ترجمات أجنبية

مركز دراسات الخليج- نيكولاي كوشانوف-الصين.. كلمة السر في قرارات السعودية النفطية

مركز دراسات الخليج   –   نيكولاي كوشانوف  – 2/5/2020

لا يعني الاتفاق بين أعضاء “أوبك” ومجموعة من الدول غير الأعضاء في المنظمة، أو ما يسمى بمجموعة “أوبك+”، الذي تم التوصل إليه في 12 أبريل/نيسان 2020، نهاية حرب أسعار النفط بالضرورة.

واعتبارا من الشهر الجاري، من المتوقع أن يُخفض المشاركون في الاتفاق إنتاجهم بمقدار 9.7 ملايين برميل يوميا؛ من أجل رفع أسعار النفط.

ومن المفترض أن يُنهي الاتفاق أيضا حرب أسعار النفط التي بدأت بعد فشل المحاولة السابقة من جانب “أوبك+” لتنسيق تخفيضات الإنتاج لشهر أبريل/نيسان وما بعده.

ومع ذلك، لن يحدث هذا، على الأقل في الوقت الحالي. وفي منتصف أبريل/نيسان، فاجأت السعودية مراقبي السوق بإعلان خفض أسعار البيع الرسمية على نفطها لشهر مايو/أيار.

وكانت التوقعات الأولية أن الرياض سترفع الأسعار لدعم كفاح “أوبك+” المشترك من أجل رفع أسعار النفط. ومع ذلك، أثناء رفع الأسعار لسوق الولايات المتحدة، وإبقائها قريبة من مستوى أبريل/نيسان المنخفض لأوروبا، خفضت الرياض الأسعار لآسيا.

علاوة على ذلك، وفقا لما أوردته “رويترز”، حاولت “أرامكو” السعودية تزويد مستهلكي النفط بخيارات لتأخير مدفوعات الإمدادات لمدد تصل إلى 90 يوما.

وأظهرت هذه التحركات بوضوح أن السلطات السعودية تواصل كفاحها من أجل الهيمنة على أسواق النفط، وتعتبر آسيا، والصين تحديدا، على رأس أولوياتها في هذه المعركة.

لماذا الصين ؟

تنظر السعودية إلى آسيا، والصين على وجه الخصوص، باعتبارها السوق الاستهلاكية الرئيسية. ولم تتوقف الرياض قط عن الصراع مع الموردين الآخرين لتأمين حصة مناسبة للمملكة في هذا السوق.

وهكذا، حتى خلال “شهر عسل” العلاقات السعودية الروسية، بين عامي 2015 و2019، وضعت الرياض موسكو كمنافس رئيسي لها في السوق الصينية.

وفي عام 2019، تمكنت السعودية من إسقاط روسيا من المركز الأول في قائمة مصدري النفط إلى الصين، وهي المكانة التي احتلتها موسكو لعدة أعوام متتالية.

واليوم، يرتبط الصراع السعودي على السوق الصينية بضرورة اقتصادية خطيرة. ويختلف الصراع الحالي على أسواق النفط عما شهدته السعودية من قبل.

وفي السابق، كان التنافس مع الموردين الآخرين غير مباشر إلى حد ما. ففي معظم الحالات، لم يؤد التنافس أبدا إلى انخفاض إمدادات النفط إلى الصين من قبل أي من اللاعبين.

وفي الفترة من عام 2015 إلى 2019، كانت الرياض وموسكو تتنافسان على تلبية الزيادة في الطلب على النفط الناتجة عن النمو الاقتصادي الصيني، أو تتنافسان على إمكانية استبدال إيران وفنزويلا كموردين للنفط عندما غادرت هاتان الدولتان بالكامل السوق الصينية تحت تأثير العقوبات الأمريكية.

أما الآن، مع وفرة الإمدادات العالمية التي تفاقمت بسبب الانخفاض غير المسبوق في استهلاك النفط، يكافح السعوديون من أجل الحفاظ على حصتهم الحالية لضمان استمرار بيع النفط.

ولا تشهد سوق النفط العالمية مجرد زيادة في المعروض، لكنها تواجه انكماشا كبيرا في الطلب أيضا.

