محمد قاروط أبو رحمه: الفلسفة في كُتيب المفاوضات والحُكم والِقيادة: دُروس من تجربة ملكة سبأ

نَبني الوَعي، ولا نملئُ الذاكرة فقط
هذا الاصدار ليس فقط دروسًا في المُفاوضات والحُكم والقِيادة، بل يحملُ جوهرًا فلسفيًا عميقًا خلف كل موقفٍ ومَشهد.
ما المقصود بـالفلسفة في هذا الكتيب؟ لَيست الفلسفة هنا نقاشًا نظريًا أو تجريديًا، بل هي: رُؤية فِكرية مُتكاملة للإنسان، والسُلطة، والمعرفة، والأخلاق، والعلاقة مع الآخر، وكيف تُمارس القيادة بعدل ووعي؟
والفلسفة التي حكمت كتابة هذا الكتيب بنيت على المحاور الفلسفية المركزية التالية:
أولها: ان الإنسان قائد بالفطرة إذا أحسن فهم ذاتِه. وفلسفة الكتاب ترى أن القيادة ليست امتيازًا طبقيًا أو موروثًا سلطويًا، بل مسؤوليةٍ عقليةٍ وأخلاقية. حيث وصلت ملكة سبأ للقيادة بحكمتها لا بنسبها فقط، وقيادتها كانت عقلًا وليس صولجانًا.
وثانيا: ان لا قِيادة بلا أخلاق، ولا أخلاق بلا وعي. ونُقدم في هذا الاصدار تصورًا قائماً على أن الأخلاق ليست زينة للقيادة، بل عمودها الفقري، وفلسفة الكتيب تقوم على أن القائد الأخلاقي أقوى تأثيرًا من القائد المُتسلط.
وثالثا: ان المعرفة أساس السلطة، لا القهر. حيث نكرر الإشادة بـما قاله الهدهد (أحطت بما لم تحط به)، كمفتاح لبداية تأثيره في القرار. ومن وجهة نظري ان من يملك المعلومة، يملك التأثير. وهذا تأكيد وانعكاس لفلسفة نرى فيها أن العلم والخبرة أحد اهم مصادر شرعية للقيادة.
ورابعا: ان الآخر ليس عدوًا بالضرورة، بل هو فرصة للحوار. وملكة سبأ وسيدنا سليمان لم يتقابلا كخصمين، بل كعقلين. وهنا نطرح فلسفة الاعتراف بالآخر المختلف، ومقابلته بالحجة لا بالإلغاء.
وخامسا: ان التواضع هو سُلم القيادة الناضجة. فالهدهد كائن صغير، لكنه لم يُهمّش. وملكة سبأ، أحسن ملكة، لكنها استشارت واستمعت لمجلسها، ولم تستكبر، وسيدنا سليمان نبي وملك، لكنه فتح باب الحوار. هذه فلسفة نؤكد من خلال اظهارها ان العظمة في التواضع، لا في التسلط والصوت العالي.
وسادسا: السلطة وسيلة لا غاية. كل من سيدنا سليمان وملكة سبأ مارسوا الحكم بمفهوم (التكليف) وليس (التشريف). وهذا يُعبّر عن فهمنا لفلسفة تحررية نرى من خلالها أن القيادة والحكم لا يجب أن تكون أداة سيطرة، بل وسيلة لتحقيق الخير العام.
وسابعا: ان التغيير يبدأ من داخل الذات. حيث ان ملكة سبا لم تُسلم بالإكراه، بل بعد قناعة داخلية حيث قالت: (قالت ربي إني ظلمت نفسي). وهذه فلسفة إيمانية إنسانية تقول إن التغيير الحقيقي لا يُفرض، بل يسوق ويُقنع.
وخلاصة الفلسفة التي اردت اظهارها في هذا الإصدار:
ان الإنسان والكرامة والحوار منهج اهم من الإخضاع، وان احترام إنسانية الاخر اهم من إذلاله.
وان العقل والمعرفة مصدر أساسي للقرار وليس الاجتهاد بالظن والعاطفة.
وأن السلطة تمارس بالعدالة وليس بالتسلط والظلم.
والقيادة الجماعية اهم من القيادة الفردية.
وان الحقيقة والنقد الذاتي تنمي الوعي.
والآخر المختلف حتى باختلاف الدين، ليس بالضرورة عدوا.
والخلاصة: الفلسفة في هذا الكتيب تقدم القائد الناجح على انه الإنسان الذي يدير نفسه أولًا، ثم الناس، بالحكمة لا بالقوة، وبالحوار لا بالتهديد، وبالمعرفة لا بالصوت العالي. انها فلسفة قرآنية إنسانية، ترى أن السلطة العليا ليست لمن يحكم، بل لمن يُقنع، ويبني، ويترك أثرًا.
عن الكتيب
المفاوضات والحكم والقيادة، دروس من تجربة ملكة سبأ.
تأليف: محمد قاروط أبو رحمه، عضو مجلس إدارة اكاديمية فتح الفكرية.
اصدار: دار البيرق العربي للنشر والتوزيع، رام الله فلسطين. 2025