مركز دراسات الأمن القومي: أفكار من لعبة الحرب
بقلم أودي ديكل واساف أوريون وعنات بن حاييم وتسيبي مغن، مركز دراسات الأمن القومي 2/5/2018
ليلة الـ 29من ابريل، أبلغ الجيش السوري ان عددًا من القواعد العسكرية في منطقتي حلب وحماة هوجمت بالصواريخ، واعتبر الهجوم “عدوانًا جديدًا من قبل أعداء سوريا”، وقد أبلغت مصادر مختلفة ان الهجوم استهدف مطارًا قريبًا من حلب وقاعدة عسكرية في منطقة حماة، والتي تستخدم أيضًا من قبل الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية التابعة لإيران، كما وأشارت التقارير إلى الهجوم على موقع يحتوي على بنى تحت أرضية لإنتاج وتخزين الصواريخ، والذي تم إنشاؤه بمساعدة كوريا الشمالية وبتمويل إيراني بالقرب من حماة. الهجوم على ما يبدو أحدث إضرارًا كبيرًا للموقع تحت الأرضي والاسلحة المخزنة فيه، ودمّر عشرات الصواريخ، وأسقط عشرات القتلى، ربما يكون بعضهم من الإيرانيين.
قبل ذلك بشهر، أعدت في مركز دراسات الأمن القومي “لعبة حرب” لإيضاح حدود الحرب المستمرة على الجبهة الشمالية والتطورات المحتملة للتصعيد بين إسرائيل وإيران ووكلائها. خلال اللعبة درس سيناريوهين اثنين للتصعيد: السيناريو الأول تضمن تبادل الضربات بين إسرائيل وإيران على الأرض السورية، في إطار عمليات إسرائيل لإحباط التمركز الإيراني في مواجهة محاولة إيران لاختبار وتحدي الخطوط الإسرائيلية الحمراء، والسيناريو الثاني عرض تصعيدًا على الساحة اللبنانية في أعقاب هجوم منسوب إلى إسرائيل على موقع لتجميع الصواريخ الدقيقة على أرض لبنان. نتيجة لذلك بدأت عملية من سلسلة الفعل ورد الفعل بين البلدين، ووكلاء إيران وبتدخل متغير من قبل كل من روسيا والولايات المتحدة والمنظومة الدولية. السيناريو الثاني قدم تصعيدًا على الساحة اللبنانية في أعقاب هجوم ينسب إلى إسرائيل على موقع تركيب الصواريخ الدقيقة على أرض لبنان، وكان الهدف أيضًا اختبار مسألة استراتيجية أساسية: هل الجبهة الشمالية هي بالفعل قطعة واحدة فيها جبهتين (سوريا ولبنان) أم أنهما ما تزالان جبهتان منفصلتين لهما منطقين مختلفين ويعكسان مصالح متباينة؟
رؤى مركزية
كشفت اللعبة سلسلة من التوترات بين مختلف اللاعبين، نابعة أيضًا من المصالح الخاصة لكل لاعب. مع ذلك، تفضيل احتياجات المدى الزمني القريب على المدى البعيد – إلى جانب الثقل الآخذ بالتزايد لمشاعر الشرف والمظهر والصور على الاعتبارات الاستراتيجية الباردة – يجعل اللاعبين يعملون ولأكثر من مرة على خلاف مصالحهم الأساسية.
الرؤية المهمة التي ظهرت في اللعبة هي أن لجميع اللاعبين المعنيين (إسرائيل وإيران وسوريا وحزب الله وروسيا والولايات المتحدة) مصلحة مشتركة وهي منع التصعيد الذي يقود إلى الحرب، وعليه فمن المتوقع ان يضعوا لأنفسهم كوابح من أجل السيطرة على درجات التصعيد. العوامل الكابحة للمحور الإيراني – السوري هي الرغبة في التأسيس لنظام الأسد في جميع المنطقة السورية، والخوف من قوة الضرر الذي تحدثه إسرائيل، والذي من شأنه أن يمس بالمشروع الروسي – الإيراني المشترك في الحفاظ على حكم الأسد، وتوجه الرئيس ترامب لإخلاء القوات الامريكية من شرق سوريا في وقت مبكر، والذي يبرر صبر إيران إلى حين إخلاء هذه القوات والحاجة إلى التفكير بمصالح روسيا وسعيها لإيجاد ترتيب سياسي في سوريا. رغم هذا كله، فللتصعيد ديناميكيته الخاصة، وسيما بسبب قواعد اللعب التي تفرض على الكثير من اللاعبين الرد والانتقام على عمل العدو ضدهم، والتي من بينها عوامل عرضية (نتائج غير مقصودة، إلى جانب التقديرات الخاطئة) الكثير من التأثير على تطور الأحداث.
نقطة أخرى تعلقت بحدود الحرب، إسرائيل لا توجه بالضرورة “حرب لبنان الثالثة” ولا “حرب الشمال الأولى” (أمام تحالف عدو يتمركز على جبهة لبنان وسوريا معًا)، فليس لأيّ من الأطراف مصلحة في توسيع حدود الحرب لتشمل الجبهتين، والمصالح المختلفة للاعبين – كما فهمت من اللعبة – دفعت إلى تصرفات متميزة ومدروسة على كل جبهة. إسرائيل وإيران تفضلان النزال على الملعب السوري؛ الأمر الذي يمكن ان يقود إلى “حرب سوريا الأولى” على وجه الخصوص، والتي تكون فيها سوريا ساحة القتال بين الدولتين، بينما يستخدم النظام السوري كلاعب هامشي.
إسرائيل عملت بما يوافق نظرية الحرب المستمرة ما بين الحربين (مبام)، وعملياتها لفرض خطوطها الحمراء (من خلال عمليات عسكرية مركزة وفاعلة) بهدف الضغط على إيران وخفض مستوى أعدادها في سوريا وتبطيء عملية تمركزها في الساحة. لكن في وضع سياسة الكبح أيضًا والرغبة في منع التصعيد مع إسرائيل لا تستطيع إيران الاستمرار بسياسة الصبر، وستبحث عن إمكانيات للرد الفاعل مع تفضيل العمليات السرية والمفاجئة.
هدف إيران الاستراتيجي في اللعبة كان ردع إسرائيل عن مهاجمة مواقعها النووية، وخلق منطقة احتكاك من أجل إشغال إسرائيل على امتداد حدودها، وإيقاع أضرار بارزة بها. بعد مساس إسرائيلي شديد بالأهداف الإيرانية (فيلق القدس التابع للحرس الثوري) على الأرض السورية؛ اختارت إيران تصعيد المواجهة مع إسرائيل، برز هذا الأمر بإطلاق عدد من زخات الصواريخ والقذائف صوب مواقع عسكرية إسرائيلية من أرض سوريا، ودفع عملية في موقع إسرائيلي خارج إسرائيل. كان الافتراض ان إيران ستفضل الامتناع عن إطلاق الصواريخ البالستية من أراضيها صوب إسرائيل مباشرة لكي لا تضم الحرب في سوريا إلى الملف النووي ومطالبة المجتمع الدولي من إيران بالحد من تطوير الصواريخ البالستية.
الدول الكبرى لعبت دورًا هامشيًا، ولم تستخدم قوتها لوقف عملية التدهور إلى التصعيد الواسع. مصالح روسيا هي في الحفاظ على إنجازاتها في سوريا – والتي حققتها إلى الآن – والامتناع عن الغرق عميقًا في الوحل الذي لن تستطيع النجاة منه؛ لذلك يُتوقع أن تتمسك بدورها كجهة وسيطة ومخففة من خلال أخذ رسوم الوساطة من الطرفين. في مواجهة بين إسرائيل وإيران، تظهر أهمية وقيمة روسيا، بسبب قدرتها على التحدث إلى الطرفين في محاولة لمنع التصعيد إلى حرب واسعة، احتكاك مراقب من دون تصعيد واسع مفيد لروسيا بسبب مركزيتها في لجم الطرفين وتحديد قواعد اللعب، وفي قدرتها على الحفاظ على نظام الأسد، وتزويده بمنظومات دفاعية جوية متطورة. روسيا ما تزال بحاجة إلى إيران في الحرب البرية، لكن بالنظر إلى المستقبل فإن مصالح روسيا وإيران ستنفصلان بسبب الصراع على النفوذ في سوريا، وعلى شكل الاتفاق السياسي المستقبلي فيها.
الولايات المتحدة بدورها على ما يبدو لن تشذ عن سياستها الحالية، والتي تعتبر فيها “حاضرة غائبة”: الاستثمار بالحد الأدنى المطلوب من دون التورط في حرب عسكرية أخرى في الشرق الأوسط. الولايات المتحدة على مستوى التصريحات تتطلع إلى إبعاد إيران من سوريا وتقليص نفوذها، ولكن عمليا المريح لها ان روسيا هي من تعالج الملف السوري، ولا تريد ان تعلق في الوقت الحالي بمواجهة عسكرية واسعة مع إيران، مواجهة من شأنها ان تضر بهدفها المركزي (إلغاء أو تغيير الاتفاق النووي من خلال تقليص التدخل العسكري في مواقع إشكالية). إدارة ترامب ستوفر لإسرائيل حرية التحرك من بين الكثير من الأمور، لأن الأمر يعفي الولايات المتحدة من التدخل العسكري الموسع القوتين العظميين، وكذلك الدول العربية ليست معنية باستخدام القوات وروافع القوة الأخرى من أجل إخراج إيران ووكلائها من سوريا.
بالنسبة لحزب الله، فإن هناك ميزانًا ردعيًا متبادلًا بينه وبين إسرائيل على أرض لبنان، الشعب اللبناني يعاني صدمة نفسية من 40 عام من تناوب الحرب في البلد (الحرب الأهلية وحربي لبنان الأولى والثانية) ويخاف كثيرًا من حرب أخرى. وعلى خلاف الحالة السورية، والتي فيها تأثير الرأي العام صفري؛ ففي لبنان النسيج الديني – الطائفي الناعم يؤثر على حزب الله أيضًا كجهة سياسية، وسيما قبيل الانتخابات في لبنان.
إلى ذلك، ورغم القيود فمن شأن حزب الله أن يرد بقوة على هجوم إسرائيلي داخل لبنان لأسباب مكانته الشعبية “الشرف” والرغبة في الحفاظ على قوة ردعه تجاه إسرائيل وصورته كـ “مدافع عن لبنان”، إيران ما تزال تبني حزب الله كذراع استراتيجي ليوم الحساب، وتعمل بإصرار على تحقيق هذا الهدف بمخاطرة محسوبة وبثمن محدود بالنسبة لها. كلما ضاقت الخيارات التشغيلية لمهاجمة إسرائيل في وجه إيران، فإنها ستختار استخدام منظومة حزب الله الاستراتيجية (صواريخ أرض – أرض أو الطائرات غير المأهولة الهجومية). الرئيس الأسد ليس له مصلحة بالدخول إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، عدا عن الدفاع عن الأجواء السورية في وجه العمليات الجوية الإسرائيلية؛ إلا أنه لن يحاول أن يقيّد شركاءه (إيران وحزب الله) من العمل ضد إسرائيل.
تلخيص وتوصيات
إذا كانت إسرائيل بالفعل مسؤولة عن الهجوم الأخير شمال سوريا، فهي توحي بأنها مصرة باستعدادها على خوض حرب لمنع تمركز إيران على الجبهة الشمالية، وأنها ستعمل على إحباط الرد الإيراني على افتراض أنها تمتلك المعلومات المطلوبة والرد التشغيلي الفوري.
التحدي الحقيقي لسياسة إسرائيل هو في السؤال عن كيفية وضع أهدافها أمام إيران (منعها من تحقيق قدرات نووية، وتقليص تمركزها في سوريا، وإحباط تطوير الصواريخ البالستية وتعزز قوة وكلائها)، حيث ان جميعها في الواقع تحدث في آن واحد وتتنافس على الاهتمام والموارد. على المدى البعيد، تمركز إيران في سوريا له انعكاسات سلبية ثقيلة على إسرائيل.
في المقابل، مواجهة إيران على الجبهة السورية خصوصًا لها ميزات بالنسبة لإسرائيل: الوصول الاستخباري والتنفيذي، المدى وحرية التحرك والقدرة على الرد الفوري وأثناء الحدث؛ وعليه فإسرائيل عليها ان تبقي على إصرارها على كبح مستوى تمركز إيران ووكلائها في سوريا وتعزز قوتها هناك، وذلك على خلاف الفترة التي تلت حرب لبنان الثانية، حيث صبرت إسرائيل وتحملت تجديد بناء حزب الله كذراع استراتيجي إيراني في لبنان.
ومع ذلك فقد نجحت في ردع حزب الله، ومن أجل الحفاظ على الردع عليها ان تتمسك بسياسة الرد الفوري في سياق الحدث الموضعي مع التحركات الدبلوماسية لإدخال حزب الله إلى قائمة التنظيمات الإرهابية (خاصة الاتحاد الأوروبي أيضًا) وتشجيع الكوابح الداخلية في لبنان على التنظيم. وعل كل حال هناك ميزة تشغيلية وسياسية للعمليات العسكرية وغيرها دون تبني المسؤولية وببصمات خفيضة وبأساليب مختلفة بحيث تشوش بناء قوة إيران ووكلائها على الجبهة الشمالية.
روسيا علقت في هجوم ليلة الـ 29 من ابريل، وما تزال تبحث عن رد مناسب للضرر الذي لحق بصورتها في أعقاب الهجوم الذي قام به التحالف الغربي على البنى العسكرية الكيماوية في سوريا، ويبدو ان روسيا تفاجأت بالهجوم الأخير الذي وقع بالقرب من مناطق تواجد قواتها في شمال سوريا؛ الأمر الذي يعزز رغبة موسكو بتزويد سوريا بمنظومات صواريخ أرض – جو من طراز “اس 300″، هذه المنظومات بالذات، وفي حال شغلت في البداية من قبل طواقم روسية ستضر بحرية تحرك سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية اللبنانية.
ونتيجة لذلك، فقد يتغير شكل التنسيق بين إسرائيل وروسيا، والذي تطور من تنسيق تنفيذي ومنع الاحتكاك إلى تنسيق استراتيجي. قد يُفهم بأن إسرائيل عدو يهدد المشروع الروسي في سوريا إثر إصرارها على تصعيد المواجهة مع إيران ووكلائها في سوريا، بما في ذلك المساس بقوات الأسد؛ في هذه الحالة تظهر المخاطرة بالمواجهة المباشرة بين قواتنا الجوية والدفاع الروسي في سوريا، ستضطر إسرائيل لأن تحدث ردها على محاولات اعتراض طائراتها من خلال بطاريات صواريخ “اس 300” المشغلة من قبل الطواقم الروسية، وانعكاسات مهاجمة البطاريات، وتحييدها عن العلاقات بين روسيا وإسرائيل.
يمكن القول بأن الوضع في سوريا سيبقى فوضويًا لوقت طويل، وأن أي لاعب ليس مستعدًا أو يستطيع ان يستثمر ما هو مطلوب من أجل التوصل إلى الاستقرار في سوريا. رغم ان إسرائيل امتنعت إلى الآن عن الإشارة إلى الوضع النهائي المفضل من ناحيتها في سوريا، يبدو انه بالنسبة لها ان البدائل لنظام الأسد أقل استقرارًا.
في مقابلها، إيران لكي تتحدى إسرائيل وتجرها إلى الصراع والاحتكاك على امتداد حدودها، مستعدة “للتضحية” بسوريا (وحماس في غزة)، وبشكل أقل حزب الله في لبنان، الذي يمثل بالنسبة لها ذراعا استراتيجيا.
آن الأوان ليكون المطلوب من إسرائيل ان تتنازل عن المساحة المريحة في سياسة الغموض، وأن تفهم ان نظام الأسد هو الخيار الأقل سوءًا بالنسبة لها، وأن تسعى إلى دق الأسافين بين الأسد وإيران، وبين روسيا وإيران، على أساس الزعم بأنه في هذه المرحلة من الحرب الأهلية والوكلاء في سوريا فإيران “تلعب بشكل مستقل” على حساب المصالح الروسية والسورية. الاعتراف بنظام الأسد إذا عمل على إبعاد القوات الإيرانية عن سوريا يمكن ان يساعد بهذا الشأن.