وبالنسبة للرياض، التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على النفط، فإن الحفاظ على الحصة السوقية هي مسألة حياة أو موت. وتفاقم الوضع لديها أيضا بسبب الانخفاض المحلي في استهلاك النفط ومحدودية القدرات التخزينية لديها.

وإذا فشلت المملكة في العثور على مستهلكين جدد لنفطها، فقد لا يؤدي ذلك فقط إلى انخفاض دخل الصادرات فقط، لكن أيضا إلى انخفاض الإنتاج مع امتلاء المخازن.

لذلك فمع توقع استعادة الطلب على النفط في الصين، تجذب بكين اهتمام السعودية بشكل طبيعي.

وتزداد الصين أهمية بالنسبة للمملكة حين تظل آفاق التعافي الأوروبي والأمريكي من التأثير السلبي لـ”كورونا” غير واضحة، فضلا عن تهديد السلطات الأمريكية بالحد من وجود الأجانب في سوق النفط الأمريكية.

فرص السعودية للفوز

وتجعل القيود على الإنتاج السعودي بموجب اتفاق “أوبك+” من الصعب على الرياض لعب دور المنتج “البديل”، كما لا تراقب السعودية وحدها تعافي السوق الصيني لإنقاذ صادراتها النفطية.

وتحرص دول غرب أفريقيا وأمريكا اللاتينية، فضلا عن دول الخليج الأخرى المنتجة للنفط، وكذلك الشركات الأمريكية، على ضمان موطئ قدم لها في الصين.

وفتحت أسعار النفط المنخفضة فرصا هائلة للصين لجلب كميات من النفط لم تشهدها من قبل.

ولا يظهر المستهلكون الصينيون، بدورهم، أي ولاء للموردين التقليديين، سواء السعودية أو روسيا، مع إعطاء الأفضلية لأولئك الذين يمكنهم تقديم أسعار أفضل.

ولا ينبغي تجاهل أنه في منتصف يناير/كانون الثاني 2020، وقعت الصين والولايات المتحدة على ما يسمى بـ”المرحلة الأولى” من الصفقة التجارية، التي تنطوي على تعهد صيني بمليارات الدولارات من صادرات النفط والبتروكيماويات من الولايات المتحدة.

ويمكن لهذا التعهد أن يساعد بالتأكيد الولايات المتحدة في نضالها من أجل حصة في سوق النفط الصيني؛ ما يؤثر سلبا على فرص السعودية لزيادة حصتها السوقية في الصين.

القتال مع الدب الروسي

ولا يجب نسيان روسيا كذلك. وتسببت التخفيضات السعودية لشهر أبريل/نيسان في تراجع جاذبية خام “إسبو” الروسي في أعين الصين. ومع ذلك، فإن الوضع مع خام “الأورال” الروسي ظل تحديا أمام المصالح السعودية.

وتقليديا، تم تصدير خام “الأورال” الروسي في الغالب إلى أوروبا. وفي مارس/آذار، انخفض سعره بشكل كبير تحت التأثير السلبي لـ”كورونا” على الطلب على الوقود في أوروبا.

نتيجة لذلك، حتى مع إضافة جميع تكاليف النقل المرتفعة، أصبح خام “الأورال” فجأة مثيرا للاهتمام بالنسبة للمستهلكين الصينيين بقدر النفط السعودي.

وفي مارس/آذار، وقع مستوردو النفط الصينيون صفقات مع الموردين الروس لشراء مستوى قياسي من شحنات “الأورال” في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2020.

وبالتزامن مع ذلك، تراجع الطلب المحلي على الوقود في روسيا بسبب “كورونا” مما ساعد موسكو على توفير أحجام إضافية للصادرات، وأدى إلى انخفاض أسعار النفط الروسي.

ولا يزال قرب روسيا الجغرافي من الصين عاملا مهما آخر. ويساعد هذا العامل موسكو على تقليل تكلفة النقل لمستلزماتها وكذلك وقت التسليم.

وفي حالة السعودية، ربما يمثل وقت وتكلفة النقل تحديا حقيقيا. وفي مارس/آذار، وضعت السعودية والإمارات خططا لزيادة حجم صادرات النفط؛ ما أدى إلى زيادة الطلب على خدمات الشحن وناقلات النفط بشكل كبير.

وفي أبريل/نيسان، أثرت تكلفة الإيجار المتزايدة على ميزة السعر السعودي في مقابل النفط الروسي. ويمكن حل هذه المشكلة جزئيا إذا قررت المملكة استخدام احتياطياتها النفطية المخزنة في “أوكيناوا” (جنوبي اليابان) لتزويد الصين. ومع ذلك، وبالنظر إلى الحجم المحدود لهذه الاحتياطيات، فلن يكون هذا سوى حل مؤقت.

المعضلة السعودية

وربما تلعب الاستراتيجية الصينية لتنويع إمدادات الهيدروكربونات دورها ضد المصالح السعودية في السوق الصينية.

وبحلول عام 2020، تمكنت السعودية بالفعل من زيادة حصتها بشكل كبير في السوق الصينية. ومع ذلك، حدث هذا عن طريق الصدفة؛ فقد كانت القيادة الصينية بحاجة ماسة إلى مورد ليحل محل إيران أو فنزويلا أو الولايات المتحدة، ولم يكن لديها الوقت للاختيار بشكل صحيح من بين الخيارات المتاحة.

علاوة على ذلك، يتعارض ارتفاع حصة السعودية من واردات النفط الصينية لعام 2019 مع مبادئ بكين لأمن الطاقة الوطنية، التي تشجع على زيادة تنويع موردي النفط.

نتيجة لذلك، في عام 2020، ربما تحاول بكين تحجيم اعتمادها على السعودية. وفي هذا الصدد، يبدو أن الحفاظ على الاعتماد على الموردين من خارج الخليج هو السيناريو الأكثر ترجيحا للصين.

وقد حدد هذا الوضع تحركات الأسعار السعودية في أبريل/نيسان. وسمحت خصومات أخرى على أسعار مايو/أيار لآسيا بتحقيق أهداف متعددة للرياض في نفس الوقت.

وجعلت التخفيضات الإضافية خام “إسبو” الروسي أقل جاذبية للصينيين مما كان عليه من قبل، وعادل النفط السعودي خام “الأورال”. كما جعلت عروض أمريكا وغرب أفريقيا أقل تنافسية.

وأدى رفع الأسعار إلى أوروبا والولايات المتحدة إلى تحويل تدفقات النفط السعودي بشكل طبيعي إلى الصين.

كما قللت الرياض أيضا من منافستها مع المنتجين الأمريكيين في السوق الأمريكية. ولم تكن تلك طريقة فقط لإرضاء “ترامب” الذي كان قلقا للغاية بشأن التنافس السعودي مع منتجي النفط الأمريكيين. فمن خلال القيام بذلك، تشجع المملكة الأمريكيين على التركيز على أسواقهم الخاصة أولا بدلا من النظر إلى آسيا.

إضافة إلى ذلك، يمتلك السعوديون أوراق إضافية في جعبتهم. وتوفر التكلفة المنخفضة للإنتاج، والمجموعة الواسعة من درجات النفط المنتجة في السعودية، إمكانية للمملكة للوصول إلى عدد كبير من المستهلكين والقدرة على تحدي النفط الروسي.

ويمكن للرياض، باعتمادها على عقود التوريد طويلة الأجل والاستثمارات داخل الدول المستوردة لنفطها (الصين كمثال)، أن تحافظ على الحصة السوقية للهيدروكربونات السعودية.

وفي الفترة 2018-2019، حاولت السعودية بنشاط توسيع وجودها في قطاع البتروكيماويات في الصين؛ حيث وافقت مبدئيا على شراء أسهم في عدد من المصافي في البلاد.

وأخيرا، فإن الرياض قادرة على استخدام مخزونها من النفط لتلبية أي زيادة في الطلب الصيني دون الحاجة إلى زيادة الإنتاج على الفور.

ويجعل كل هذا الرياض مستعدة لشن حرب للحصول على حصتها في السوق الآسيوية، وأن تبذل قصارى جهدها للحفاظ على موقعها حتى يتم تخفيف قيود إنتاج “أوبك+” في وقت لاحق من هذا العام.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى