مركز دراسات الأمن القومي – تداعيات تطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق الضفة
ترجمة خاصة عن مركز دراسات الأمن القومي – بقلم بنينا شربيت باروخ – 11/1/2018
في الفترة الأخيرة تتزايد الأصوات التي تنادي بتطبيق السيادة الإسرائيلية في مناطق الضفة الغربية، تختلف الاقتراحات من حيث النطاق، هناك من يتحدث عن كل المنطقة، البعض يتطرق لمناطق (C)، أي المنطقة الواقعة خارج تجمعات المدن والقرى الفلسطينية الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية (مناطق A وB)، وهناك من يقترح تطبيق السيادة على جزء/ كل التجمعات اليهودية في الضفة الغربية. يشار إلى أن تطبيق التشريع الإسرائيلي على المنطقة هو فعليًا تطبيق للسيادة، وتطبيق السيادة هو فعليًا ضم، الفرق بالمصطلحات يرتكز على أساس حساسية سياسية، لكن ليس هناك فرق قضائي حقيقي بينها.
الاقتراحات التي يتم تناولها ترتكز بشكل عام على حجج أيديولوجية، تتعلق بحق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل كاملة، لكن تسمع حجج ترتكز على أساس حقوق المواطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في تلك المناطق الذين يجدون أنفسهم كمواطنين من الدرجة الثانية، لأن مكان إقامتهم لا يطبق عليه القانون الإسرائيلي بشكل كامل.
في 1967 سيطرت إسرائيل على مناطق الضفة الغربية (وكذلك مناطق أخرى)، رغم حجج إسرائيل بحقها في المنطقة؛ لم تطبق إسرائيل سيادتها على كل تلك المناطق، بل على القدس الشرقية فقط. من ناحية المجتمع الدولي، المنطقة كلها (بما فيها القدس الشرقية) هي في وضع منطقة محتلة وليس لإسرائيل الحق بضمها. وبناءً على ذلك، ضم القدس الشرقية لم يعترف به، والعالم – بما فيه الولايات المتحدة – لا يتطرق إليها كمنطقة تابعة لإسرائيل. في باقي المناطق طبقت إسرائيل فعليًا قوانين السيطرة العدوانية، التي هي بالطبع قوانين احتلال، حيث ان منظومة القوانين المتعلقة بذلك حسب القانون الدولي لوضع تتم به السيطرة على منطقة خلال الحرب ووفق الحاجة في إطار قانوني لتسوية الصلاحيات ومسؤولية الحكم تجاه السكان الذين يعيشون في المنطقة.
في الضفة الغربية لا يُطبق القانون الإسرائيلي، القانون الداخلي المطبق يرتكز على أساس القوانين التي كانت قائمة قبل 1967 والتشريعات الأمنية، أي الأوامر التي يصدرها قائد قوات الجيش الإسرائيلي في المنطقة. مع ذلك، القائد العسكري يُصدر بالنسبة لكل المستوطنات الإسرائيلية أوامر بلدية، التي تعتمد على العديد من الترتيبات من المحكمة الإسرائيلية، مثل مجال التعليم، الرعاية الاجتماعية، الحكم المحلي وغيرهم. وقد نُشر مؤخرًا أنه بناء على طلب وزيرة القضاء، تم إصدار توجيهات بتحسين عملية موائمة القوانين المطبقة على المستوطنات مع التغيرات في القانون الإسرائيلي.
معنى القول بأن جزءًا ملحوظًا من الفجوات القانونية الموجودة بالنسبة لسكان المستوطنات يمكن حلها دون حاجة لتطبيق القانون كله على المناطق، الفجوة الأساسية هي في مجال القوانين المطبقة على الأراضي في المنطقة. المشكلة الأساسية الكامنة في أفكار تطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية أو جزء من المناطق هي تجاهل أهمية الخطوة بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المناطق ومستقبل السلطة الفلسطينية، وتداعيات ذلك على إسرائيل، سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الدولي.
إجراءات تطبيق السيادة على مناطق الضفة الغربية ستؤثر بشكل مباشر على الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق الذين تطبق عليهم السيادة. على سبيل المثال، في مناطق (C) يعيش حوالي 200 – 300 ألف فلسطيني. في حال تحولت منطقة كهذه لتصبح جزءًا من إسرائيل فإن هؤلاء الفلسطينيين سيصبحون مقيمين دائمين في إسرائيل، ويتمتعون بجميع الحقوق المتعلقة بذلك، بما فيها حرية التنقل وحق التأمين الوطني. سيكون لهم أيضًا حق بالمطالبة بالمواطنة الإسرائيلية، وإلا فمن المرجح أن يبقوا بوضع مشابه لسكان القدس الشرقية الذين لم يحصلوا على مواطنة، وهو وضع يشكل مشكلة بحد ذاتها بالنسبة لنا.
تطبيق السيادة على كل مناطق (C) سيؤثر أيضًا على الفلسطينيين الذين يعيشون خارج هذه المناطق (A وB): في مناطق (C) أراضٍ، بنىً تحتية وملكيات أخرى تابعة لهؤلاء السكان أو تكفي لاحتياجات الحياة الخاصة بهم. بالإضافة لذلك، من أجل الوصول من مكان لمكان في مناطق (A وB) ليس هناك مجال إلا بالمرور بمناطق (C) التي تمثل 60% من المنطقة، ونظرة على الخريطة توضح ذلك جيدًا. علاوة على ذلك، هناك علاقات أسرية وغيرها بين سكان مناطق (C) وسكان (A, B). المساس بحقوق الفلسطينيين في المنطقة وتقييد تنقلهم سيثير إدعاءات بانتهاك حقوق الانسان الأساسية، إن منح حقوق مختلفة للسكان في المنطقة التي يتم ضمها لإسرائيل سيكون من الصعب تسويته مع الحقوق الأساسية المحددة في القانون الإسرائيلي، نظام كهذا قد يتم وصفه من طرف منظمة بحثية بنظام أبرتهايد.
بالإضافة لذلك، خطوة كهذه قد تخلق أزمة صعبة في علاقات السلطة الفلسطينية وبالتعاون معها، سواء في المجال الأمني والمدني، الحديث هنا عن خطوة تتعارض بشكل صريح مع الاتفاقيات بين الجانبين وتدل على غياب نية التوصل لحل للصراع في إطار الاتفاقيات. وهناك معنى آخر لذلك، وهو خلق شعور باليأس في صفوف الفلسطينيين بشأن احتمال تحقيق تطلعاتهم الوطنية، مما قد يزيد دوافع الإرهاب والعنف.
انفصال تام عن العلاقات مع السلطة سيُلزم الجيش بتوسيع نشاطاته في عمق المناطق الفلسطينية. بالإضافة لذلك، خطوة كهذه تعتبر ضربة قاضية لفكرة حل الدولتين مستقبلًا، قد تقود لانهيار السلطة في ظل الضغط الداخلي عليها، أو قرار من طرفها. ضمن سيناريو كهذا، قد تجد إسرائيل نفسها مسؤولة عن كل السكان الفلسطينيين في كل المناطق، بكل مجالات الحياة. الآثار المترتبة على ذلك كثيرة، سواء من ناحية التهديدات الأمنية المتزايدة والاستعدادات اللازمة في ظل الحاجة لنشاطات مستمر في كل المناطق، وسواء من ناحية الآثار الاقتصادية الكبيرة المتمثلة في توفير كامل لاحتياجات حوالي 2,5 مليون مواطن فلسطيني، ومن المرجح أن الدعم الخارجي للفلسطينيين سيتوقف.
في المجال الداخلي، إدارة ترتيبات تمييزية وجائرة طويلة الأمد أمام السكان الفلسطينيين، سواء في المناطق التي يتم ضمها أو خارجها، تفرض عبئًا ثقيلًا على الديمقراطية الإسرائيلية وعلى الحفاظ على قيم الدولة وتخلق مسار تصادم داخل المجتمع الإسرائيلي. أحد الضحايا لذلك يتوقع ان تكون المحكمة العليا، التي ستضطر للاختيار بين استمرار الدفاع عن حقوق الانسان، على حساب تصادم مع القيادة السياسية، وبين التخلي عن دور المراجعة القضائية الموضوعية في هذه المجالات، على حساب انهيار وضعها كمحافظة على الديمقراطية الإسرائيلية بشكل عام. تطبيق السيادة الإسرائيلية فقط في مجال المستوطنات الإسرائيلية سيقلل بدرجة معينة الآثار المترتبة على الخطوة على الفلسطينيين. مع ذلك، خطوة كهذه أيضًا ستدعم الادعاءات بشأن الأبرتهايد في ظل وجود منظومة قوانين منفصلة، ظالمة للسكان الفلسطينيين أمام الإسرائيليين، كما أنه يتوقع أن تمس بشكل كبير بالتعاون مع السلطة، خصوصًا في المجال الأمني، وزيادة خطر المساس بعملها.
على الصعيد الدولي، أي خطوة كتطبيق السيادة الإسرائيلية على المناطق – حتى أن كان الحديث عن نطاق المستوطنات فقط – سيُنظر إليها على أنها إحباط لخيار حل الدولتين وسيفرض على إسرائيل ذنب تمديد الصراع، كما سيُنظر للخطوة على أنها انتهاك صارخ للمحكمة الدولية وقرارات دولية متعلقة بالأمر، أيضًا خطوة كهذه ستقوض علاقات السلام مع مصر والأردن، وسيُصعب جدًا كل محاولة للتقرب لدول أخرى في المنطقة.
ليس هناك شك بأن خطوة كهذه ستسبب ضربة قاسية للتعاون الدولي مع إسرائيل، سيكون هناك مطالب بأن أي اتفاق أو خطة أو مبادرة لا يتم تطبيقها على المنطقة التي يتم ضمها، ستضطر إسرائيل حينها لأن تتخذ قرار التخلي عن كل ذلك، وستمس بمصالحها الاقتصادية، العلمية والثقافية للدولة.
قرار الضم أيضًا قد يؤثر على احتمال تنفيذ إجراءات جنائية دولية، قرار الضم بالتأكيد سيؤثر على قرار فتح تحقيق، وربما قد يقود لتقديم لوائح اتهام. لوائح الاتهام هذه قد تكون موجهة أيضًا ضد وزراء وحتى ضد رئيس الحكومة، حيث ان المحكمة الجنائية لا يوجد فيها حصانة لرئيس حكومة على رأس عمله.
يتضح من كل ما سبق ذكره أن قرار تطبيق السيادة الإسرائيلية على المناطق له أهمية كبيرة، وعلى إسرائيل ان تأخذ قرار السعي – رغم كل ذلك – لتقديم خطوات تعزز تطبيق السيادة كجزء من تحقيق موقف أيديولوجي. ومع ذلك، قرار كهذا يجب اتخاذه بعد نقاش جديّ استراتيجي، يتناول جميع الآثار المترتبة والمتوقعة كجزء من سياسات شاملة، هدفها تقديم موقف ثابت مناسب من وجهة نظر الحكومة، وليس كخطوة جزئية نابعة من دوافع سياسية داخلية.
أطلس للدراسات