محمد الصياد يكتب – مؤشرات أمريكية مقلقة لـ “إسرائيل”
محمد الصياد 4/1/2019
يبدو أنه بعد مرور عامين على قيام فريق دونالد ترامب-بنيامين نتنياهو بالعمل معاً لتحويل الشرق الأوسط جيوسياسياً، عبر إنهاء القضية الفلسطينية ومنح الشرعية للاحتلال «الإسرائيلي» لفلسطين ولهضبة الجولان السوري المحتل – يبدو أن جهودهما لا تسير بشكل مرضٍ لأي منهما، على الساحة الداخلية الأمريكية، على الأقل. فقد أصبح الرأي العام الأمريكي منقسماً الآن ما بين من يؤيد حل الدولتين، دولة فلسطينية وأخرى «إسرائيلية»، ومن يفضل حل الدولة الواحدة التي يتقاسمها الفلسطينيون و«الإسرائيليون» معاً، وذلك وفقاً لما كشف عنه استطلاع نشرته في الأسبوع الثاني من ديسمبر/كانون الأول الماضي، جامعة ميريلاند الأمريكية، والذي جاء فيه أن 35% من الأمريكيين يؤيدون إقامة دولة واحدة للفلسطينيين واليهود يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات. فقط 17% من الأمريكيين، وهم على الأرجح من المسيحيين الإنجيليين وأنصار «إسرائيل» من اليهود المتطرفين، أيدوا سياسة «إسرائيل» في مواصلة الاحتلال وضم المناطق الفلسطينية إلى الدولة اليهودية من دون إعطاء السكان الفلسطينيين الجنسية. وإذا استمر وضع الدولة الفلسطينية خارج طاولة التفاوض – كما يذهب عدد متزايد من المحللين في العالم (ودائماً بحسب الاستبيان)، في ضوء تعنت «إسرائيل» والتأجيل الذي لا نهاية له لصفقة قرن ترامب – فإن الدعم لولاية واحدة يرتفع بشدة، إلى ما يقرب من ثلثي الأمريكيين.
ويرتفع الدعم لدولة واحدة إلى 42% بين الأمريكيين الأصغر سناً. وفي علامة أخرى على أن الرأي العام الأمريكي آخذ في التحول عن سياسة نظام بلاده في هذه القضية، فإن 40٪ من المجيبين على الاستبيان يريدون أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات على «إسرائيل» لمنعها من توسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أعرب 38٪ منهم بأن لدى سلطة الاحتلال «تأثير كبير» على السياسة الأمريكية. جماعات الضغط الصهيونية تعتبر هذه التوجهات بالغة الخطورة وذات نزعات معادية للسامية. ولذلك، تعرب أوساط يهودية أمريكية عن قلقها من مخاطر فجاجة التدخل والنفوذ «الإسرائيلي» في واشنطن، خصوصاً في ضوء تزايد عدد المنظمات، بما في ذلك الكنائس والشركات، والنقابات العمالية، التي راحت تتجنب التعامل مع «إسرائيل». ومع مراكمة «حركة مقاطعة «إسرائيل» وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها» النجاح فوق النجاح، فإن «إسرائيل» وداعميها الصهاينة، يائسون من استعادة السردية التي سيطروا بواسطتها على الرأي العام الأمريكي لفترة طويلة.
إلى ذلك، فإن «إسرائيل»، وبغطاء من اتفاق أوسلو، قامت بنقل أعداد متزايدة من اليهود إلى الأراضي المحتلة، مما جعل الحل السلمي للنزاع في حكم المستحيل. وهذه جريمة حرب، وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998. وقد حذرت فاتو بنسودة، المدعي العام الرئيسي للمحكمة في لاهاي، في شهر ديسمبر المنصرم، بأنها اقتربت من إنهاء التحقيق الأولي المطلوب قبل أن تتمكن من تقرير ما إذا كانت ستحقق مع «إسرائيل» بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك بناء المستوطنات. إلا أن الواقع هو أن المحكمة الجنائية الدولية بدأت بسحب التحقيق لتجنب الوصول إلى قرار من شأنه أن يثير بالتأكيد رد فعل عنيفاً من البيت الأبيض. ومع ذلك، فإن الحقائق تحدق في وجه المحكمة. فقد صارت قدرة النفاق على الاختباء ومراوغة الرأي العام الغربي، أكثر صعوبة من أي وقت مضى. ذلك أن تقدم العنصرية المؤسسية في «إسرائيل» ضد أبناء الشعب الفلسطيني الذين يشكلون أكثر من خمس السكان، جارٍ على قدم وساق، ويتم ترسيخها بالكامل وعلى نطاق واسع.
حتى أن الممثلة الأمريكية-«الإسرائيلية» ناتالي بورتمان، أعربت في شهر ديسمبر الماضي عن اشمئزازها مما أسمته القانون الأساسي «العنصري» للدولة القومية، وهو التشريع الذي تم تمريره في «الكنيست» في الصيف الماضي، والذي يصنف رسمياً السكان الفلسطينيين في «إسرائيل» على أنهم بشر أقل شأناً من اليهود. في ذات الوقت تقريباً الذي كتب فيه يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، على «فيسبوك»: «إنه يتمنى أن يغادر جميع المسلمين أرض «إسرائيل»». وكان يشير إلى «إسرائيل الكبرى»، أي التي تشمل أراضي 48 والأراضي الفلسطينية المحتلة