محمد خرّوب: عن السؤال الألماني والمسألة الفلسطينية؟
محمد خرّوب 15-4-2024: عن السؤال الألماني والمسألة الفلسطينية؟
لم تهدأ بعد عاصفة التداعيات التي ترتّبت على اقتحام الشرطة الألمانية «مؤتمر فلسطين», وقطعها البث المباشر لأحد المشاركين الرئسيين فيه (عبر تطبيق زووم), ناهيك عن منع ألمانيا دخول الطبيب الفلسطيني/البريطاني غسان أبو ستة من دخول أراضيها بـ«القوة» يوم الجمعة الماضي. على ما غرّد أبو ستة على منصة X، مُوضِحاً أنه كان «مدعواً لإلقاء كلمة خلال مؤتمر في برلين يتحدث حول عمله في مستشفيات غزة طوال43 يوماً».
مُعتبرا/أبو ستة أن «إسكات شاهد على جريمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية, يزيد من تواطؤ ألمانيا في المذبحة المستمرة»), ما عنى إنفراط عقد المؤتمر في ساعته الأولى. وقد وقفَ خلف التحضير له والدعوة «المُقنّنة» والمحصورة عددياً وبترتيبات دقيقة, مجموعة من نشطاء المجتمع المدني الألماني, بما في ذلك جماعات فلسطينية وأخرى «يهودية”, تحت شعار «نحن نتّهِم.. سَنُحاكِمَكم».
بدا واضحاً أن الخطوة الألمانية الدراماتيكية وغير المسبوقة في عُنفها وفظاظتها, لم تكن وليدة الصدفة، إذ جرى قبل الإقتحام إطلاق سلسلة تصريحات رسمية مُتشدِّدة، ذهبت مباشرة لإستحضار الإسطوانة الألمانية المشروخة (والغربية بشكل عام) عن «مُعاداة السامية», على النحو الذي جاء في تصريحات عمدة العاصمة برلين/ كاي فيغنر الذي أعلن عشية انعقاد المؤتمر عن «تدخل» حاسم للشرطة في حال صدور تصريحات مُعادية للسامية (بالمناسبة أحد في العالم لا يعرِف ما المقصود بمصطلح مُعاداة السامية، إن كان ضد اليهود أم الحركة الصهيونية, بما هي حركة سياسية رجعية عنصرية؟ أم خصوصاً تجاه الدولة الفاشية الإستعمارية الصهيونية, التي تحتل كامل فلسطين التاريخية إضافة إلى الجولان السوري المحتل ومناطق حدودية في الجنوب اللبناني).
لم يكتفِ عُمدة برلين بإطلاق تصريحه الناري هذا, بل أضاف عبارة لافتة بقوله: إن انعقاد «ما يُسمَّى» بمؤتمر فلسطين في برلين «أمر لا يُطاق».. متابعاً القول على نحو مُكرّر «نحن لا نتسامح في برلين مع مُعاداة السامية والكراهية والتحريض ضد اليهود», (وها هو أضاف إلى مصطلح مُعاداة السامية مُصطلحاً آخر مُختلقاً بالطبع, عن كراهية اليهود والتحريض ضدهم، ما يعكس إفتعالاً وكراهية مُضمرة للأطراف والجماعات والأديان الأخرى).
وإذ كانت وزيرة داخلية ولاية برلين الألمانية/إيريس شبرانجر, قد سبقتْ عُمدة برلين بيوم واحد الخميس 11/4, في التحذير والتأكيد على أن الشرطة ستُراقب عن كثب «مؤتمر فلسطين» المُزمع عقده، مُضيفة أنها/الشرطة ستتدخّل بحزم في حال حدوث أمور تقع تحت طائلة القانون, مثل الجرائم المُعادية للسامية وستمنع إظهار الرموز والشعارات المحظورة، فإنها لم تتردّد في إظهار ازدرائها لأي صوت مُعارض عندما قالت: إن كل محاولة لاستغلال الحق الأساسي في حرية التجمّع, من أجل التعدي على «تعايشنا» المجتمعي من خلال جرائم مُعادية للسامية ومُعادية لإسرائيل ستكون لها عواقب».. ما يعني بين أمور أخرى أن إسرائيل فوق الإنتقاد وغير مسموح إبداء أي نوع من الاحتجاج أو المعارضة لقراراتها, أو الحروب التي تشنها على جيرانها وبخاصة على الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت احتلالها منذ 76 عاماً، بل هي/الوزيرة الألمانية, لا تمنح حقاً مشروعاً كهذا, سوى لممثلي «اليهود» فوق أراضيها. حيث رأى «المجلس المركزي لليهود», الذي وصفَ انعقاد مؤتمر فلسطين بأنه «عرض لمُعاداة الصهيونية» (لم يقُل مُعاداة السامية أو مُعاداة اليهود, بل مُعاداة الحركة الصهيونية). فهذا «مسموح» في ألمانيا ولدى الحزب الاشتراكي الديمقراطي, الذي يرأسه المستشار الألماني/شولتس والوزيرة الألمانية المنتمية للحزب ذاته.
«إسرائيل» المحظور على أحد انتقادها في ألمانيا وفرنسا كما معظم الدول الأوروبية, لأن انتقادها شكل من أشكال مُعاداة اليهود والسامية, وقفتْ/إسرائيل هذه أمام محكمة العدل الدولية, بدعوى اقامتها دولة جنوب افريقيا بتهمة عدم منع الإبادة الجماعية, وها هي ألمانيا نفسها تقف الآن أمام المحكمة ذاتها, بدعوى أقامتها دولة نيكاراغوا اللاتينية, بطلب التدابير المؤقتة ضد ألمانيا وتسهيل ارتكاب إبادة جماعية, بما فيها وقف دعمها السياسي والعسكري للكيان الصهيوني.
في ردها (كما بات معروفاً) على دعوى نيكاراغوا, فاخرت ألمانيا يوم الثلاثاء الماضي 9/4 أمام المحكمة الدولية, بأن (أمن إسرائيل هو في «صميم» سياستها الخارجية)، رافضة بحزم (على لسان المحامية الألمانية المتحدثة باسمها) اتهامات نيكاراغوا, التي لا أساس لها في الواقع أو قانوناً كما قالت، بل مضت إلى القول: ما تفعله ألمانيا إزاء هذا النزاع له جذور راسخة في القانون الدولي, زاعمة أن «معظم صادرات ألمانيا لإسرائيل هي معدات عسكرية ذات طبيعة قانونية».
في السطر الأخير ثمة إحصائيات «ألمانية» مُعلنة ومُوثقة, عن جهود ألمانية مكثفة لـ«خنق الأصوات المُؤيدة للفلسطينيين في ألمانيا», وهو ما كانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية لفتت إليه بعد السابع من أكتوبر/2023, وإعلان حرب الإبادة والتجويع الصهيوأميركية على قطاع غزة، إذ جاء في تقرير لها بتاريخ 11/ 11/ 2023 تحت عنوان «خنق ألمانيا للأصوات المُؤيدة للفلسطينيين مثير للجدل»: أن ألمانيا حظرت العديد من الاحتجاجات المُؤيدة للفلسطينيين, مُتعللة بأنها بذلك تكافح مُعاداة السامية، ولكن ـ أضافت الصحيفة الأميركية ـ تسبّبت هذه الخطوات فى انتقاد البعض لهذه القيود ووصفوها بأنها «تمييزية.