مركز دراسات الأمن القومي – روسيا كعامل ضابط بالمواجهة الإيرانية – الإسرائيلية في سوريا

معهد دراسات الأمن القومي – بقلم تسيفي ماغين، فيرا ميخائيل شابيرا، أودي ديكل – 30/5/2018
حتى الآن يُعتبر شهر مايو احتفاليًا بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: في السابع من هذا الشهر أدى اليمين الدستورية لولايته الرابعة، بعد يومين من ذلك، في التاسع من مايو أقيم احتفال بيوم الانتصار على ألمانيا النازية، وفي الخامس عشر من مايو افتتح الجسر الذي يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم. مع ذلك، الوضع ما زال أكثر تعقيدًا بالنسبة للكرملين، سواء في الساحة الدولية أو الشرق الأوسط.
تعم خيبة الأمل في الكرملين لأن الرئيس ترامب لا يستطيع تقديم المساعدة في تحسين العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، وتزايد الضغط الدولي عليها، في ابريل، تم فرض عقوبات أمريكية أقسى من أي وقت على روسيا. كما يشعر الكرملين بالقلق من تحقيقات تدخل روسيا في انتخابات 2016 للرئاسة الأمريكية، إذ أنها قد تؤدي لتشديد الضغط. علاوة على ذلك، تغيبت روسيا في الأشهر الأخيرة عن الخطوتيْن السياسيتيْن الأهم اللتان تم تسجيلها في الساحة الدولية: الأزمة أمام كوريا الشمالية والحوار بين الولايات المتحدة وأوروبا حول إلغاء الاتفاق النووي مع إيران.
أما عن عملية تنفيذ السياسات الروسية في سوريا فهي مستمرة (في 15 مايو عقد لقاء آخر في الأستانة، هدفه ترسيخ المراقبة في مناطق عدم السيطرة)، وذلك بجانب شعور متزايد بأن روسيا لم تنجح بسحب نفسها من الساحة السورية في الوقت التي كانت تتمناه. رغم نجاحها في توطيد حكم الأسد؛ إلا أنها لم تتمكن من تطبيق خطوة تسوية سياسية تضع حدًا للحرب الأهلية، ممّا سيعطيها تغييرات في دورها في تعزيز حل للصراع، وعلى رأسها تجسيد عودتها للساحة الدولية، وفي المقابل رفع العقوبات المفروضة عليها.
لقد تآكل الدافع لرفع العقوبات في ظل عدم وجود مخرج من الورطة السورية، وخصوصًا في أعقاب الحاجة لمساعدة المنظومة الدولية، وبالأساس الولايات المتحدة ودول أوروبا، في محاولة لصياغة مخطط لتسوية في سوريا بحيث يكون متفقًا عليه من قبل جميع الأطراف المعنية. في ظل غياب خطوة تسوية فعالة، تحتاج روسيا لمواصلة مساعدة قوات الأسد في احتلال مناطق ممّن هم تحت سيطرة المتمردين ونقل سكان سنيين من مناطق ذات مصلحة لنظام الأسد، بشكل رئيسي للشمال لمنطقة إدلب والعمل على سيطرة نظام الاسد على أغلب المناطق المحتلة في سوريا.
وفي غضون ذلك، ازداد التوتر مؤخرًا في علاقات روسيا – إيران حول تشكيل تسوية مستقبلية في سوريا، في أعقاب سياسات إيران المستقلة هناك. إيران من ناحيتها تعمل لتعزيز مصالحها في سوريا، حتى على حساب المصالح الروسية، تعزز تمركزها العسكري من خلال وكلائها، وتتصرف بطريقة قد تجر لتصعيد مع إسرائيل، نشاطات إيران قد تمس بـ “المشروع” الروسي الذي يركز على الحفاظ على نظام الأسد وفرض تسوية سياسية، يسميها الروس باسم “بنية غير مركزية” تأخذ بعين الاعتبار الوضع وعلاقات القوات في المنطقة، التسوية التي لا تتفق معها إيران، حيث أنها تسعى لحكم مركزي قوي يخضع لتأثيرها.
ومع ذلك، بدى مؤخرًا أن روسيا وجدت تحديدًا في الساحة السورية وحول التوتر بين إسرائيل وإيران مفتاحًا للبادرة لإجراءات سياسية بقيادتها. في أعقاب التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل في سوريا وتطور المواجهة المباشرة بينهما، برزت بكامل قوتها مسألة الموقف الروسي: هل روسيا محاصرة بين الجهات المتخاصمة وبلا خيار عليها أن تُنصب نفسها كعامل كابح أو أنها تستطيع ان تستفيد تحديدًا من المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، خصوصًا في المرحلة التي مازالت المواجهة مسيطر عليها ومحدودة؟
على خلفية ذلك، تسعى روسيا لإيجاد حل لكل التحديات التي تواجهها أمام الغرب، أمام إيران وأمام إسرائيل، وذلك مع استغلال للأزمات التي تخلق بين اللاعبين المختلفين، بحيث يبقى هدفها حماية نظام الأسد، تعزيز قدراتها لاستغلال عوامل التأثير، وضعها المهيمن في أي تسوية بسوريا، وكسر عزلتها الدولية. يجدر التأكيد في هذا السياق على الأفضلية الروسية الأبرز الآن وهي القدرة على التحاور مع كل الأطراف المعنية وعلى أن تكون آلة منع التصعيد لحرب؛ مصلحة مشتركة لإيران وإسرائيل.
اختيار طرف في المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية ليس مصلحة روسية، فروسيا بحاجة لإيران على المدى القصير، أيضًا رغم التوتر مع طهران في مسألة مستقبل سوريا، في أعقاب دور إيران المركزي في القتال في الأرض في إطار الائتلاف الموالي للأسد، بالإضافة لذلك، بقيت إيران حليف روسيا في المعسكر المعادي للغرب في الساحة العالمية. في الوقت نفسه، ليس من مصلحة روسيا المواجهة مع إسرائيل، بالتأكيد في ظل قوة إسرائيل بإلحاق الضرر بنظام الأسد، في حال لم تنجح في إحباط التطلع الإيراني للتمركز العسكري في سوريا وخلق تهديد مباشر على إسرائيل.
انتقالًا لوضع إسرائيل كقوة عسكرية إقليمية رائدة، قادرة على عرقلة أي نشاط عدواني في المنطقة، ترى روسيا في إسرائيل أيضًا جسرًا ممكنًا بين موسكو وواشنطن في ظل العلاقات الخاصة لها مع الطرفين. في نفس الأسبوع الذي افتتحت فيه السفارة الأمريكية بالقدس، شارك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو – بجانب الرئيس بوتين – في احتفال أجري في موسكو لإحياء يوم الانتصار على ألمانيا النازية، في موسكو سُمعت انتقادات حول وقوف نتنياهو بجانب بوتين في موكب الانتصار والنشيد الوطني “هتكفاه” في الميدان الأحمر، من طرف مسؤولو الخارجية والأمن في روسيا، الذين يدعمون إيران، ولا يتعاطفون مع إسرائيل ويعادون الغرب. السؤال: إلى أي حد ستنجح روسيا بالمناورة بين إيران وإسرائيل والسيطرة على الأحداث، بحيث لا تخرج عن السيطرة؟ والجواب: طالما استمرت الحرب الأهلية في سوريا، سيكون لدى روسيا على ما يبدو حرية ومرونة للمناورة بين الطرفين.
لقد انعكست السياسات الروسية في نتائج لقاء بوتين – نتيناهو، في وقت إحياء الانتصار على ألمانيا النازية؛ أولًا: مسألة حرية العمل الإسرائيلية في سماء سوريا، ستواصل إسرائيل على ما يبدو كسبها تفاهم واستمرارية عمل آلية التنسيق الجوي مع روسيا، ويرتبط بهذا أيضًا الطلب الإسرائيلي بعدم نقل منظومات صواريخ “اس 300” للسورين، حيث تستجيب حتى الآن لهذا الطلب بشكل إيجابي. ثانيًا: بالنسبة للقضية الأكثر حساسية والمرتبطة بالتواجد الإيراني في سوريا، تتطلع موسكو لحل وسط بين الطرفين، فهي تنوي كبح إيران وتهدئة إسرائيل، في ظل القلق من اندلاع مواجهة والتهديد الإسرائيلي بالمساس المحتمل بالأسد وموقف روسيا كوسيط دولي.
الحل الوسط الذي يسعى إليه الروس يشمل تقييد نشر قوات إيرانية ووكلائها في سوريا، وبشكل أساسي ابتعادهم عن الحدود بين سوريا وإسرائيل على بعد لا يشكل تهديدًا مباشرًا على إسرائيل (غير واضح إن كان الاقتراح الروسي يتطرق لوضع منظومات سلاح إيرانية في سوريا، خصوصًا صواريخ أرض – أرض ومنظومات دفاع جوية). وجانب آخر في التطرق للمستقبل، أكد الرئيس بوتين أثناء زيارة الرئيس الأسد الأخيرة لسوتشي (17 مايو) على ضرورة إخراج القوات الأجنبية من سوريا، وفي اليوم التالي من اللقاء أوضح مبعوث الرئيس بوتين أن القصد هو كل القوات الأجنبية في سوريا، بما فيها القوات الإيرانية، حزب الله، تركيا، والولايات المتحدة.
قضية التواجد الإيراني في سوريا تم التأكيد عليها أيضًا في الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 21 مايو، وفيه تمت مطالبة إيران بإخراج قواتها من البلاد. كما هدد بومبيو بأن الولايات المتحدة “ستدمّر” وكلاء إيران، وأضاف أنه “لن يكون لإيران أي سيطرة واسعة في الشرق الأوسط أبدًا”.
فعليًا، تمنح إدارة ترامب إسرائيل دعمًا واسعًا في النشاطات التي تهدف لمنع التمركز الإيراني في سوريا، لكن هذا لا يعني أنها ستعمل لتحقيق الهدف بدلًا من إسرائيل. في ظل هذه الظروف، وبعد الهجوم الإسرائيلي الواسع على مواقع ومنشآت تخدم “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا، ردًا على إطلاق صواريخ نحو هضبة الجولان؛ من الصعب وجود اتفاق إسرائيلي على اقتراح تسوية روسي، والذي سيشمل تواجد قدرات عسكرية إيرانية في سوريا، التي تهدد إسرائيل والمطلوبة لمحاربة الائتلاف الموالي للأسد ضد قوات المتمردين.
مع ذلك، وفي الوقت الذي لا تتطلع إيران ولا إسرائيل لتصعيد المواجهة بينهما لحرب؛ تستطيع كل منهما إعطاء روسيا دور الوسيط والضابط من أجل السيطرة على خطوات التصعيد ووقف الجانبيْن المتحاربيْن، حين تخرج الأمور عن السيطرة.