أقلام وأراء

محمد ياغي يكتب – هل تختار أميركا مصالحها أم تنحاز لإسرائيل في الملف الإيراني؟

محمد ياغي – 26/3/2021

رغم إعلان الرئيس الأميركي أن بلاده ستعود للاتفاق النووي مع إيران إذا ما التزمت الأخيرة بالاتفاق، إلا أن الطريق لذلك يبدو طويلاً. إيران تقول بأن الولايات المتحدة هي من خرج من الاتفاق وبأن عليها أن تعود له وتلتزم ببنوده أولاً حتى تقوم بدورها بما عليها من التزامات فيه.

ويبدو السؤال حول من يلتزم أولاً بالاتفاق مسألة تقنية، لكنه في واقع الأمر موضوع سياسي.

الرئيس بايدن لا يريد أن يظهر كمن يتراجع عن شروط وضعها خلال حملته الانتخابية لعودته للاتفاق، وهو أيضاً لا يريد أن يتصادم مع الكونغرس حيث الاتفاق موضع معارضة كبيرة داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري بفعل تأثير اللوبي الإسرائيلي. هنا تجدر الإشارة الى أن ١٥٠ نائباً من الحزبين أرسلوا رسالة للرئيس بايدن تطالبه بالامتناع عن العودة للاتفاق النووي إلا إذا قبلت إيران بإعادة التفاوض عليه، في الوقت الذي أرسل فيه ١٤٠ نائباً آخر رسالة له تطالبه بالعودة للاتفاق دون تأخير.

إيران من جانبها مقبلة على انتخابات رئاسية فرصة المتشددين للفوز بها عالية جداً. هذا الجناح الذي يتزعمه الجنرال الدكتور سعيد محمد والذي كان حتى وقت قريب رئيس أكبر شركة بناء تابعة للحرس الثوري الإيراني لا يرغب بالعودة للاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، وهو يرى أن إيران صمدت في وجه الضغوط العالمية لسنوات طويلة ويمكنها أن تستمر في ذلك وان تطور برنامجها دون أن تقدم أية تنازلات من جانبها.

في مواجهة هذا التيار المدعوم من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، لا يستطيع جناح الرئيس روحاني المحبذ للاتفاق أن يظهر كمن يفرط بحقوق وكرامة إيران قبل الانتخابات التي ستحصل في حزيران القادم، وهو بالتالي يرفض الالتزام بالاتفاق النووي قبل التزام أميركا به.

الرئيس بايدن كان قد أوضح ان سياسة العقوبات ستستمر على إيران وبتأييد أوروبي في عهده اذا رفضت إيران الالتزام بالاتفاق.

هذه العقوبات بلا شك قد أنهكت الاقتصاد الإيراني، وهنالك تقارير تفيد بأن الحليب ومشتقاته واللحوم غير متوفرة في الأسواق الإيرانية. هذا صحيح إذا علمنا بأن مئات البلايين من الدولارات الخاصة بإيران محجوزة في البنوك الاميركية والأوروبية والآسيوية بفعل العقوبات، وأن ملايين الإيرانيين في الخارج لا يستطيعون مساعدة أقاربهم مالياً خوفاً من أن تطالهم هذه العقوبات.

في المقابل هنالك مخاطر كبيرة من أن استمرار سياسة العقوبات القصوى قد يدفع إيران الى الاستمرار في تبني استراتيجية المقاومة القصوى وتصعيدها، ما يعني استمرار استهداف القوات الأميركية في العراق وربط مستقبل الحل السياسي في اليمن بالاتفاق النووي، واستهداف ناقلات النفط ومنابعه في الخليج العربي، وربما التصعيد على جبهات أخرى.

صحيح بأن إيران تقوم بكل ذلك من خلال حلفائها وعبر تصعيد محسوب، إلا أنها جاهزة للتصعيد أكثر لأنه ليس لديها ما تخسره بعد أن دمرت العقوبات القصوى فعلياً حياة مواطنيها.

في العراق ما زالت القوات الأميركية تتعرض للهجمات. في اليمن رفض الحوثيون مبادرة تدعمها الولايات المتحدة بوقف شامل لإطلاق النيران مقابل رفع الحصار والبدء في مفاوضات سياسية. وناقلات النفط مازالت تستهدف في الخليج العربي كان آخرها ناقلة نفط إسرائيلية.

في المقابل هناك الكثير مما يمكن لأميركا أن تخسره.

مصالح أميركا تقول بأن عليها تخفيض تورطها العسكري في المنطقة وإنهاء حروبها المفتوحة فيها بهدف توجيه مصادرها الى حيث يجب أن تكون: استثمارات في البنية التحتية والطاقة المتجددة لتوفير ملايين فرص العمل للأميركيين، والتواجد الفاعل في آسيا وبدرجة أقل أوروبا لمواجهة الصين وروسيا.

هنا لا يوجد حل وسط لإدارة بايدن، فهي إما أن تورط بلادها أكثر في منطقة الشرق الاوسط بالاستمرار في نفس سياسات إدارة ترامب تجاه إيران، وإما أن تخفض من وجودها فيه بالقبول بالعودة للاتفاق النووي الذي سيفتح الطريق لحل مشاكل الوجود الأميركي في العراق وسورية وأفغانستان وحل مشكلة اليمن.

مشكلة أميركا بأن كل سياساتها الخارجية هي محصلة لصراعاتها السياسية الداخلية.

في أميركا يتمتع اللوبي الإسرائيلي بتأييد واسع في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهو بالتالي قادر على فرض «أجندة إسرائيلية» على سياسات أميركا الخارجية تجاه الملف النووي الإيراني. لذلك نلحظ تردد إدارة بايدن في إغلاق هذا الملف بالعودة للاتفاق النووي.

المتشددون في إيران يستفيدون من التناقض في أميركا بين مصالحها وسياساتها، وهم لذلك ذاهبون الى التصعيد لأن هذه السياسة تحصنهم داخلياً حيث بإمكانهم إلقاء اللوم على أميركا كونها الطرف الذي غادر الاتفاق، وهي تعطيهم الذريعة لتطوير برنامجهم النووي بدلاً من تحجيمه بحجة مواجهة مخاطر الحرب على إيران، وهم يرون فرصة لتحقيق ذلك قد لا تتكرر مستقبلاً: هم يدركون بأن أميركا لا تريد أن تتورط في حرب معهم في ظل أزمتها الاقتصادية الداخلية وبسبب الخسائر المادية والبشرية الناتجة عن عقدين من حروب أميركا في المنطقة وتأثير ذلك على الرأي العام فيها.

الكرة لذلك في ملعب إدارة بايدن، فهو إما أن يدير ظهرة للوبي الإسرائيلي ويهتم بمصالح بلاده ويعود بالتالي الى الاتفاق النووي ليقطع الطريق على المتشددين في إيران وعلى رغبتهم في تطوير البرنامج النووي، وإما ان يبقى أسيراً للوبي الإسرائيلي ويورط بلاده في مغامرات جديدة سيكون الخاسر الأكبر فيها أميركا نفسها ومعها منطقة الخليج وإيران وحتى إسرائيل التي لن تستثنى من أي مواجه عسكرية قادمة بين إيران وحلفائها من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى