أقلام وأراء

محمد ياغي يكتب ملاحظات بشأن مشاريع وقف إطلاق النار

محمد ياغي – 21/5/2021

المقاومة لا تنتصر بالضربة القاضية، ولكن بمراكمتها للنقاط خلال سنين طويلة من الكفاح. هذا ما تعلمناه من المقاومة اللبنانية التي أجبرت إسرائيل على الهروب من لبنان العام ٢٠٠٠ وما تعلمناه من المقاومة في غزة التي أجبرت أيضا إسرائيل على الرحيل منها العام ٢٠٠٤.

المقاومة وحاضنتها الشعبية يفقدان الكثير من الدماء أضعاف مضاعفة مما يفقده المُحتَل، ولكن هذه الدماء الطاهرة والعزيزة، هي الممر الإجباري الذي يؤدي الى في النهاية الى الحرية والكرامة.

في ثقافتنا هؤلاء ليسوا خسائر أو أرقاماً ولكنهم شهداء لهم مكانتهم العالية بين شعبهم وعند ربهم.

المقاومة تنتصر دائماً في كل معاركها إذا ما تمكنت من الاستمرار في طريقها المقاوم وإذا لم يتمكن الاحتلال من إخضاعها او تدجينها او تصفيتها. والعدو مهزوم دائماً إذا لم يتمكن من تجريد المقاومة من سلاحها ومن فرض شروطه عليها.

بهذا المقياس المقاومة الفلسطينية انتصرت في هذه المعركة كما في جميع معاركها السابقة التي قادتها باقتدار وبتقديم التضحيات الجسام.

للباحثين عن صورة للانتصار أكثر وضوحاً نقول لهم الصور أكثر من ان تحصى: هذا الالتفاف الكبير من الشعب الفلسطيني أينما وجد حول المقاومة هو انتصار… هذه الوحدة الفلسطينية التي لم نشاهدها خلال العقود الثلاثة الأخيرة هي انتصار…هذا التضامن الشعبي العربي والعالمي مع قضيتنا هو انتصار… حديث الرئيس بايدن مع الرئيس عباس الذي تجاهل الحديث معه منذ انتخابه رئيساً هو انتصار… عودة القضية الفلسطينية للواجهة الدولية بعد تراكم الغبار عليها لعقد من الزمن على الأقل هو انتصار… ضغوط العالم على إسرائيل لوقف اطلاق النار هو انتصار… فرض منع التجول على إسرائيل هو انتصار.

يمكننا الاسترسال قليلاً هنا.

في العام ١٩٦٧ غادرت ٢٠٠ طائرة حربية إسرائيلية مطاراتها ودمرت جيوش ثلاث دول عربية في ست ساعات واحتلت أراضيها في ستة أيام.

الاثنين الماضي أقلعت ١٦٠ طائرة إسرائيلية من مطاراتها لتقصف غزة بشكل متواصل لكنها لم تتمكن من وقف صواريخ المقاومة، ولم تجرؤ دولة الاحتلال الى يومنا هذا على ارسال جندي واحد لتدنيس أرضها. هذا يسمى انتصاراً.

لكن هنالك فرقاً بين الانتصار الذي نُقِر بأنه تحقق وبين الإنجاز الذي تسعى اليه المقاومة ومعها شعبها.

في كل مرة تسعى فيها المقاومة لتحقيق إنجاز حقيقي على الأرض تخذلها إمكانياتها الضئيلة التي لا تكفي للآن لحسم المعركة في هذا الصراع.

دولياً وربما إقليمياً أيضاً هنالك رغبة بحرمان المقاومة من تحقيق أي انجاز.

العروض عديدة في هذا السياق: وقف إطلاق نار متبادل ومتزامن بدون شروط. وقف إطلاق نار من جانب واحد من إسرائيل. وقف إطلاق نار متبادل ومتزامن مع تحويل ملف القدس لمجلس الأمن.

كل هذه العروض هدفها واضح: حرمان المقاومة من تحقيق أي إنجاز ملموس حتى تخرج علينا إسرائيل ومن يقف في خندقها ليقول للشعب الفلسطيني بأن طريق المقاومة لا يجلب لكم غير الموت والدمار.

لست في غزة ولست على خطوط النار ولا أعرف ظروف المقاومة أو قدراتها، ولكن ان كان من حقي أن أتحدث فإن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يمر عبر تحقيق انجاز في مسألة القدس. لكن أكرر هنا بأن هذا خاضع لإمكانيات المقاومة وحساباتها.

وقف إطلاق النار غير المشروط والمتزامن لا يفيد قضيتنا الآن، لكنه أيضا يعطي المقاومة فرصة لإعادة بناء قدراتها وتطويرها تمهيدا للمواجهة القادمة. هذا حدث عدة مرات في السابق.   

وقف إسرائيل لإطلاق النار من جانب واحد قد يكون خياراً إسرائيلياً خاضعاً لتكتيكاتها في إدارة الصراع مع المقاومة. لكنه لا يمنع الأخيرة من الاستمرار في مقاومتها حتى تقبل إسرائيل بشروطها.

وقف إطلاق النار المتزامن وتحويل ملف القدس لمجلس الأمن هو مؤامرة على المقاومة، لأن هذا المجلس يساوي بين سارق الأرض وصاحبها الذي يدافع عنها.

هذا المجلس يتهم الطرفين بممارسة العنف، في حين أن المقاومة تدافع عن شعبها وعن حقوقه بينما تدافع إسرائيل عن استمرار قهرها وظلمها واهانتها للفلسطينيين وعن اغتصابها لأرضهم.

وفي مجلس الأمن لا يتم إصدار قرارات تدين إسرائيل او تلزمها باحترام القانون الدولي وملف الصراع وليس فقط القدس موجود في هذا المجلس أصلاً منذ خمسة عقود، ولا حاجة للتلاعب بالكلمات للإيحاء بأن شيئاً جديداً وكبيراً يحدث بينما كل ذلك مجرد كلام ممجوج.

وقف إطلاق النار الذي يخدم قضيتنا هو ذلك الذي تصاحبه إنجازات سياسية ملموسة: قبول إسرائيل بعدم طرد الفلسطينيين من حي الشيخ جراح. قبول إسرائيل بعدم تغيير الوضع الحالي القائم في المسجد الأقصى. وقف الاستيطان في القدس.

قبول إسرائيل بأي من هذه القضايا أو غيرها يعتبر إنجازاً يقربنا أكثر من تحرير أرضنا.

اليوم قد تكون إمكانيات المقاومة أفضل من السابق بما يمكنها من تحقيق إنجاز من هذا النوع وقد لا تكون.

كما قلت سابقاً، المقاومة أدرى بظروفها وواقعها، وليس لنا أن نحملها أو نطلب منها ما هي راغبة في تحقيقه وتسعى اليه بشكل حثيث وتقدم من أجله الكثير والكثير من التضحيات التي لا يمكن لدول قائمة منذ مئات السنيين احتمالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى