أقلام وأراء

محمد ياغي يكتب – ثلاثة مخاطر تفرض على أميركا تغيير سياساتها في الشرق الأوسط

محمد ياغي – 26/2/2021

رغم أن التوجه الأميركي العام منذ ولاية الرئيس باراك أوباما هو باتجاه الانسحاب العسكري من منطقة الشرق الأوسط إلا أن أهمية هذه المنطقة أكبر من أن تدير الولايات المتحدة ظهرها لها.

هذه المنطقة مهمة للاقتصاد العالمي بسبب اعتماد عدد كبير من الدول على نفطها وبسبب موقعها الجغرافي الذي يمر عبر ممراتها المائية أكثر من ربع التجارة العالمي. والمنطقة كبيرة بمساحتها وسكانها وانعدام حالة الاستقرار فيها يهدد الأمن والسلام العالميين نتيجة ظهور الحركات الإرهابية والهجرة القسرية التي تسببها الحروب فيها. وفوق ذلك، هنالك قوى عالمية، الصين وروسيا، تتطلع الى دخول المنطقة وأخذ مكانة أميركا فيها بهدف تعزيز مصالحها، ما يضعف أميركا على المدى الطويل.

لذلك حتى وإن كان التوجه السياسي الأميركي هو باتجاه الإحجام عن المزيد من التورط العسكري في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن ذلك لا يعني أن أميركا ستحزم أمتعتها وتفكك قواعدها العسكرية وترحل. أميركا ستبقى لاعباً سياسياً رئيسياً وربما اللاعب الأهم بين القوى الكبرى في هذه المنطقة.

قوة الدفع المتصاعدة في أميركا باتجاه عدم التورط في حروب الشرق الأوسط مع إدراك أهمية المنطقة يفرض على الولايات المتحدة تبني مقاربات جديدة في المنطقة لا زالت مراكز صنع القرار فيها تدرسها.

ما يمكن قوله بثقة هو أن استمرار سياسات الولايات المتحدة السابقة في المنطقة، يعرض أميركا لثلاثة مخاطر تؤدي جميعها في النهاية الى المزيد من التورط العسكري فيها والى استمرار حالة الاستنزاف لمصادرها ولمكانتها العالمية.

الخطر الأول يأتي من استمرار سياسة ازدواجية المعاير. أميركا لا يمكنها أن تتبنى أجندة سياسية في قلبها الدفاع عن حقوق الانسان في روسيا والصين والشرق الأوسط بينما هي منغمسة حتى أذنيها في الدفاع عن إسرائيل التي تنتهك حقوق الانسان الفلسطيني وترتكب جرائم حرب بحقه منذ سبعة عقود ولا زالت تحتل أراضي عربية في سورية ولبنان.

اليوم يوجد عدد كبير من مراكز الأبحاث في أميركا ممن يدعي بأن مكانة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في العالم العربي قد تراجعت كثيرا بفعل الحروب الأهلية المستمرة في سورية واليمن وليبيا، وبفعل عدم الاستقرار السياسي في الكثير من الدول العربية وانشغال الشعوب العربية في مشاكلها الداخلية.

الى حد ما هذا صحيح. لكن هذا لا يعني أن الشعوب العربية لا ترى حجم النفاق في السياسات الأميركية الذي يفضحه انحيازها الدائم لإسرائيل على حساب الفلسطينيين والعرب. كان هذا في السابق أحد أهم أسباب ظهور الحركات الإرهابية التي استهدفت مصالح أميركا في المنطقة ولا يوجد مؤشر على أن هذا السبب سيختفي إذا استمرت أميركا بالانحياز لإسرائيل.

إذا أرادت إدارة الرئيس بايدن أن تجعل من دعم حقوق الانسان أحد أعمدة سياساتها في منطقة الشرق الأوسط، كما يستشف من تصريحات مسؤوليها، فلا يمكنها أن تحسن من سمعتها وصورتها لدى شعوب المنطقة إذا استمرت في دعم الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية. هذا الوضع يتعارض بشكل صارخ مع الرغبة الأميركية في الدفع باتجاه استقرار المنطقة لتقليل وجودها العسكري فيه.

الخطر الثاني الذي قد يدفع أميركا للمزيد من التورط العسكري في المنطقة ناتج عن عدم وجود مقاربات سياسية عملية لها في الملفات الخاصة بإيران وسورية والعراق. في جميع هذه الملفات مخاطر المواجهة بين الولايات المتحدة وخصومها قد تدفع أميركا الى التورط عسكرياً أكثر في المنطقة.

لا أحد يعرف كيف سيساهم أقل من ثلاثة آلاف عسكري أميركي في سورية في إعادة الاستقرار لهذا البلد، لكننا نعلم أن وجودهم يهدف الى دعم وحماية القوات الكردية في الشمال السوري. التوجهات الانفصالية للأكراد معروفة وكلا الحكومتين السورية والتركية لن تقبلا بوضع للأكراد مشابه لما هو موجود لهم في العراق.

في العراق هنالك قرار من البرلمان منذ بداية العام الماضي يطالب الحكومة بإخراج القوات الأميركية من أراضيه وهي قوات استدعتها الحكومة العراقية لمساعدتها في الحرب على داعش. هذه المهمة أنجزت واستمرار وجودها اليوم في العراق في ظل الاستهداف المستمر لقواعدها العسكرية فيه إما أن يدفعها للخروج منه بالإكراه وإما يدفع واشنطن لإرسال المزيد من قواتها اليه لحماية نفسها.

كلا الخيارين أسوأ من بعضهما. الأول يعني الهزيمة والثاني يعني التورط العسكري أكثر في منطقة تريد أميركا تخفيض وجودها العسكري فيه.

الملف الإيراني هو الوحيد الذي يوجد لأميركا وحلفائها مصلحة حيوية فيه ملخصها منع إيران من امتلاك سلاح نووي. العودة للاتفاق النووي كما كان عليه الحال العام ٢٠١٥ يشكل حلاً ممكنا للطرفين الأميركي والإيراني.

لكن هذا الاتفاق تعارضه إسرائيل وهي قد تعمل على مهاجمة إيران منفردة. في هذه الحالة إيران وحلفاؤها سيردون، وستكون أميركا أمام خيارين: الدخول في حرب ضد إيران أو رفع يدها وترك إسرائيل لوحدها.

بوجود لوبي إسرائيلي قوي في أميركا فإن الخيار الأول هو الأقوى، وهو ما يعني أن أميركا ستتورط في حرب جديدة في الشرق الأوسط لعقد أو عقدين من الزمان.

الخطر الثالث الذي قد يدفع أميركا لدفع المزيد من قواتها للمنطقة ناتج عن فشل غالبية الحكومات العربية في تطوير اقتصاديات بلدانها وفي حل مشاكلها الداخلية المتعلقة بالانفتاح السياسي.

الأسباب التي دفعت الشعوب العربية للخروج في احتجاجات عارمة العام ٢٠١١ من فقر وبطالة وتكميم للأفواه وانعدام المشاركة السياسية لا زالت مستمرة. في العديد من البلدان تحولت هذه الاحتجاجات الى حروب أهليه وأصبحت العديد من الدول العربية ملاذات آمنة للحركات الإرهابية ومصدرة لملايين المهاجرين الى أوروبا.

إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من المساعدة في إيجاد مقاربات سياسية تساهم في محصلتها في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والسياسية في البلدان العربية فإن حالة انعدام الاستقرار والصراعات الأهلية ستستمر، وهذا بدوره  يفرض عليها تعزيز وجودها العسكري فيه بدلا من تخفيضه.

من المبكر القول بأن الرغبة الأميركية في تخفيض تورطها في منطقة الشرق الأوسط ستفضي بالضرورة الى تبني سياسات جديدة تساهم في حل الصراعات فيها وفي نموها الاقتصادي، لكن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تستمر في ممارسة نفس السياسات القديمة وأن تتوقع نتائج مغايرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى