محمد عايش: انتفاضة فلسطينية ثالثة
محمد عايش 6-9-2022م
الأحداث المتصاعدة في الضفة الغربية تشير إلى تزايد احتمالات اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة ستكون الثالثة خلال أربعة عقود، إن حدثت بالفعل، وسوف تكون الأولى في ظل حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني، ومحاولة عزل قطاع غزة عن باقي الأرض الفلسطينية.
خلال الأيام الماضية تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية المنفردة في الضفة الغربية، وهي نوع جديد تماماً من المواجهة بين الفلسطينيين والاحتلال في الضفة، كما أن العديد من المحللين والمراقبين الإسرائيليين في أكثر من وسيلة إعلام، وعبر أكثر من منصة حذروا من «انتفاضة فلسطينية ثالثة»، بل نقلوا عن مصادر إسرائيلية قولها، إن تقديرات جهاز الأمن الإسرائيلي تشير إلى أن هذه الانتفاضة مقبلة بالفعل، لا محالة.
القناة الإسرائيلية 13 بثت قبل أيام تقريراً لافتاً نقلت فيه عن المصادر الأمنية الإسرائيلية قولها إنه «يتم التعامل مع انتفاضة فلسطينية في الضفة الغربية حالياً، ولكنها انتفاضة من نوع آخر»، وذلك في إشارة إلى سلسلة العمليات التي استهدفت إسرائيليين في الآونة الأخيرة، لاسيما استهداف حافلة جنود في غور الأردن بالرصاص من قبل شابين فلسطينيين. ثمة حدث غريب أيضاً وتطور مهم في الضفة الغربية، وهو مقطع الفيديو الذي بثته حركة حماس لمقاتلين من ذراعها العسكري في مدينة جنين، وهو مشهد اعتاد عليه الفلسطينيون في غزة، لكن الضفة الغربية لم تشهد له مثيلاً في السابق، لا قبل الانقسام الداخلي (2007) ولا بعده، وذلك بسبب أن ظروف الجغرافيا لا تسمح لذلك في الضفة، إذ أنها مقطعة بالمستوطنات، بينما الجيشُ الإسرائيلي يُحيط بكل المدن من كل جانب. ما حدث من جملة أحداث وسلسلة عمليات في الضفة الغربية خلال الفترة القصيرة الماضية، يُشكل محطة فارقة بلا شك، وأغلبُ الظن أن الإسرائيليين يُدركون ذلك جيداً، أما أهم ملامح التحول الذي تشهده الضفة فهو أن كل العمليات السابقة التي استهدفت الاحتلال في الضفة، لم تكن مرتبطة بأي فصيل فلسطيني، ولم تكن عملاً منظماً، وإنما كانت عمليات منفردة لا علاقة لأي منها بالأخرى. هذه العمليات الفردية في الضفة الغربية تُشكل ظاهرة يصعب على الاحتلال مواجهتها أو التعامل معها أمنياً وعسكرياً، إذ أن عمليات التجسس والتنصت والاختراق، التي يتم استهداف التنظيمات الفلسطينية بها لا تجدي نفعاً في هذه الحالة، لأنها عمليات لا ترتبط بالتنظيمات، كما أن توقع مكان وزمان مثل هذه العمليات أمر غير ممكن أيضاً، وإضافة إلى هذا وذاك فإن إحباطها مسبقاً، أو مكافحتها قبل تنفيذها أمر غير ممكن.
الأمر الآخر اللافت – وربما الأهم – في موجة الأحداث الأخيرة التي شهدتها الضفة الغربية هي أنها مرتبطة بجيل جديد من الفلسطينيين، وهو جيل لم يشهد الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجر في 1987)، ولا الثانية (الأقصى في سنة 2000)، وإنما ولد بعد الانتفاضتين، أو على الأقل كبر وتربى وترعرع بعد انتهائهما، وهذا الجيل هو الذي كان الإسرائيليون يراهنون على أنه سيكون «الفلسطيني الجديد» الذي يقبل التعايش مع الاحتلال على أنه أمر واقع، ويقبل بالسلطة الفلسطينية، من دون التطلع إلى أن تكون دولة مستقلة، ويتحول إلى باحث عن «تصريح إسرائيلي» أو تأشيرة هجرة للخارج، أو تذكرة سفر للسياحة في بلد أوروبي.. لكن هذا كله لم يحدث، وظهر جيل جديد لا يبدو أنه حقق الطموح الإسرائيلي في هذا المجال، ومثاله إبراهيم النابلسي الذي اشتبك مع الجيش الإسرائيلي في نابلس، وانتهى شهيداً يوم التاسع من آب/ أغسطس 2022، ليتبين بعد ذلك أنه شاب من مواليد عام 2003، أي أنه ولد بعد الانتفاضتين وبعد بناء الجدار الفاصل وبعد عملية السور الواقي، ولم يكن قد شهد ما قبل ذلك كله.
خلاصة القول، إن الأراضي الفلسطينية ربما تكون مقبلة على انتفاضة ثالثة من نوع وملامح جديدة، وهي انتفاضة سيقوم بها جيلٌ لم يعد شارة البدء أو الانطلاق من فصيل أو حزب أو منظمة، ولا يبدو أن الاحتلال يُمكن أن يتجنب مثل هذه المواجهة إلا بوقف العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، وهذا يقتضي بالضرورة تحقيق ولو الحد الأدنى من طموح الفلسطينيين، ببناء دولة مستقلة لهم على أرضهم، ووقف سياسات الاعتقال والحصار والاعتداءات اليومية.