روسيا تعزّز حضورها في البحر الأحمر من البوابة السودانية
محمد فوزي 3/1/2021
أعلنت روسيا عزمها على إنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر عبر السودان، وفقاً لمسودة اتفاق مع الخرطوم وقع عليها الرئيس الروسي في الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، وهي مسودة الاتفاق التي أشارت إلى إنشاء هذه القاعدة أو “مركز الدعم اللوجيستي” كما وصفتها، في الضاحية الشمالية لمدينة بورتوسودان، ووفقاً لما ورد في المسودة فقد اتفق الجانبان على أمور عدة على رأسها:
تطوير تعاونهما العسكري بهدف تعزيز قدراتهما الدفاعية، كما أن كلاهما يعترفان بأن تواجد القوات الروسية في هذه المنطقة يُلبي أهداف الحفاظ على السلم والاستقرار، وأن التواجد الروسي ذو طبيعة دفاعية وليس موجهاً ضد أي دول أخرى، وسوف يتكفل الجانب الروسي ببناء المنشأة العسكرية، ووضع المعدات اللازمة بها، وتنفيذ أعمال التحديثات والإصلاح والصيانة في القاعدة على نفقته الخاصة، فضلاً عن امتلاك روسيا الحق في استيراد أي أسلحة وذخائر ومعدات ومواد إلى قاعدتها من دون الحاجة إلى دفع أي رسوم إلى الجانب السوداني، إضافة إلى تمتع موظفي القاعدة بالحصانات والامتيازات المنصوص عليها في اتفاق فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وكذلك السفن والطائرات والمركبات التابعة لروسيا في السودان والتي ستتمتع بالحصانة التي تمنع خضوعها للتفتيش أو المصادرة. كذلك يمكن الجانب الروسي أن يقوم بالمساعدة في تنظيم وتنفيذ عمليات مكافحة التخريب تحت المياه الإقليمية وتحت المياه الداخلية السودانية، فضلاً عن المشاركة في عمليات البحث والإنقاذ، وتقديم المساعدة في توفير الدفاع الجوي اللازم للقاعدة البحرية، والمساهمة في تطوير القوات البحرية المحلية السودانية، ودعم القوات المسلحة وتزويد السودان بالأسلحة والمعدات العسكرية وفقاً لبروتوكول تعاون منفصل سوف يتم الاتفاق عليه، على أن يكون الاتفاق سارياً لمدة 25 عاماً ويمكن تجديده في شكل تلقائي لعشر سنوات، إذا لم يكن لدى أحد الطرفين أي اعتراضات.
في ضوء ذلك، يمكن القول إن هناك جملة من الدوافع والمسببات التي تقف وراء هذا التحرك لدى الجانبين، فبالنسبة إلى روسيا تأتي هذه الخطوة في ضوء توجهات السياسة الخارجية الروسية عموماً في حقبة الرئيس “فلاديمير بوتين” والتي شهدت توجهاً جديداً قام على عدد من المحاور الرئيسية، كالرغبة في إنهاء الأحادية القطبية في النظام الدولي، وإعادة بناء الإمبراطورية الروسية، والاستثمار في إرث الاتحاد السوفياتي، فضلاً عن التوجه الروسي نحو “عسكرة” السياسة الخارجية والتوسع في إنشاء القواعد العسكرية، حيث تقوم المقاربة الروسية على أساس تعزيز النفوذ والحضور السياسي من خلال الحضور العسكري، خصوصاً في الدول التي تعاني من حروب أو حالات عدم استقرار، وهو ما تجسد في الحالة السورية.
في السياق ذاته، تحتل أفريقيا مكانة متقدمة في أولويات السياسة الخارجية الروسية، وهو ما أكدته وثيقة السياسة الخارجية للاتحاد الروسي التي وقعها الرئيس بوتين عام 2015، وأكدت الوثيقة أن أفريقيا أضحت هدفاً بارزاً في إطار تجديد روسيا لاستراتيجيتها الدَّوليَّة، بخاصَّة في ظل تعاظم تأثيرها على الصعيد الدولي، وكما هو معلوم فإن البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي – التي ينتمي إليها السودان حسب التوجه السياسي لتعريف هذا الإقليم – يعتبران المدخل الأهم للحضور والنفوذ في القارة الأفريقية، فضلاً عن السعي الروسي الحثيث لتثبيت الأقدام في البحر الأحمر، وهو ما يتسق مع العقيدة العسكرية البحرية الروسية التي أقرها الرئيس الروسي في 2015، والتي أكدت توجه روسيا لضمان وجود عسكري بحري دائم في المياه الدافئة والبحار والمحيطات.
وأخيراً يعتبر البعد الاقتصادي أحد المحددات الرئيسية لهذا التوجه الروسي حيث أن خطوة كهذه من شأنها تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية الروسية في دول القرن الأفريقي وكل دول القارة.
بالنسبة إلى الجانب السوداني، فبالرغم من أن الموقف الرسمي السوداني حتى الآن لم يحسم الأمر حيث القول إن الموضوع قيد الدراسة، إلا أن هناك مجموعة من العوامل التي تعتبر محفزاً ودافعاً للسودان لإتمام هذه الخطوة، إذ إن الخطوة من شأنها إقامة بنى تحتية عسكرية من مبانٍ وكهرباء وتحلية مياه، وهو ما ستستفيد منه السودان في شكل أو آخر فضلاً عن إمكان أن تؤول هذه الإنشاءات إلى السودان مستقبلاً. وبطبيعة الحال سوف يكون هناك نظام دفاع جوي متطور “أس – 400″، لتأمين المركز اللوجيستي، وهو ما سيوظفه ويستفيد منه السودان في تأمين كل الساحل السوداني ومنطقة الشرق من أي عدوان جوي، فضلاً عن فرص التدريب المتقدمة التي ستتوافر للجيش السوداني في ظل وجود هذه المنظومة، وإمكان استخدام المركز من البحرية السودانية، فضلاً عن معلومات الاستطلاع الجوي والبحري التي ستوفرها القاعدة للسودان ضد أي أخطار محدقة، إضافة إلى تأمين الموانئ التجارية السودانية ودعمها فنياً.
إلى جانب هذه الامتيازات الفنية، سوف يضمن السودان من خلال هذه الخطوة الدعم الروسي في المحافل الدولية، فضلاً عما يحمله هذا التوجه من رسائل من أن سودان ما بعد البشير حريص على الانفتاح المتوازن على العالم، ودرء خطر هيمنة قوة دولية واحدة، أو غطرستها في التعامل مع السودان، والانطلاق فقط من خلال المصالح الوطنية السودانية.
يمكن القول إن هذا التوجه يشير إلى مساعٍ روسية لتثبيت حضور متنامٍ في منطقة البحر الأحمر، وهو ما يفتح الباب أمام ما يسمى بحرب القواعد العسكرية في هذه المنطقة، وذلك مع تعدد الأطراف الدولية والإقليمية الموجودة في المنطقة، وتضارب المصالح والأجندات، ومن المتوقع أن التنافس على الوجود في هذه المنطقة لن يخلق ساحة للصراع فحسب، بل ستكون هناك صور أخرى من أشكال الصراع، قد يكون مضمونها الردع بالوجود لضمان عدم انفراد أي قوة دولية أو إقليمية بهذه المنطقة، أو التلاعب في محور الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
*باحث في الشؤون السياسية