ترجمات أجنبية

مركز التنبؤات الاستراتيجية – ستراتفور – بعد 30 عاما : تأثير مأساة لوكربي

مركز التنبؤات الاستراتيجية / ستراتفور  – فرِد بيرتون* – 21/12/2018

من منظور أمن الطيران، قطعنا الآن شوطاً طويلاً جداً منذ تلك الليلة الرهيبة في العام 1988. ومع أن معمر القذافي لم يعد موجوداً ليخطط لإرسال الطائرات الأميركية إلى حتفها، فإن التهديد الموجه إلى الطيران المدني ما يزال نشطاً للغاية. لكن ما حدث اليوم، في استجابة للمآسي من نوع كارثة رحلة “بان أميركان 103” وهجمات 11/9، شهد تحولاً جذرياً في مقاربة أمن الطيران. وفي حين أن التدابير تطورت لتواكب المخاطر، فإن المهمة ما تزال شاقة، حتى مع استخدام التكنولوجيا القوية والمتطورة.

* * *

قبل ثلاثين عاماً، أمطرت قطع من طائرة رحلة “بان أميركان” رقم 103 -طائرة البوينغ 747-121 التي كانت تحمل على متنها 234 مسافراً وطاقماً تكون من 16 فرداً- على قرية لوكربي، محوّلة القرية الاسكتلندية الخلابة إلى مكان مرعب محترق. وقد انشطرت الطائرة العملاقة وتحطمت في الجو بعد أن انفجرت قنبلة في حقيبة يدوية على متنها على ارتفاع 31.000 قدم، وأرسلت الحطام الملتهب ليهبط على المنازل في الأسفل. ويقدر أن دقيقتين فقط فصلتا بين انفجار القنبلة وارتطام الحطام بلوكربي. وأسفر الانفجار عن مصرع كل الذين على متن الطائرة، بالإضافة إلى 11 شخصاً على الأرض.

خلصت التحقيقات الكثيفة التي أعقبت الحادث إلى أن جهاز التفجير البدائي الذي أسقط الطائرة يوم 21 كانون الأول (ديسمبر) 1988، كان قد صُنع ووُضع على متن الطائرة على يد عملاء استخبارات ليبيين. وقدمت التحقيقات أدلة على أن الهجوم وقع بأمر من الدولة الليبية. وبالإضافة إلى الألم العاطفي الذي عانى منه أصدقاء وأقارب وعائلات الضحايا، ساعدت تلك الكارثة في إحداث تحويل في حركة السفر الجوي -للأفضل أو الأسوأ. وتعرضت شركة الخطوط الجوية “بان أميركان”، التي واجهت دعاوى قضائية وسمعة سيئة بسبب فشلها في الحيلولة دون وضع القنبلة على متن الطائرة، لضربة قوية في الموقف المالي وفي العلاقات العامة. وسوف تقوم شركة الخطوط الجوية المحترمة، التي يعتبرها البعض شركة الشحن الدولية غير الرسمية للولايات المتحدة، بوقف عملها بعد بضع سنوات فقط من الحادث. لكن الأهم ربما يكون أن التفجير والطريقة التي تم تنفيذه بها شكلا لحظة فاصلة في طريقة مقاربة أمن السفر الجوي.

خسارة شخصية

كما كتب في هذا المكان في السابق، وفي مذكراتي المعنونة: “الشبح: اعترافات عميل في مكافحة الإرهاب”، فإن تلك القضية أصبحت شخصية جداً بالنسبة لي على الفور. فقد توفي في تلك المأساة كل من داني أو-كونر ورون لاريفييه، وهما عميلان خاصان زميلان في جهاز الأمن الدبلوماسي، واللذان كانا عائدين على متن الطائرة إلى الولايات المتحدة لقضاء إجازة الأعياد. كما أن الرائد تشوك ماك-كي من وكالة الاستخبارات العسكرية، ومات غانون، وهو شقيق لعميل آخر من جهاز استخبارات الدفاع، كانا أيضاً من بين الضحايا.

كنتُ قد لعبت دوراً صغيراً في التحقيق في هذه القضية. وقد كلفني جهاز الاستخبارات العسكريةبتعقب نظرية تقول بأن التفجير ربما كان محاولة لاغتيال السفير الأميركي في لبنان، الذي كان له حجز على الرحلة سيئة الحظ، لكنه فوّت طائرته. لكن تلك النظرية لم تثبت. ومع ذلك، جمع فنيو القنابل في مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي معاً أجزاء صورة حدث في نهاية المطاف، وربطوا القنبلة مباشرة بليبيا. وفي مفارقة غريبة، اكتشف مختبر مكتب التحقيقات الفيدرالية في واشنطن أن لوحة الدارات الكهربائية المستخدمة في جهاز توقيت القنبلة على الطائرة كان مطابقاً لجهاز توقيت آخر جلبه أحد زملائي في وحدة تحقيقات مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات العسكرية من مخبأ للأسلحة أثناء التحقيق في محاولة انقلاب برعاية ليبية في لومي، توغو، في العام 1986، وقام بتسليمه في ذلك الحين إلى مختبر مكتب التحقيقات الفيدرالية من أجل تحليله.

قبل التفجير، كنتُ قد حققت أيضاً في هجومين مدعومين من ليبيا على دبلوماسيين أميركيين؛ أحدهما في العاصمة اليمنية، صنعاء، والآخر في الخرطوم في السودان، ولذلك لم تكن الصلة الليبية مفاجئة، لكن مقتل العملاء تسبب بالألم والغضب البالغين لكل شخص في وزارة الخارجية الأميركية.

تغيير هائل في أمن الطيران

من منظور أمن الطيران، قطعنا الآن شوطاً طويلاً جداً منذ تلك الليلة الرهيبة في العام 1988. ومع أن معمر القذافي لم يعد موجوداً ليخطط لإرسال الطائرات الأميركية إلى حتفها، فإن التهديد الموجه إلى الطيران المدني ما يزال نشطاً للغاية. ولكن، في استجابة للمآسي من نوع كارثة رحلة “بان أميركان 103” وهجمات 11/9، شهد العالَم تحولاً جذرياً في مقاربة أمن الطيران. وفي حين أن التدابير تطورت لتواكب المخاطر، فإن المهمة ما تزال شاقة، حتى مع استخدام التكنولوجيا القوية والمتطورة.

بعد عمليات التفتيش والمسح الأمنية المرئية تماماً لكل شخص يسافر: كل قطعة من الأمتعة الكبيرة والمحمولة تخضع لأجهزة المسح بحثاً عن أي مؤشرات على أن قنبلة ربما تكون مخبأة في الداخل. وهناك أنظمة أخرى تركز على الركاب أنفسهم، فتبحث عن أي دليل على وجود متفجرات مخبأة على -أو في داخل- جسم المسافر. وفي حين أن الترتيبات الأمنية كانت تترك في السابق لتتولاها الخطوط الجوية المفردة، أصبح يتولاها الآن موظفون من وكالة أمن النقل الأميركية، والتي تستخدم قواعد بيانات شاملة لتعقب وفحص الأمتعة للركاب.

لكن التدابير الأمنية التي لا يراها المسافر الجوي العادي هي الأكثر إثارة للإعجاب. ويتم إجراء تدقيق استخباراتي على كل مسافر مدرج على قائمة كل رحلة، خاصة أولئك الذين يسافرون إلى الولايات المتحدة ومنها. ويحدد المحللون رحلات ومسارات معينة عالية المخاطر، والتي تتطلب مساعدة استخبارية خاصة، بما في ذلك النشر السري لضباط الأمن الجويين الفيدراليين في الطائرات لإحباط أي تهديدات محتملة على متنها، مثل احتمال الاختطاف. وخلف الأبواب الآمنة، توجد تحسينات الأمن التكنولوجية، بما فيها الكاميرات، والتقنيات والبرمجيات المخصصة لكشف عمليات المراقبة التي يجريها الجناة ما قبل العمليات. وتتصل هذه الأنظمة بأصول الاستخبارات الوطنية، وهي معززة بالمعلومات التي تجمعها الاستخبارات البشرية، والاتصالات والذكاء الإلكتروني. ويعرف مخططو الأمن أن المجموعات مثل تنظيم القاعدة ما تزال تضع تركيزها على النجاح في إسقاط طائرة، ولذلك تتركز جهود جمع المعلومات الدولية على تعقب وكشف المخططات المتعلقة بالطيران. ولم يكن مثل هذا التركيز الدقيق موجوداً في وقت تفجير رحلة “بان أميركان 103، ولم تكن البنية التحتية الداعمة موجودة أيضاً.

للأسف، تعلمتُ بمرور السنين أنه كثيراً ما يتطلب الأمر حدوث مأساة لفرض تغيير في المجال الأمني. وبدلاً من أن تتصرف وقائياً واستباقياً، تعمل الحكومات في الجزء الأكبر بمنطق رد الفعل، وتنتظر حتى يكشف إخفاق عن مكمن ضعف أمني بدلاً من أن تفكر خارج الصندوق عندما يتعلق الأمر بجهود منع حدوث الكارثة التالية. وقد سلط تفجير الرحلة “بان أميركان 103” ضوءاً على الكلف البشرية الهائلة التي يخلفها الفشل في تفتيش الأمتعة بحثاً عن القنابل، وهو ما أفضى إلى تطبيق إجراءات وتدبير أصبحت تبدو اليوم روتينية جداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى