أقلام وأراء

محمود جودت قبها: دولة جنين الصمود

محمود جودت قبها ١٠-١٠-٢٠٢٢م

لم تكن جنين كمثيلاتها من المدن، وبشهادة الجميع، فهي ابنة حيفا الجالسة على سهل مرج ابن عامر، الثائرة التي لم ترض بالهوان والذل يوماً، العصّية على الاحتلال وأعوانه، حتى لو أرادوا إلباسها ثوباً لا يُشبهها ولا يشبه سكانها جنين، المدينة الفلسطينية، والتي تعتبر من أقدم مدن العالم التي لا تزال مأهولة بالسكان، الواقعة في شمال الضفة الغربية، وهي إحدى مدن المثلث في شمال فلسطين –طولكرم ونابلس- التي تبعد عن القدس العاصمة 75 كيلومترا إلى الشمال، وتبلغ  من مساحة الضفة الغربية الإجمالية 9,7% ويتبعها مخيم يحمل اسمها يقع جُغرافياً غربها ويقطنها ما يقارب 17 ألف لاجئ.

كان مخيم جنين هدفا استراتيجيا لقوات الاحتلال الإسرائيلي حيث حاولت استهدافه مرات عدة، لكنها فشلت أمام مقاومة أبنائه، حيث وجدت قوات الاحتلال صمودا من سكانه الذين أصروا على البقاء داخل المخيم رغم الأضرار الكبيرة التي تعرضوا لها، وبلغت الاعتداءات الإسرائيلية على المخيم ذروتها فجر عام 2002 حين اقتحمت المخيم واشتبكت مع فصائل المقاومة بحرب شوارع أطلق عليها لاحقاً معركة جنين جنين ومخيمها محفوران جيداً في عمق ذاكرة شعبنا الفلسطيني ووجدانه ويكفي القول بأن جنين هي جنين جراد ،جنين لن ترفع الراية مهما اشتد الكرب والحصار ،فرايتها وهاجة خفاقة تطاول عنان السماء جنين قدمت خلال عامين 45 شهيداً عدا الجرحى والأسرى المحتل بات يدرك بأن جنين هي خزان الثورة المقاوم جنين التي صمد مخيمها قبل عشرين عاماً في الانتفاضة الثانية أمام اعتى آلة حرب صهيونية .

جنين عنوان شعب بأكمله توجه رسائلها بكل الاتجاهات ،رسالتها الأولى للمحتل، بأن جنين مهما أوغلت القتل والقمع والتنكيل فيها،فالدم لا يجلب إلا الدم ،ونظريتكم بأن الفلسطيني الذي لا يخضع بالقوة يخضع بالمزيد منها سقطت الى غير رجعة،وهذا الشعب مصمم على نيل حريته واستقلاله في جنين تدافع عن شعب بأكمله تدافع عن حقوق مشروعة تدافع عن وجود ولا تدافع لا عن مشروع اقتصادي أو استثماري جنين زاهدة في كل شيء إلا في المقاومة والكفاح والنضال والرسالة الثالثة إلى المجتمع الدولي وفي مقدمته شلة النصب والدجالين من الأمريكان ودول أوروبا الغربية الذين هبوا بزمن قياسي من اجل ” نصرة” أوكرانيا ،لأن هناك انتهاك لسيادتها من قبل روسيا التي تدافع عن أمنها القومي .

 وأمدها بكل انواع السلاح وفرضوا الحصار والعقوبات على روسيا و ذرفوا دموع التماسيح على حقوق الإنسان أما حين يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني والانتهاك السافر لكل حقوقه من قبل المحتل الإسرائيلي،وممارسة كل أشكال القمع والتنكيل بحقه،فهذا لا يستحق الإدانة والإستنكار،ولا حشد الأساطيل والقوات وفرض العقوبات لمنع المحتل من الاستمرار في جرائمه ،والأنكى من ذلك بأن هؤلاء أصحاب المعايير المزدوجة والانتقائية في تطبيقها،والذين عرتهم الأزمة الأوكرانية على حقيقتهم واظهرته عراة من ورقة التوت التي لم تعد ساترة لعوراتهم،لم يساووا بين الجلاد والضحية فقط،بل وقفوا الى جانب الجلاد ضد الضحية .

 ووصفوا م ق ا و م ة المظلوم والمضطهد والمحتل بالإرهاب …هي ليست فقط ازدواجية المعايير وانتقائية تطبيق،بل هي عنصرية مقيتة وتحقير وتسفيه وتشويه لكل معاني الإنسانية ومبادئ القانون الدولي والدولي الإنساني وما يسمونه بالشرعية الدولية التي لم يحترمها يوماً عندما كانت تتعارض مع مصالحهم وأهدافهم،والشواهد كثيرة سوريا وفنزويلا والعراق وسوريا وإيران وليبيا واليمن والصومال وكوبا وغيرها قائمة طويلة.

تفتخر جنين بأسمائها جميعا التي تنتمي للخير والمقاومة فمن عين الجنائن وسلة الخبز الفلسطيني إلى جنين القسام جنين غراد وجنين عاصمة المقاومة وهي بالتالي تتربع وبحق على عرش المقاومة الفلسطينية ضد الغزاة من كل الأصول ولا يعني ذلك أبدا المصادفة التاريخية المتكررة بل هي حكاية التاريخ المتواصل لمدينة اتسم تاريخها بسمة الصمود والمقاومة في كل شيء حتى الصمود في وجه الطاعون الذي فتك بسكانها جميعا ألا امرأة واحدة تلك وهي بالتالي مدينة لا تعرف الخنوع ولا الاستسلام فعلى بواباتها تنتصب قامات الشهداء وعلى بوابتها الغربية مقبرة الشهداء من مخيمها البطل وعلى بوابتها الجنوبية مقبرة الشهداء العراقيين وحكايات عن صمود جنود الجيش الاردني في حرب حزيران 1967 الذين أذاقوا الاحتلال طعم الموت وعلى بوابتها الشرقية تقع قرية المزار التي خاضت بها المقاومة الفلسطينية أبسل معارك تحرير جنين عام 1948 وعلى بوابتها الشمالية تطل نسائم نصر عين جالوت.

قلنا مليون مرة بأن هذه المحتل،هدفه تفكيك نسيجنا الوطني والمجتمعي،و”كي” وعينا،لينقلنا من الدفاع عن الوطن إلى الدفاع عن المدينة بالقرية فالحي فالبيت ..وان يقتل ويشطب الرابط الوطني العام بين كل أبناء شعبنا،ويدفعنا للتفكير في الخلاص الفردي والتركيز على الهموم الخاصة والشخصية..وغرس مفاهيم الإحباط واليأس في صفوفنا .

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى