محمد قاروط أبو رحمه: فلسفة الشجاعة والهزيمة بين قبضة الضياء وانكسار الظل
محمد قاروط أبو رحمه 24-12-2025: فلسفة الشجاعة والهزيمة بين قبضة الضياء وانكسار الظل
في مسرح الحياة، لا تُقاس القوة بصلابة العضلات أو بضجيج الكلمات، بل بتلك المسافة الفاصلة بين إرادة تفتش عن النور وسط الركام، ونفسٍ استسلمت لقتامة الواقع حتى أصبحت جزءاً منه.
إن الفرق بين الشجاع والمهزوم ليس في حجم “العتمة” التي تواجههما، فالعتمة قدرٌ مشترك، لكن الفرق يكمن في “البوصلة” التي يوجهان نحوها أرواحهما.
الشجاعة فن الإمساك بخيط الضوء، الشجاع ليس إنساناً خارقاً لا يعرف الخوف، بل هو الشخص الذي قرر أن يكون خوفه دافعاً لا عائقاً. في مساحة العتمة، سواء كانت أزمة مالية، أو انكساراً نفسياً، يدرك الشجاع أن الظلام لا يتبدد بالصراخ فيه، بل بإيجاد مصدر للضوء.
الإمساك بـ “خيط الضوء” يعني التمسك بالأمل الصغير، بالحل الممكن، وبالخطوة التالية مهما كانت ضئيلة. الشجاع يعلم أن خيطاً واحداً من النور يكفي لكسر هيبة العتمة، وأن الاستمرار في القبض على هذا الخيط هو الذي سيقوده في النهاية إلى فجر الخلاص. إنه لا ينتظر الشمس لتشرق، بل يصنع من إرادته مصباحاً يضيء موطئ قدمه.
والمهزوم، حين يصبح الظلام ملاذاً. على الضفة الأخرى، نجد المهزوم. والهزيمة هنا ليست خسارة معركة، بل هي “هزيمة روحية” تسبق أي واقع. المهزوم هو من فقد القدرة على رؤية الاحتمالات، فصار يبرر قعوده بزيادة مساحة العتمة.
العجيب في سيكولوجية المهزوم أنه لا يكتفي بالضياع، بل يبحث عن كل ما يؤكد أن “لا فائدة ترجى”. هو يضخم الصعوبات، ويختلق العقبات، وينشر اليأس في محيطه؛ لأنه بزيادة مساحة العتمة يجد تبريراً كافياً لاستسلامه. بالنسبة له، النور يمثل مسؤولية وتحدياً لا يقوى عليه، لذا يفضل الغرق في الظلام ليواري عجز إرادته.
الخيار الحتمي إن العتمة في حياتنا ليست شراً مطلقاً، بل هي “المختبر” الذي يُكشف فيه عن معادن الرجال. فإما أن نكون من قابضي خيوط الضوء، الذين يصنعون من اليأس طريقاً، وإما أن نكون ممن يزيدون سواد ليلهم بالشكوى والانكسار.
في نهاية المطاف، الشجاعة هي قرار ببدء الحركة رغم انعدام الرؤية، بينما الهزيمة هي قرار بالوقوف وانتظار المجهول. تذكر دائماً: مهما بلغت العتمة من الاتساع، فإنها تظل عاجزة أمام من يملك شجاعة الإمساك بأول خيط للضوء.



