أقلام وأراء

محمد عايش يكتب –  عملية سجن جلبوع : رسائل على الإسرائيليين والعرب قراءتها

 محمد عايش *- 7/9/2021

عملية هروب ستة أسرى من سجن جلبوع، تشكل تطوراً مهماً للمقاومة وعملياتها، وتشكل ضربة قوية للاحتلال الإسرائيلي، حيث استطاع الأسرى الستة الذين ينتمي خمسة منهم لحركة الجهاد الإسلامي أن يخترقوا منظومة الأمن الإسرائيلية، وهي المنظومة الأكثر إحكاماً في العالم، التي تستخدم أحدث وسائل التكنولوجيا التي عرفها البشر حتى الآن.

ما حدث في سجن جلبوع ونجاح الأسرى الستة في تحرير أنفسهم، إنما يصب في خانة الإنجازات التي سجلتها المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وهو حدث كبير وليس عابرا، وأهم ما يميز هذا الحدث هو أنه أظهر الإرادة التي لا تُقهر للشعب الفلسطيني أمام القوة العسكرية والأمنية والاستخباراتية التي يزعم الإسرائيليون أنه لا مثيل لها.

هذه العملية تحمل العديد من الرسائل المهمة، وهي رسائل من المؤكد أنها وصلت للإسرائيليين وللعالم، وأهمها أن لدى الفلسطيني إرادة تستطيع أن تقهر السجان وتتحدى الاحتلال، كما أن لدى المقاومة قدرة على تنفيذ عمليات استخباراتية ذكية قد تؤدي الى تحرير مزيد من الأسرى مستقبلاً، وهو ما يبث الأمل أيضاً لدى أكثر من 5300 أسير وأسيرة يقبعون حتى الآن داخل السجون الإسرائيلية. تشكل هذه عملية انسحاب ستة أسرى من سجن جلبوع، من دون إطلاق ولو رصاصة واحدة، ومن دون اكتشافهم من قبل منظومة السجن والحراسة والمراقبة المتواصلة، يشكل كل هذا اختراقاً غير مسبوق لمنظومة الاستخبارات والذكاء في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا التطور يأتي في أعقاب فترة وجيزة من معركة «سيف القدس» التي أظهرت تطوراً عسكرياً مفاجئاً وغير متوقع لدى الفصائل، ما يعني في نهاية المطاف أن الفصائل استطاعت تطوير منظومتها العسكرية، ومنظومتها الأمنية، وتفوقت في كثير من الجولات على الاحتلال، الذي يُسوق نفسه في العالم على أنه قوة لا تُقهر ولا يمكن التصدي لها، بل إنَّ أحد السلع التي يقوم الإسرائيليون بتسويقها في العالم، وتشتريها دول التطبيع العربي من تل أبيب، هو المنظومات الأمنية والاستخباراتية وأدوات التجسس والمراقبة، وهذا هو ما اخترقه الفلسطينيون الستة وأثبتوا فشله أمام صمودهم وإرادتهم وذكائهم.

عملية الهروب من سجن جلبوع تُشكل محطة فاصلة ومنعطفاً مهماً في مسار النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، وسوف تظل عملية مذكورة ومدروسة لدى الحركة الأسيرة، خاصة أنها نجحت، على الرغم من أن الاحتلال يقوم بمراقبة المعتقلين صوتاً وصورة، ويقوم بفحص النفايات التي تخرج من السجون ومياه الصرف الصحي، للتأكد من عدم وجود أي آثار لأي أدوات أو مواد من المحظور وصولها إلى الأسرى. هذه العملية تحمل رسالة أخرى أيضاً مفادها أن فصائل المقاومة لا تنسى أسراها، وأن الفلسطينيين لا ينسون أبناءهم خلف القضبان، إذ يعتقد الإسرائيليون أن الأسرى الستة حصلوا على المساعدة اللازمة من الخارج، بل ربما يكونون قد تمكنوا من مغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل اكتشاف أمرهم، إذ تم اكتشاف أمر هروبهم بعد ثلاث ساعات من الانسحاب، بينما الطريق من سجن جلبوع الى الخط الحدودي مع الأردن لا تحتاج إلى أكثر من ساعة واحدة فقط، أو ربما تزيد قليلاً لو كانوا قد استخدموا طرق التهريب الوعرة!

أما خلاصة هذه العملية فهو أن الشعوب – ومنها الفلسطينيون- لا يُمكن أن تقهرهم آلة القمع ولا آلة التخويف العسكرية، وأن لدى المناضلين إرادة ليس بمقدور السجان أن يكتشفها ولا أن يختبرها، وأن الاحتلال لا يمكن أن يعيش في رخاء الى الأبد، بل لا بد من يوم ينتهي فيه، وأن من يعيشون خلف القضبان لا بد لهم من الحصول على حريتهم، ولدى الشعب الفلسطيني القدرة على ابتكار الطرق الجديدة كل يوم للتحرر.

*كاتب فلسطيني  .

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى