محمد قاروط ابو رحمه: كريم” أم “حكيم”؟ بوصلة العيش بين الشرق والغرب
محمد قاروط ابو رحمه 12-12-2025: كريم” أم “حكيم”؟ بوصلة العيش بين الشرق والغرب
مقدمة: البحث عن الحياة الأفضل
في سعي الإنسان الدؤوب نحو حياة ذات معنى ورفاهية، تتقاطع مسارات فكرية متعددة. يقدم لنا العصر الحديث مفاهيم مستوردة من الفكر الغربي تعد بتحقيق السعادة والنجاح، بينما تظل الأطر الفلسفية والدينية الشرقية راسخة في تقديم رؤية أكثر شمولية للوجود. لا يتعلق الأمر بالحكم المطلق على صواب أو خطأ أي من هذه المناهج، بل بالتمييز بين مستويين من العيش قد يختلطان على الكثيرين: مستوى “الحياة الكريمة”، ومستوى “الحياة الحكيمة”.
“الحياة الكريمة”:
أدوات الغرب لتحسين العيش
تركز مجموعة من المفاهيم الغربية الحديثة على تزويد الفرد بالأدوات اللازمة لجعل حياته اليومية أكثر سهولة، إنتاجية، وراحة. هذه الأدوات موجهة لتحقيق “الكرامة” بالمعنى العصري للرفاهية والنجاح المادي والنفسي:
علم النفس الإيجابي:
يهدف إلى تحسين جودة الحياة النفسية، وزيادة مشاعر السعادة والرضا الذاتي، وإدارة التوتر بفعالية.
التنمية البشرية:
تركز على تطوير المهارات الشخصية والمهنية، وبناء الذات لتحقيق النجاح في سوق العمل والحياة الاجتماعية.
التفكير خارج الصندوق:
هو منهجية لحل المشكلات بطرق إبداعية ومبتكرة لزيادة الكفاءة والإنتاجية.
هذه الأدوات فعالة للغاية في سياقها الوظيفي والنفسي المباشر. إنها تجعل الحياة “كريمة” ومريحة، لكنها غالباً ما تظل في إطار النفعية (البراغماتية) وتجد صعوبة في الانتقال بالفرد إلى مستويات أعمق من الحكمة الوجودية.
“الحياة الحكيمة”:
الشمولية والتجاوز في الأطر الشرقية
في المقابل، تنبع الأطر الفكرية الشرقية، سواء في التقاليد الإسلامية أو المسيحية، من رؤية كلية تعتبر “الحياة الحكيمة” هي الأساس والغاية. هذه المفاهيم ليست مجرد أدوات، بل هي أنظمة حياة متكاملة تتمحور حول المعنى الأسمى، الأخلاق، والغاية الوجودية:
منهج التفاؤل الإيماني:
يتجاوز مجرد الشعور بالسعادة اللحظية (علم النفس الإيجابي) إلى الثقة المطلقة بالقدر الإلهي والتوكل، مما يوفر طمأنينة وجودية شاملة.
مفهوم العمل الصالح (“ليبلوكم أيكم أحسن عملاً”) سورة تبارك:
يوسع نطاق “التنمية الذاتية” من مجرد الكفاءة المهنية إلى معيار أخلاقي شامل يشمل الإخلاص، الجودة، والنية الحسنة في كل جوانب الحياة.
التساؤل الوجودي العميق (“رب أرني كيف تحيي الموتى”) سورة البقرة 260:
يمثل ذروة التفكير العميق الذي يسعى لفهم أسرار الخلق والحياة والموت، متجاوزاً حل المشكلات التجارية إلى السعي نحو اليقين والحقيقة المطلقة. أسئلة لا حدود لها.
الفرق الجوهري:
الحكمة تشمل الكرامة
التمييز الأساسي هو في الشمولية والنطاق. المفاهيم الغربية تقدم “جزئيات” لتحسين العيش، بينما تقدم الأطر الشرقية “كليات” للحياة الهادفة.
الحياة الكريمة هي حياة ناجحة ومريحة مادياً ونفسياً.
الحياة الحكيمة هي حياة ذات مغزى أخلاقي ووجودي وروحي.
الفلسفة الشرقية تجادل بأن الحكمة والتجاوز والسمو الروحي تشمل تلقائياً السعي نحو الحياة الكريمة، ولكن ضمن إطار أخلاقي موجه نحو هدف أسمى.
خاتمة: بوصلة العيش
قد لا تكون الأدوات الغربية “كذبات”، بل هي أدوات نافعة ومفيدة في سياقها. ومع ذلك، عندما نبحث عن بوصلة توجه حياتنا بأكملها، فإننا قد نحتاج إلى النظر في الأطر الشرقية التي تقدم لنا الحكمة الشاملة.
الاختيار يقع على عاتق الفرد: هل يكتفي بالسعي وراء حياة “كريمة” بالمعايير الدنيوية الحديثة؟ أم يطمح إلى حياة “حكيمة” توفر المعنى والسمو، وتتجاوز حدود الزمان والمكان؟.



