أقلام وأراء

محمد ياغي يكتب – استخلاصات بشأن نهاية التضامن العربي الرسمي مع الفلسطينيين

محمد ياغي – 9/10/2020

من أجل أن يبنى على الشيء مقتضاه، علينا أن نتمعن جيداً بالمشهد العربي العام الذي أدى الى نهاية التضامن العربي الرسمي مع الفلسطينيين، ونستخلص منه ما قد يفيد في تعويض الخسارة الكبيرة التي لحقت بهم.

علينا أن نلاحظ أولاً أن تخلي البعض عن الفلسطينيين يأتي في ظل تراجع دور الدول العربية الكبيرة في الإقليم. هذه الدول، وهي مصر والعراق وسورية، والتي رفعت راية القومية العربية لسنوات طويلة خفتَ أو غاب دورها الواحدة تلو الأخرى لأسباب تتراوح بين خيارات قياداتها السياسية الخاطئة، استبدادها الداخلي، وتآمر الخارج عليها.

ولأن الطبيعة لا تعرف الفراغ، فإن هذا الغياب دفع دولاً عربية صغيرة لتصدّر المشهد العربي. كان يمكن للقضية الفلسطينية أن تبقى في قمة الأجندة العربية الرسمية لو أن الحراك الشعبي العربي الذي بدأ من تونس نهاية العام ٢٠١٠ انتصر في صراعه مع القوى القديمة التي كانت تمتلك السلطة، لأن القوى الصاعدة في حينه كانت ترى في فشل النظام العربي الرسمي بإعادة الأراضي العربية المحتلة أحد أسباب حراكها وإن لم يكن المحرك الأساس لها.

لكن هذا الحراك فشل بسبب التدخل الخارجي فيه وتحديداً بسبب تدخل الدول العربية الصغيرة التي رأى البعض منها أن التغير في العالم العربي باتجاه الحرية والديمقراطية قد يصل اليها، وهو ما دفعها للانخراط بكامل قوتها وما تملكه من مصادر مالية وسياسية لإفشال الحراك الشعبي والى إعادة عقارب الساعة الى الوراء. بانتصار هذه الدول الصغيرة على الحراك الشعبي (وعلى البعض الآخر منها الذي ساند هذا الحراك لأسبابه الخاصة)، أصبح في قمة جدول أعمال النظام العربي الرسمي، ملفان اثنان فقط وكلاهما يتطلب التحالف مع إسرائيل:

الأول: حماية النظام العربي الرسمي لنفسه من أي ضغوط خارجية عليه للتغيير، بمعنى الانفتاح والسماح لقوى المعارضة بالعمل العام والقبول بانتخابات نزيهة، واحترام حقوق الانسان.    

والثاني: مواجهة إيران لأنها القوة الموجودة على حدود هذه الدول والتي يجري الصراع المباشر معها منذ الثورة الإسلامية فيها العام ١٩٧٩.

في الملف الأول إسرائيل مطلوبة بسبب تأثيرها غير العادي على مواقع صنع القرار في أميركا والغرب عموماً لحماية النظام العربي الرسمي من أي ضغوط عليه، وإسرائيل تريد ذلك أيضا لأن هذا النظام بشكله الحالي يوفر الحماية لها.

وفي الملف الثاني إسرائيل مطلوبة أيضا لما يمكنها أن تضيفه لهذه الدول من وسائل قوة لمواجهة إيران، وأهم من ذلك، لتأثيرها على أميركا والغرب في سياساتهم تجاه إيران.

الدخول في تحالف مع إسرائيل يتطلب إخراج القضية الفلسطينية من الأجندة العربية الرسمية لهذه الدول على الأقل.

ولأن إخراج فلسطين من هذه الأجندة وإدخال إسرائيل الى دائرة الحلفاء مسألة لها ارتداداتها داخل هذه الأقطار، فإن الهجوم على الفلسطينيين وتحميلهم مسؤولية الفشل في حل قضيتهم يصبح مشروعا لتبرير التحالف مع إسرائيل.

الخلاصة الأولى هنا هو أن ما جرى الى الآن ليس مجرد حدث عابر، وإنما هو سياسة جديدة لجزء كبير من الدول العربية، وعلى الفلسطينيين أن يدركوا بأن الضغوط ستمارس عليهم بشكل كبير لقبول بما تريده إسرائيل منهم، أياً كان هذا الذي تريده.

وفي الاستخلاصات أيضاً أن الدول العربية التي ترفض التطبيع مع إسرائيل هي تلك الدول التي يوجد بها حرية كبيرة أو حتى صغيرة، والتي يأخذ أو يراعي قادتها رأي شعوبهم بعين الاعتبار في سياساتهم الخارجية.

هذه الدول لا تحتاج لحماية نفسها من الضغوط الخارجية في ملفات الانتخابات والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي محصنة بدعم شعوبها أيضاً من الضغوط الخارجية عليها للتطبيع مع إسرائيل.

المفارقة هنا أن بعض هذه الدول قريب من الحدود الإيرانية، وبعضها على حدود إسرائيل، وبعضها الآخر بعيد جداً عن حدود إسرائيل وإيران.

ما الذي تعنيه هذه القراءة السريعة؟

أولاً: قطار التطبيع العربي الرسمي سيستمر، والبعض العربي سيحتاج إسرائيل أكثر إذا ما نجح جو بايدن وقرر الأخير تغيير سياساته تجاه إيران، أو ممارسة الضغوط على النظام العربي الرسمي لترك هامش للحريات السياسية ولاحترام حقوق الإنسان.

ثانياً: على الفلسطينيين أن يتوقعوا المزيد من الضغوط عليهم للرضوخ لإسرائيل، ليس فقط من قبل الدول العربية التي تحالفت أو في طريقها للتحالف مع إسرائيل، ولكن من بعض الدول الغربية التي ترى في نهاية التضامن العربي الرسمي مع الفلسطينيين مبرراً لها للتخلي عن ورقة التوت التي تغطي مواقفها المؤيدة لإسرائيل.

ثالثاً، واقع الحال يقول إن الفلسطينيين بحاجة الى أكثر من الوحدة لعبور هذه المرحلة الخطرة على قضيتهم. هم بحاجة لسياسات جديدة والى قرارات صعبة لا يمكن اتخاذها بدون حوار داخلي معمق ومحاولة للوصول إلى إجماع بشأنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى