مركز بيغن السادات – بقلم المقدم احتياط د. مردخاي كيدار – قد على “الربيع العربي”
مركز بيغن السادات – بقلم المقدم احتياط د. مردخاي كيدار – 20/12/2020
“ بعد عقد من “الربيع العربي” تصل العديد من الدول العربية الى الهاوية “.
في 17 كانون الاول 2010 في مدينة صغيرة في تونس، أحرق شاب يدعى محمد بوعزيزي نفسه احتجاجا على صفعة تلقاها من شرطية لتفعيله بشكل غير منظم لبسطة خضار نيلا للرزق. شرع رفاقه في مظاهرات ضد الحكم الكريه للرئيس زين العابدين بن علي، وسرعان ما انتشرت هذه المظاهرات الى العاصمة تونس. وعرضت قناة “الجزيرة” هذه المظاهرات بالبث الحي غير المتوقف مما ادى بالجماهير التونسيين الى التدفق الى مظاهرات سرعان ما تعاظمت. بعد نحو شهر اضطر الرئيس الى الفرار مع زوجته وأبنائه الى لجوء سياسي في السعودية.
ابتداء من كانون الثاني 2011 انتشرت المظاهرات الى مصر، اليمن، ليبيا، سوريا، البحرين، الجزائر، الاردن، المغرب، العراق، السودان، الكويت، لبنان، موريتانيا وحتى السعودية وعُمان. في معظم الاماكن هدأت أو “هُدئت” بتدخل خارجي مثل التدخل السعودي في البحرين، ولكن في سوريا، ليبيا واليمنيواصل الصراع الداخلي المضرج بالدماء حتى هذا اليوم ويجتذب قوى أجنبية الى الفراغ السلطوي.
شهدت مصر تغييرات سلطوية هامة – بما في ذلك سنة حكم “للاخوان المسلمين” – واضعفت هذه التحولات الاقتصاد المتهالك أصلا. وتترنح تونس بين قوى مدنية متضاربة، من الاسلام السياسي حتى الليبرالية بلون اوروبي.
وكان الهدف الاساس للمتظاهرين في بداية طريقهم الرغبة في تصفية الدكتاتورية، وحشية أذرع الامن، الفساد، البطالة، الفقر، الجهل، التهميش واحساس الاستخفاف الذي تبثه سلطات الدول تجاه رعاياها. وكان الواقع المرير في معظم دول العالم العربي يتعارض تماما والوضع في دول الخليج، في اوروبا وفي امريكا، والذي بدأ يظهر امام الجماهير بفضل وسائل الاعلام ولا سيما قنوات الاقمار الصناعية ووسائل الاتصال الاجتماعي ولا سيما الفيسبوك.
قناة “الجزيرة” التي صدرت في أواخر 1996 اصبحت قناة الجهاد الاعلامي الذي يمثل منظمات “الاخوان المسلمين”، ونقلت من دولة الى دولة شرارة المظاهرات والتمرد ضد الحكم. يمكن تشبيه العالم العربي في أواخر 2010 ببرميل بارود، نثرت “الجزيرة” حوله أبخرة الوقود النفاثة ومحمد بوعزيزي كانت الشرارة التي اشعلته.
دول قادت على مدى سنوات طويلة فكرة العروبة – سوريا، ليبيا والعراق، (التي بدأت فيها الفوضى في 2003) – تدهورت الى حروب داخلية وهي تصارع حتى اليوم في سبيل بقائها بسبب تنوع سكانها. والجامعة العربية، المنظمة التي جسدت “الامة العربية” تجاه الخارج، كجسر داخلي، اصبحت مشلولة تماما.
عندما تكف الانظمة عن أن تكون ناجعة وتسيطر الفوضى على المجال العام، فان كل من لديه قدرة على الهرب يفعل ذلك بالسرعة الممكنة: ملايين العرب هاجروا الى كل دولة في العالم وافقت على استقبالهم. معلمون، اكاديميون، مهندسون، اطباء واصحاب مهن حرة رحلوا للبحث عن محيط آمن وهاديء لهم ولعائلاتهم في الغربة. ملايين المهاجرين وصلوا الى تركيا، اوروبا، دول عديدة اخرى، وتركوا دولهم دون قوى لاعادة بنائها.
وبالتوازي نشأت الجهات الاخطر التي قمعت على مدى سنوات طويلة وانتظرت الفرصة للخروج الى الهواء المفتوح: المنظمات الاسلامية الراديكالية التي خرجت من مدرسة “الاخوان المسلمين” وعلى رأسها القاعدة وفروعها. واكتسبت لنفسها الشرعية بواسطة القتال العنيد – “الجهاد” – ضد الحكم الفاسد والوحشي، ولكن في العام 2014 تلقت الهاما حين أقامت “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش). والقت هذه الدولة الرعب في قلوب الكثيرين في العالم باساليب القتل الفظيعة وأدت الى اجماع دولي للتدخل الاجنبي، ولا سيما من جانب روسيا والولايات المتحدة. لم تؤدي تصفية داعش الى موت الايديولوجيا المتطرفة التي في أساسها ولم تغير الا المكان فقط: فهي تعيش، تركل وتقتل في سيناء، في الجزائر، في افريقيا وفي اوروبا وفي كل مكان فر اليه مخربو داعش. وبين الحين والاخر يقومون بالعمليات، ومؤخرا فقط رأينا ضاربي السكاكين منهم يعملون في فرنسا.
اما الخاسر الاكبر في “الربيع العربي” فهم الجماهير المساكين الذين خرجوا الى الشوارع في مطالب عادلة تماما ولكنهم اصطدموا بقوة عديمة الرحمة وبعدم اكتراث دولي صاخب تجاه سفك الدماء بالجملة. وتبين مجلس حقوق الانسان للامم المتحدة في عري ازدواجيته الاخلاقية عندما ادخل الى صفوفه بالذات تلك الدول المتهمة بالخرق الجماعي لحقوق الانسان.
دحرت مآسي “الربيع العربي” القضية الفلسطينية الى هوامش الاهتمام العام، والكثير من السياسيين العرب يفهمون بان هذه القضية لا تتقدم الى الحل واساسا لان اسرائيل لا تستسلم للرواية التي وضعتها منظمات الارهاب من فتح والجبهات عبر حماس وانتهاء بالجهاد الاسلامي. في السعودية يتطور حتى رأي عام ينسب للمملكة “المسجد الاقصى” الامر الذي يسحب البساط من تحت الحجج الدينية الفلسطينية للملكية على القدس. اما الرابح الاكبر من “الربيع العربي” فهي دول شبه الجزيرة العربية (باستثناء اليمن) التي تجاوزها. دول كانت تعيش حتى قبل عقد على هوامش العالم العربي، بعيدا عن اضواء الاهتمام السياسي الاقليمي والدولي، اصبحوا لاعبين مركزيين في كل الحراك الدولي تجاه الشرق الاوسط.
لقد أتاحت الاضطرابات في الشرق الاوسط لقوى غير عربية – محيطية واجنبية – التسلل الى داخله كما تشاء. روسيا أنقذت نظام الاسد في سوريا وبالمقابل سيطرت على مجال الدولة وعلى مرابض الغاز الطبيعي الكبرى في ارضية البحرالمتوسط التابعة لسوريا؛ ايران سيطرت بواسطة فروعها والسائرين في مدارها على العراق، وسط وشرق سوريا، لبنان، اليمن وغزة؛ تركيا اردوغان تسيطر على اجزاء في سوريا وفي ليبيا وفي اسرائيل – تلك التي وصفت في الماضي كـ “سكين في قلب الامة العربية” – توسع قائمة الدول العربية التي قبلت بوجودها، اعترفت بها وصنعت معها السلام.
تشعر اثيوبيا بانها قوية بما يكفي حيال مصر لدرجة انها اقامت سدا على النيل الازرق الذي من شأنه أن يدفع مصر بمئات ملايين من سكانها الى نقص فتاك بالمياه. وتفكك السودان الى دولتين، جنوب السودان والسودان، ويحتمل أن تتواصل عملية التفكك الى ما وراء السودان الى دول عربية اخرى.
عشر سنوات “الربيع العربي” والتي آخرها هي “سنة الكورونا” ادت بالعديد من الدول العربية الى شفا الهاوية. النقص في الغذاء، الحروب التي لا تتوقف في ليبيا، في سوريا، في العراق وفي اليمن، السيطرة الايرانية، وعدم الاكتراث العالمي، كل هذا زاد من مشاكل الشرق الاوسط.
الاسوأ متوقع في المستقبل القريب: الادارة الامريكية الوافدة تعتزم العودة الى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن ايران. وهذه الخطوات ستزيد قدرة طهران على التدخل في الدول العربية وزرع الموت والدمار فيها. وكنتيجة لذلك، يحتمل جدا ان نرى موجة هجرة (او الافضل: هرب) اخرى لملايين من ابناء الشرق الاوسط الى دول اخرى كي يتمكنوا من اعادة بناء حياتهم التي دمرت بسبب “الربيع العربي”.
وختاما، يمكن القول انه بحجم الامل الذي رافق الربيع العربي في بداية طريقه هكذا حجم خيبة الامل منه.