محمد صلاح: مصر في عام صعب جديد
محمد صلاح 3-1-2023: مصر في عام صعب جديد
بالطبع لم يكن عاماً سهلاً على مصر والمصريين، فسنة 2022 اختتمت بحادث إرهابي في مدينة الإسماعيلية، بعدما اعتقد المصريون أن الإرهاب اندثر، كما عصفت الأزمة الاقتصادية بأحوال الناس فزادت الأسعار وارتفع معدل التضخم وهبطت العملة المصرية مقابل العملات الأجنبية. وبفعل ظروف دولية وارتباكات إقليمية وربما فشل داخلي دفع الشعب الثمن وزادت معاناة الناس. والمؤكد أن المصريين يأملون سنة سعيدة تعوضهم معاناة عاشوها على مدى عقدين، بحثوا فيهما عن عيش أفضل وحرية أكثر وكرامة إنسانية أفضل، لكنهم وقعوا ضحايا اهتراء الحكم وشيخوخته وفساد المعارضة وانتهازية رموزها ومؤامرات الإخوان وعمالة حلفائهم من الناشطين.
وفقاً للمنطق، فإن مصر ستشهد خلال العام الجديد ترسيخاً لمرحلة ما بعد الإخوان وثباتاً لمؤسسات الدولة: الجيش والشرطة والقضاء ودولاب العمل الحكومي، وكذلك الانتهاء من مشاريع مهمة يفترض أن تمثل دعائم جديدة للاقتصاد وبدء مشاريع أخرى مخطط لها أن تعالج التكدس السكاني والازدحام المروري وتساهم في تحقيق التنمية.
وتعول مصر في السنة الجديدة على تطوير الاقتصاد وتجاوز الأزمات وتحريك الاستثمار وتدبير تمويل لمشاريع اقتصادية وتحقيق تنمية واسعة النطاق. لم يكن العام المنصرم مبهجاً للمصريين وهم اعتبروه عاماً قاسياً، لكنه كان أكثر قسوة بالنسبة إلى تنظيم “الإخوان المسلمين” لأن الحكم ظل بعيداً، ولأن السيسي رسخ حضوره كرئيس، ولأن المصريين لم يثوروا! ولأن ما يقوله زعماء التنظيم لمموليهم ولأتباعهم لم يتحقق، ولأن قطر تخلت وأميركا تراجعت والغرب صار براغماتياً، والناس في مصر أدركوا حقيقة الإخوان.
دخل التنظيم قبل نهاية 2022 مرحلة أخرى بعد الخلافات التي ضربت قادته والتنافس الذي اشتعل بين قسمين من الجماعة للفوز بالمناصب والأموال والنفوذ، وأي متابع للحالة المصرية رصد في نهاية العام المنصرم تراجعاً في نشاط الإخوان في الشارع، وانعداماً لمظاهر الاحتجاج، وانحساراً حتى لتأثير الوجود الإعلامي للتنظيم.
نعم تدفع مصر ثمن ركود أصابها لسنوات جرى خلالها تجريف الكفاءات والاكتفاء في إدارة أمور الدولة بفئة من المحظوظين استفادت من الموارد وتقسيم العوائد، بينما باقي فئات الشعب ظلت تعاني التهميش والاستبعاد، أو قل الإقصاء، لكن الأمل ما زال قائماً في أن يتجاوز السيسي معضلات جمة تتناسب مع حجم مصر والتغيرات والتطورات الدراماتيكية التي مرت بها في السنوات الأخيرة. ويفترض أن تفضي النجاحات التي حققها السيسي في علاقات مصر الخارجية، وتجاوزه الهوة العنيفة التي كادت مصر تقع فيها إلى المساهمة في تحسين الأحوال الداخلية.
صحيح ما زالت هناك معضلات، وحقيقي أن المصريين ما زالوا يسددون فاتورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، ومعها فاتورة 30 حزيران (يونيو) 2013 ثم تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن هناك أضواء لاحت في نهاية النفق الذي دخلت فيه البلاد لسنوات واقتربت من الخروج منه. سيكون عام 2023 فاصلاً بالنسبة إلى المصريين الذين ينتظرون تحقيق بعض آمالهم في العيش الكريم والنهوض بالبلاد. صحيح أنهم يقدرون أن أحوالهم أفضل كثيراً من شعوب مر عليها الربيع العربي فعصف بها، لكنهم أيضاً متفقون على أن لديهم فرصاً لعبور المرحلة الخطرة ورفع المعاناة والوصول إلى بر الأمان.
الحياة في مصر ليست وردية تماماً، بل مليئة بالمشكلات والصعوبات، بعضها معروف وظاهر وبديهي كالتحدي الأمني والتعامل مع جماعة “الإخوان المسلمين” وقادتها وعناصرها، وكذلك بالطبع التعامل مع فئات من الشباب أغلقوا عقولهم على ما فيها من أفكار رغم ثبوت خطئها أو فداحة الثمن الذي تدفعه البلاد إذا ترجمت أفكارهم إلى تصرفات وسلوك، ناهيك بالطبع بالتحدي الاقتصادي والمطالب الحياتية للناس، وكذلك تدبير موارد وحل معضلات الاقتصاد، ومعالجة أوضاع التعليم المتدنية والمستشفيات المتهالكة وإعادة الحياة إلى مؤسسات في الدولة أصابها الركود لسنوات، علاوة على النهوض بأوضاع الصحة والمستشفيات وباقي الخدمات المتردية. كل ذلك يدركه السيسي نفسه وكذلك محبوه ومؤيدوه وهم كُثر، لكن المعضلة الأساسية التي قد تكون تؤرق الرجل أن المتربصين به وبنظام حكمه كثيرون داخل مصر وخارجها، أو لأن الطامحين، أو قل الطامعين، يصطفون في طابور الانتظار!!
في كل الأحوال، يحتاج الرئيس السيسي إلى مزيد الجهد وكثير من البحث والتدقيق في الاختيار، كلما أراد أن يضخ دماء جديدة في الماكينة الإدارية للدولة في مختلف مستوياتها، لكن مصر تمر في مرحلة ديناميكية لا تحتمل رفاهية الانتظار طويلاً أو الركود، والناس صبروا والنفق ما زال طويلاً وتلك هي معضلة السيسي. فالخيارات لديه محدودة بينما الناس ينتظرون منه الكثير.