا الجمود الفصائل من تشكيل حكومة جديدة منذ أغسطس/آب 2020. 

وحتى إذا تشكلت الحكومة فستكون منقسمة وضعيفة، مما يمنعها من تنفيذ الإصلاحات الجوهرية اللازمة لمعالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية.

ويكفل استمرار هذه القضايا اندلاع موجات جديدة من الاحتجاجات واسعة النطاق في لبنان.

وبالمثل، فإن استمرار التوترات وتوافر الأسلحة على نطاق واسع في البلاد، وتاريخ لبنان العنيف، يزيد من خطر تجدد الأعمال العدائية بين الفصائل. 

وفي عام 2008، انتهت الأزمة السياسية في لبنان التي استمرت 18 شهرا بصدامات شملت سيطرة “حزب الله” على أجزاء من العاصمة بيروت.

وفي يناير/كانون الأول 2020، حذر البنك الدولي من “ركود طويل الأمد” في الاقتصاد اللبناني بسبب الافتقار إلى إصلاحات جوهرية.

وفي الشهر نفسه، حذرت وزارة الداخلية اللبنانية أيضا من تصاعد التهديدات التي تستهدف شخصيات بارزة، بما في ذلك السياسيون، بسبب التصاعد الأخير في التوترات السياسية والاجتماعية.

وسيقلل التركيز الداخلي لـ”حزب الله” من قدرته على تحدي إسرائيل علنا وقيادة العمليات العسكرية في سوريا، ما يخفف التوترات اللبنانية الإسرائيلية ويضعف نظام “الأسد”.

ويعرف “حزب الله” أن أي تبادل عسكري مع إسرائيل على الحدود اللبنانية الإسرائيلية المتوترة يزيد من خطر حدوث تصعيد من شأنه أن يدمر جزءا كبيرا من قاعدته ويقوض بشدة مصالحه الاقتصادية. 

ويفتح تفادي “حزب الله” تصعيدا آخر مع إسرائيل الباب أمام الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية للتقدم في مفاوضاتهما بشأن الحدود البرية والبحرية.

وكانت ردود “حزب الله” على التحليقات الإسرائيلية المتكررة فوق الأجواء اللبنانية، وتحطم الطائرات بدون طيار في بيروت، وغيرها من الأعمال على طول الحدود المتنازع عليها، صامتة أو غير موجودة، حتى بعد أن وعد بـ “مرحلة جديدة” من المقاومة في سبتمبر/أيلول 2019.

وبدأت المفاوضات الحدودية بين لبنان وإسرائيل في أكتوبر/تشرين الثاني 2020، في أول محادثات من هذا النوع منذ 30 عاما. 

وجرت المحادثات بموافقة “حزب الله”، الذي يحتفظ بالسيطرة الفعلية على جزء كبير من الجانب اللبناني من الحدود.

واستهدفت عشرات الضربات الإسرائيلية مقاتلي حزب الله ومواقعه في سوريا في الأعوام الأخيرة، لكنها لم تتسبب بعد في رد عسكري مباشر من “حزب الله”.

* محلل الأمن العالمي بموقع ستراتفور .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى