أقلام وأراء

محمد ياغي يكتب – كيف انتهى التضامن العربي؟

محمد ياغي – 25/9/2020

لا ندعي جديداً إذا قلنا إن النظام العربي الرسمي لم يقاتل من أجل فلسطين منذ العام ١٩٦٧، وبالتالي عندما يدعي البعض بأن ليس بإمكانه انتظار حل القضية الفلسطينية حتى يقيم علاقات مع إسرائيل من اجل«تقدم» بلاده و»حماية أمنها»، فإن علينا أن نذكره ونذكر النظام العربي الرسمي معه بأنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة من أجل فلسطين.

العرب الرسميون لم يخسروا عملية التنمية بسبب فلسطين، ولم يفقدوا أمنهم بسببها. لذلك لا داعي لتحميل الفلسطينيين ما ليس لهم علاقة به.

رغم ذلك كان هذا النظام متضامناً مع فلسطين وأهلها، وكان يعتبرها، حتى لو كان ذلك باللغة فقط، قضيته المركزية الأولى. وبالتالي كان هذا النظام رغم ما فيه من عيوب، يقدم دعما سياسيا للقضية الفلسطينية، وكانت دول الخليج العربي ومعها الجزائر والعراق سابقا من أكبر الدول التي تدعم الفلسطينيين مالياً.

هذا التضامن مع القضية الفلسطينية بدأ يتفكك منذ زمن، واليوم كما يبدو وصل الى نهاية الطريق وانتهى. بلغة أوضح، لم يعد هنالك تضامن عربي سياسي أو مالي.

ما الذي حدث وكيف انتهى التضامن العربي الرسمي مع فلسطين وأهلها؟

هنالك محطات مفصلية لا بد من الوقوف عندها اذا أردنا فهم أسباب وصول التضامن العربي الى نهايته.

المحطة الأولى كانت العام 1978 عندما فاجأ الرئيس المصري أنور السادات جميع العرب بزيارة القدس المحتلة وتوقيعه منفرداً اتفاقات كامب ديفيد متخلياً بذلك عن الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري والأراضي اللبنانية والأردنية التي تحتلها إسرائيل. كان هذا هو المسمار الأول في نعش التضامن العربي الذي بدأ منذ ذلك الوقت يفقد أهميته شيئاً فشيئاً.

العرب الرسميون حينها عزلوا مصر وأسسوا جبهة الصمود والتصدي ونقلوا مقر جامعتهم العربية من القاهرة الى تونس.

المحطة الثانية أو المسمار الثاني في نعش التضامن العربي قام «بدقه» الرئيس العراقي صدام حسين عندما قام باحتلال دولة عربية هي الكويت كان يفترض به أن يحميها لا أن يحتلها ويشرد شعبها.

دول الخليج العربي الذي كان يشعر بأن أراضيه يحميها العراق الذي دخل حرب لثماني سنوات مع إيران بذريعة حماية الجبهة الشرقية، أي نفسه ومعه دول الخليج العربي، أصبحت مهددة منه.  

احتلال الكويت ضرب التضامن العربي بقوة كبيرة وكانت نتيجته كارثية.

هو من جهة أدى الى تقسيم العالم العربي بين من وقف مع العراق من الدول العربية ومعهم منظمة التحرير الفلسطينية وسانده لأسبابه الخاصة، ومن وقف من الدول العربية ضده.

وهو من جهة أخرى، دفع دول الخليج العربي الى السماح بإقامة قواعد عسكرية أميركية ولاحقاً بريطانية وفرنسية على أراضيه لمنع تكرار التجربة الكويتية.

بوجود القواعد العسكرية الأميركية في منطقة الخليج العربي، خسرت هذه الدول جانباً من جوانب استقلالها السياسي، وأصبحت أكثر ضعفاً أمام الضغوط الأميركية. كما أن هذا الوجود العسكري المباشر لأميركا في المنطقة أوجد حالة من الشكوك بين الدول العربية لأن البعض رأى فيه تهديداً مباشراً له خصوصاً بعد احتلال العراق العام 2003.

كل من يدرس علاقات دولية يدرك بأن الدول الصغيرة الضعيفة تتحالف مع دول أقوى منها لحمايتها وهي تعلم بأن قيامها بذلك يفرض عليها أن تتخلى عن جزء من سيادتها.

بالطبع لا يمكن الحديث عن نهاية التضامن العربي دون الإشارة الى مؤتمر مدريد للسلام العام 1991. هنا لا أعرف بالضبط من يتحمل مسؤولية قرار العرب الرسميين بالتفاوض المنفرد مع إسرائيل بدل التفاوض معها بوفد موحد.

لم يكن الفلسطينيون مسؤولين عن ذلك بالتأكيد لأنهم كانوا يقاتلون في حينه لإيجاد موطئ قدم لهم على طاولة التفاوض.

لكن ذلك لا يعفيهم من المساهمة في إضعاف التضامن العربي وفي دق مسمار جديد في نعشه أيضاً.

منظمة التحرير فاجأت العرب جميعاً بتوصلها لاتفاقيات أوسلو مع إسرائيل العام 1993. اتفاقيات رحب بها غالبية العرب بلا شك لأنها أعطتهم الذريعة «للتواصل» مع الجانب الإسرائيلي منذ ذلك الوقت، لكنهم أيضاً لاموا الفلسطينيين على فعلتهم وعلى التصرف من خلف ظهر العرب جميعاً.

سورية والأردن ولبنان تحديداً كانت من أكثر الدول التي امتعضت من السلوك الفلسطيني المنفرد، وكل لديه بالطبع أسبابه الخاصة.

فعلياً اتفاقيات كامب ديفيد السادات، احتلال الكويت، واتفاقيات أوسلو أسقطت وأنهت التضامن العربي.

لكن مركزية القضية الفلسطينية في وعي وذاكرة الشعوب العربية وحجم الدم المراق منذ العام ١٩٤٨ وملايين اللاجئين الفلسطينيين، وفوق كل ذلك نضال الشعب الفلسطيني الذي لم يتوقف بانتفاضته الأولى والثانية ومقاومته في غزة والضفة، جعل من الصعب على العرب الرسميين التخلي علناً عن القضية الفلسطينية، وهو فعلياً ما أخر سقوط التضامن العربي بشكل رسمي الى ما قبل أسابيع قليلة.

كان بإمكان التضامن العربي بشكله البائس المتمثل ببيانات التأييد للفلسطينيين والشجب لإسرائيل ومناشدة الأمم المتحدة للتدخل لمساعدة الفلسطينيين مع الاستمرار في تقديم المساعدات المالية، أن يستمر لفترة أطول، لكن الاحتجاجات والثورات العربية التي بدأت العام ٢٠١١ أوجدت واقعاً جديداً.

هنا نريد الإشارة فقط، ودون الدخول في التفاصيل وتحليل الأسباب، الى أن هذه الاحتجاجات التي كان من المتوقع لها أن تحدث انقلاباً في العالم العربي لصالح فلسطين أخرجت سورية وليبيا واليمن والسودان من دائرة القرار العربي الرسمي. جعلت مصر أكثر ضعفاً وأكثر اعتماداً على دول عربية، وحولت دولاً صغيرة الحجم الى دول أكثر تأثيراً من دول مثل العراق والجزائر وسورية.

بلغة أخرى، النظام العربي الرسمي الذي عرفناه حتى العام ٢٠١٠ لم يعد قائماً. لا نترحم على ذلك النظام لأنه وصل الى نهايته، ولا نعتقد بأن النظام الذي تشكل على أنقاضه والذي أعلن نهاية التضامن العربي قد تمكن من تثبيت أقدامه.

المنطقة العربية ما بعد العام ٢٠١٠ ما زالت في مرحلة مخاض. وهذا المخاض إما أن يعيد التضامن العربي بقوة أكبر وأفضل مما كان مع فلسطين وأهلها وإما أن يعمق نهايته لعقود قادمة. في كلتا الحالتين لا يمكن للفلسطينيين التوقف لانتظار المخاض العربي، ونهاية التضامن العربي معهم لها ارتداداتها عليهم والتي سنتحدث عنها في مقال آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى