أقلام وأراء

محمد خالد الأزعر يكتب – الأوروبيون ومرسوم الانتخابات الفلسطينية

بقلم  محمد خالد الأزعر 13/1/2020

تعتقد القيادة الفلسطينية أن إصدار المرسوم القاضي بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، قبل التأكد من مشاركة المقدسيين داخل مدينتهم المحتلة، سيحمل معنيين كلاهما كارثي، أولهما شبهة التسليم بالسيادة الإسرائيلية على المدينة، والثاني الاضطرار إلى إلغاء المرسوم وعدم إجراء الانتخابات من الأصل.

هذا في حين أعلن الاتحاد الأوروبي «استعداده للتواصل مع الجهات ذات الصلة لضمان إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس، شرط صدور المرسوم الذي يحدد إطارها الزمني».

هذا التعارض بين الموقفين الفلسطيني والأوروبي يستدعي للخاطر الأحجية الشهيرة حول الدجاجة أم البيضة، أيهما أولاً.

لكن الطرح الفلسطيني يبدو أكثر منطقية واتساقاً، لأن الأوروبيين لم يبادروا، بعد مطالبة فلسطينية ملحة، سوى بإبداء الاستعداد للتواصل مع الإسرائيليين بخصوص السماح بشمول القدس في الانتخابات، وهذا لا ينطوي على موثق من جانب الأخيرين بالموافقة.

تقول التفصيلات إن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية استقبل في الأسبوع الأخير من كانون الأول الماضي دبلوماسيين رفيعي المستوى، من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا؛ الذين طالبوه بالمضي قدماً في تفعيل الانتخابات.

وللوهلة الأولى، يمكن إدراج هذا المطلب في باب التشجيع البريء للفلسطينيين وحثهم على إعادة هذه الآلية الديمقراطية، بعد الانقطاع عنها لنحو خمسة عشر عاماً. بيد أن السادة الأوروبيين تطرقوا إلى ما يصح وصفه بالضغط الخشن.. ذلك حين ردفوا مطلبهم بالاستطراد إلى التمويل المالي والعيني الذي يقدمونه، وأشاروا إلى أن «البعض يتساءل في بلادهم لماذا ندفع بكل هذه الأموال، بينما لا تتحقق أهدافنا؟».

شيء من هذه المعاتبة الجافة كان قد جرى في لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع المستشارة الألمانية (أغسطس 2019). فقد لفتت أنجيلا ميركل نظر ضيفها إلى أنها انتخبت أربع مرات منذ انتخابه هو في عام 2005!

والحال كذلك، يشدد الأوروبيون على ضرورة تشغيل دولاب العملية الديمقراطية الفلسطينية واستئناف سيرورتها.

لكن هذا الاهتمام لا يتوازى مع رؤية واقعية لوطأة العامل الإسرائيلي وحضوره السلبي، المعيق لهذه العملية، ولاسيما في القدس الشرقية، إنهم يدركون على الأرجح كيف أن استثناء القدس من الانتخابات يؤذن بشرور مستطيرة لمصير المدينة، وفقاً للرؤية الفلسطينية بأبعادها التاريخية والاجتماعية والثقافية والقانونية والسياسية.

ولا يصح في هذا السياق أن يتعلل الأوروبيون، على الصعيدين القومي والاتحادي، بإمكان العثور على آلية بديلة لمشاركة المقدسيين غير تلك التي حدثت في السوابق الانتخابية الفلسطينية.

فوضعية القدس في عام 2020 باتت لدى الأمريكيين والإسرائيليين غيرها وقت تلك السوابق، وصار لزاماً أكثر فأكثر على الفلسطينيين، ومن ورائهم الغيورين على القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة التوكيد على المركز الحقيقي للمدينة، وفقاً لحل الدولتين.

أيضاً لا يستقيم والفطرة الديمقراطية السليمة أن يلقي الأوروبيون باللائمة على الفلسطينيين، بزعم أنهم تخلفوا عن أداء واجب ديمقراطي، والتلميح بأنهم يتلقون عوناً ينبغي مساءلتهم عنه ما لم يفوا بهذا الواجب.

فالأولى باللوم والتوبيخ وصولاً إلى فرض العقوبات هو إسرائيل؛ التي تدعي الديمقراطية والانتماء للعالم الغربي المتحضر، فيما هي تحتل دولة بقضها وقضيضها، وتحول بين شعب هذه الدولة وبين مجرد أداء أوليات الممارسة الديمقراطية في عاصمته.

هذا، علماً أن دولة الاحتلال والبغي هذه تتلقى من دول القارة العجوز مساعدات بلا حدود، عبر شراكات واتفاقات وتشبيكات ترقى بها إلى مصاف أعضاء الاتحاد الأوروبي.

الحق أن الوعي الفائض بالأثرة والمكانة الرفيعة؛ التي تحظى بها إسرائيل لدى الأوروبيين، هو الذي يستفز الفلسطينيين بكل أطرهم السياسية والشعبية ويطمعهم، في أن تكون أوروبا الطرف المؤهل للحصول على ضمانات لمشاركة المقدسيين في الانتخابات العتيدة.

ويتعزز هذا الطموح، في ضوء استمرارية الموقف الأوروبي وثباته تجاه اعتبار المدينة ضمن الأراضي المحتلة عام 1967، وعدم الانسياق خلف الانحراف الإسرائيلي، المدعوم أمريكياً، عن السوية الحقوقية والسياسية الدولية تجاه وضعيتها. الكرة إذاً في الملعب الأوروبي وليس الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى