أقلام وأراء

محمود جودت قبها: 34 عاماً على وثيقة الاستقلال وفلسطين تحت الاحتلال

محمود جودت قبها ١٦-١١-٢٠٢٢م : 34 عاماً على وثيقة الاستقلال وفلسطين تحت الاحتلال

 يحيي شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده، في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني من كل عام، ذكرى إعلان وثيقة الاستقلال، وترفع الأعلام الفلسطينية خفاقةً فوق المباني الحكومية ومنازل المواطنين، لتنظيم الاحتفالات في جميع المحافظات الفلسطينية، وفي مخيمات اللجوء والشتات.

في مثل هذا اليوم، صدح صوت الرئيس الراحل ياسر عرفات مدوياً، في قاعة قصر الصنوبر في الجزائر، أمام المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشر في 1988، قائلًا: “فإن المجلس الوطني يعلن، باسم الله، وباسم الشعب العربي الفلسطيني، قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف”؛ وذلك استناداً إلى الحق الطبيعي، والتاريخي، والقانوني، للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين؛ وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعاً عن حرية وطنهم واستقلاله، وانطلاقاً من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ 1947؛ وممارسة الشعب العربي الفلسطيني حقه في تقرير المصير، والاستقلال السياسي، والسيادة فوق أرضه.

يعتبر صدور إعلان الإستقلال خلال انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988م في الجزائر الشقيق، محطة مهمة في تاريخ القضية الفلسطينية، حيث تم انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني بعد مرور عاماً على انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني التوحيدي، والذي انعقد في العاصمة الجزائرية وتعتبر تلك الدورة التوحيدية ثمرة حوار وطني فلسطيني بعد سنوات من حالة الانقسام الذي كان سائد بعد خروج الرئيس الراحل ياسر عرفات والثورة الفلسطينية من العاصمة اللبنانية بيروت، بعد صمود فلسطيني استمر لمدة 88 يوماً من المقاومة والصمود الفلسطيني، مما شكل حالة استثنائية في الصراع بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يستطيع إحتلال بيروت في ظل المقاومة الباسلة الأسطورية بقيادة الرئيس الخالد الشهيد القائد ياسر عرفات ورفاقه في حركة فتح والفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية حيث تمازج الدم الفلسطيني واللبناني في مقاومة جيش الاحتلال الإسرائيلي في مختلف محاور التماس.

حالة الصمود الفلسطيني تسببت في إحراج الأنظمة العربية أمام شعوبها، حيث وقف النظام الرسمي العربي مكتوف الأيدي والمقاومة الفلسطينية تقاوم الغزو الإسرائيلي لبيروت، والذي امتد 88 يوماً، حيث تمت الموافقة على خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بعد إتفاق فيليب حبيب خروج المقاومة بسلاح وضمان أمن المخيمات الفلسطينية في لبنان، ولكن ما حدث تم الإخلاء في ذلك الإتفاق من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتم ارتكاب مجزرة مخيم صبرا وشاتيلا من قبل القوات الانعزالية و بغطاء وموافقة شارون وزير جيش الإحتلال الإسرائيلي والذي دخل بيروت بعد خروج الثورة الفلسطينية، لقد كان الهدف الإسرائيلي من خلال الإجتياح الإسرائيلي تصفية وإنهاء منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها

في مثل هذا اليوم، نتذكر شاعر فلسطين الراحل محمود درويش الذي صاغ وثيقة إعلان الاستقلال بكل دقة وحرص وبلاغة؛ حيث لخّص فيها آلام وأحلام وطموحات أبناء الشعب الفلسطيني الذي يخوض ببسالة انتفاضة 1987 في مواجهة آلة القمع الإسرائيلية، راوياً بدمائه ثرى وطنه، ومسجلاً ملحمة تاريخية من ملاحم البطولة والفداء .

لقد جاء إعلان وثيقة الاستقلال رسالة سلام فلسطينية موجهة للعالم أجمع، تقول: إن الفلسطينيين يريدون العيش بأمن وسلام على جزء من أرض  فلسطين التاريخية، مقدمين بذلك تنازلاً مؤلماً من أجل إقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف؛ بحيث تكون دولة لكل الفلسطينين أينما كانوا؛ فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق؛ تصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظلّ نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي، وحرية تكوين الأحزاب، ورعاية لحقوق الأغلبية والأقلية، واحترام الأقلية قرارات الأغلبية، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة، وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق، أو الدين، أو اللون، أو بين المرأة والرجل؛ في ظل دستور يؤمن بسيادة القانون والقضاء المستقل، وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون.

دولة تعلن التزامها بمبادئ الأمم المتحدة وأهدافها، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتزامها كذلك بمبادئ عدم الانحياز وسياسته؛ دولة محبة للسلام ملتزمة بمبادئ التعايش السلمي، تعمل مع جميع الدول والشعوب من أجل تحقيق سلام دائم قائم على العدل واحترام الحقوق، تتفتح في ظله طاقات البشر على البناء، ويجري فيه التنافس على إبداع الحياة وعدم الخوف من الغد؛ فالغد لا يحمل غير الأمان لمن عدلوا أو ثابوا إلى العدل؛ دولة تؤمن بتسوية المشاكل الدولية والإقليمية بالطرق السلمية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، وترفض التهديد بالقوة، أو العنف، أو الإرهاب، أو باستعمالها ضد سلامة أراضيها واستقلالها السياسي، أو سلامة أراضي أي دولة أخرى؛ وذلك دون المساس بحقها الطبيعي في الدفاع عن أراضيها واستقلالها. دولة تهيب بالأمم المتحدة التي تتحمل مسؤولية خاصة تجاه الشعب العربي الفلسطيني ووطنه، وتهيب بشعوب العالم والدول المحبة للسلام والحرية أن تعينها على تحقيق أهدافها، ووضع حد لمأساة شعبها، بتوفير الأمن له، وبالعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

وأكدت وثيقة إعلان الاستقلال أن دولة فلسطين دولة عربية، وهي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية من تراثها وحضارتها، ومن طموحها الحاضر إلى تحقيق أهدافها في التحرر والتطور والديمقراطية والوحدة.

وأمام هذه الرسالة التي أبرمها المجلس الوطني الفلسطيني، سارعت دول العالم المحبة للسلام والعدل والمؤمنة بحق الشعوب في تقرير مصيرها ورسم مستقبلها بيدها- إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المعلن عنها في وثيقة الاستقلال، وفتحت أبوابها لإقامة سفارات وممثليات فلسطينية على أراضيها، ليتجاوز عدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية عدد الدول المعترفة بإسرائيل.

إلا أن إسرائيل رفضت القرار الفلسطيني التاريخي والشجاع، واستمرت سياساتها المعادية والقمعية للفلسطينيين، واحتلالها للأراضي الفلسطينية، وعملت جاهدة على فرض هيمنتها عليها بتهويدها، وبناء المزيد من المستوطنات عليها لتغيير الوقائع على الأرض؛ للحيلولة دون تحقيق الحلم الفلسطيني المنشود بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

منذ ذلك اليوم، بدأ الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد (منظمة التحرير الفلسطينية) معركتهم المصيرية لتحقيق تجسيد حلم الدولة الفلسطينية على أرض الواقع مستخدمين كل الوسائل النضالية المشروعة، وكانت عودة القيادة الفلسطينية إلى أرض الوطن، وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية هي الخطوة الكبرى نحو تحقيق حلم الدولة؛ وذلك من خلال بناء المؤسسات الوطنية الفلسطينية التنفيذية والتشريعية والقضائية والأمنية كامتداد لمؤسسات ودوائر منظمة التحرير الفلسطينية، لتشكل بذلك اللبنات الأساسية لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة، وصولاً إلى إيمان المجتمع الدولي بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة؛ وذلك من خلال العديد من المبادرات التي تحمل الصبغة الدولية، والمبادرة العربية؛ إلا أن تعنت إسرائيل ورفضها الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين، وتجاهلها للمبادرات الدولية للسلام، وعدم انصياعه لقرارات الشرعية الدولية- ما زال يمثل حجر العثرة أمام إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

ورغم إعلان وثيقة الاستقلال؛ ما زال الشعب الفلسطيني يرزح تحت نير الاحتلال، وما زالت إسرائيل تواصل جرائمها بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وتستمر في استيطانها وسلبها الأراضي الفلسطينية، تمارس سياساتها العنصرية بمواصلة بناء المستوطنات وجدار الضم والتوسع والفصل العنصري، وتعمل على تهويد القدس وتهجّر أهلها وتهدم منازلهم، وترتكب جرائم الحرب، وترفض الانصياع للشرعية الدولية.

وفي المقابل، ما يزال الشعب الفلسطيني وقيادته متمسكين بالثوابت الوطنية الفلسطينية، ويؤمنون بأن الطريق الوحيد نحو تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة لا يمكن أن يمر إلا عبر بوابة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على كامل حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، ونيل كامل الحقوق الفلسطينية.  وفي هذا الإطار نجحت الدبلوماسية الفلسطينية بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 29 تشرين الثاني 2012 في الحصول على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتماد دولة فلسطين بصفة “مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة.

إن وثيقة الاستقلال هي مصدر فخر واعتزاز سياسي وثقافي وتاريخي للشعب الفلسطيني، وهي تلخص إرادته وطروحاتهِ الوطنية في إنجاز استقلاله وإقامة دولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، ومناسبة يؤكد فيها شعبنا وقيادته التمسك بالثوابت الوطنية، ورفض كل الصفقات المشبوهة التي تتجاوز الحقوق الفلسطينية المدعومة بقرارات الشرعية الدولية؛ وفي مقدمتها حق تقرير المصير، وإقامة الدولة وعاصمتها القدس وحق العودة.

ولم يرق هذا الإتفاق إلى الخصوم والأعداء وبما في ذلك الوطنيين الفلسطينيين، حيث يعتبر لا يعبر عن الحد الأدنى للحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني ومع ذلك فقد حقق بعض من الأهداف وقد تكون متواضعة ولكن لا نستطيع التقليل من أهمية ذلك وفي المقدمة إنتقال العمل النضالي داخل الأرض المحتلة بمختلف الوسائل الممكنة، وقد حدد الشعب الفلسطيني إننا في صراع مع الإحتلال الإسرائيلي الاستيطاني العنصري، بمختلف الوسائل بما في ذلك المقاومة المسلحة، حيث يشكل الشباب الفلسطيني المقاوم حالة إستثنائية في البطولة بمقاومة الإحتلال الإسرائيلي وفي كل يوم نحن على موعد من العمليات العسكرية في التصدي للمستوطنين وجنود الاحتلال.

واليوم العالم يتضامن ويدعم ويساند الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وهو الإحتلال الأخير المتبقي في العالم، وعلى الصعيد السياسي فقد أصبحت دولة فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة عام 2011 واليوم الجهود الدبلوماسية والأداء السياسي يدفع في إتجاه العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ولقد تحول الشعب الفلسطيني من مجموعات من اللاجئين في دول الجوار والعالم إلى شعب ودولة تحت الإحتلال ولن يبقى هذا الاحتلال إلى الأبد، سوف ينال الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين.

ويعترف حاليًا بدولة فلسطين أكثر من 140 دولة، كما تعترف الأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقب لكنها لا تملك عضوية كاملة فيها، أي أنها “دولة غير عضو” في الأمم المتحدة.

كما تتزامن الذكرى مع تصاعد المقاومة المسلحة في الضفة الغربية في مسعى لوقف التغول الاستيطاني وجرائم ميليشيات المستوطنين، التي تستهدف فلسطين شعبنًا وأرضًا ومقدسات في هذا اليوم ينحني أبناء شعبنا إجلالًا واكرامًا لأرواح الشهداء الذين أضاءوا بدمائهم الطاهرة درب الحرية والكرامة والانتصار ويؤكدون أنهم باقون على العهد والقسم.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى