أقلام وأراء

محمد أبو رمان يكتب – ماذا يحدث؟

محمد أبو رمان *- 22/3/2021

يخصّص الباحث الأميركي وأستاذ العلوم السياسية المتميز المتخصص بالدراسات الشرق أوسطية، مارك لينش، مقالاً أكاديمياً مطوّلاً لاستعراض النتائج التي قادت إليها مجموعة مهمة من البحوث، في عدد خاص استثنائيمن مجلة “سياسات أوسطية” في دراسة الحالة البحثية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منذ الربيع العربي 2011.

المقالات، بحسب ملخص لينش، على درجة عالية من الأهمية البحثية والمعرفية، فهي تنطلق من ضرورة إعادة زيادة للأبحاث والدراسات العلمية لفهم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في ضوء ما حدث خلال العقد الماضي (منذ الاحتجاجات الكبيرة)، وهي وإن لم تكن المرّة الأولى التي تتم فيها مناقشة “دراسات المنطقة”، إلا أنّها تحرز تقدّماً مهماً في التفكير وإعادة تصميم الأولويات البحثية والأسئلة الصحيحة المفترض أن يتم صوغها للتعامل مع المتغيرات المهمة الكبرى التي حدثت في المنطقة خلال هذه المرحلة العاصفة.

تجادل الحزمة البحثية في ما إذا كانت لحظة الربيع العربي مرحلة تغيير جذري في دراسات المنطقة، وبالتالي من الضروري إعادة النظر في النظريات السابقة كافّة، أم أنّنا أمام مرحلة ما تزال متحرّكة متغيرة ومنعرجات تلو الأخرى، وأسئلة جديدة تطرح بصورة أكثر جدّية وواقعية، مثل موضوع سياسات الهوية والطائفية والحركات الاجتماعية والقمع والحراك الاحتجاجي والحروب الداخلية، وغيرها من قضايا تجسّد اليوم ما أصبحت عليه الحالة السياسية العامة في العالم العربي عموماً؟

يعترف الخبراء والباحثون بأنّه قد تكون هنالك استنتاجات علمية سريعة هيمنت على “مجتمع المعرفة” في العلوم السياسية المتخصص بالمنطقة، ما بدا واضحاً في التعامل مع اللحظة الأولى في الربيع العربي 2011 (التفاؤل بالزمن الديمقراطي الوشيك)، 2013 (التشاؤم وردّ الاعتبار للنظريات القديمة التي تتناول السلطوية وقدرتها على التجدّد)، ثم جاءت احتجاجات 2019 (في لبنان والعراق والسودان والجزائر) لتعيد طرح الشكوك والأسئلة حول الخلاصات السريعة السابقة.

اليوم ثمّة سؤال جديد ومهم للغاية، يتمثل في تأثير وباء كورونا وسياساته على الحالة العامة في العالم العربي (بخاصة، وهذه إضافتي، ما نشهده اليوم من احتجاجات عنيفة في لبنان وحراك احتجاجي في الأردن وتوترات في دول عربية عديدة، بالتزامن مع نهاية حقبة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، التي كانت شرّاً مستطيراً على حالة الحريات العامة وحقوق الإنسان في الدول العربية).

إذا تجاوزنا هذه الجهود الأكاديمية البحثية المعرفية التي يقوم بها علماء السياسة الغربيون في فهم ما يحدث في منطقتنا، وعُدنا إلى مناخات البحث العلمي في العالم العربي، وفي الجامعات والمحافل الأكاديمية، سنجد أنّنا نعاني من فجوة حقيقية خطيرة بين ما يحدث وأولويات البحث العلمي والأسئلة المطروحة في الدول العربية المختلفة وفي العالم العربي بصورة مجملة.

لا يمكن أن نتغافل أو ننكر أن “مجتمع المعرفة” العربي في العلوم السياسية يعاني من الضعف والعجز، في أحيان كثيرة، عن متابعة الظواهر المجتمعية والسياسية، وتقديم المقاربات النظرية المطلوبة، وقد تكون هنالك أسباب ذاتية مرتبطة بحالة المعرفة العربية، وأسباب موضوعية أكثر أهميةً متعلقةً بمدى توفر الحرّيات الأكاديمية وهيمنة السلطوية على المجتمعات الأكاديمية وتقييد الباحثين، علمياً ومالياً وسياسياً، وحجب المعلومات والبيانات عنهم، وبالتالي تتسم المعرفة المنتجة على هذا الصعيد بالضعف والمحدودية.

لا ينفي ما سبق أنّ هنالك جهوداً مهمة عربياً في مجال البحث العلمي لدراسة ماذا يحدث وفهمه. وقد أشرت، في مقالات سابقة، إلى إنتاجاتٍ ذات قيمة، وإلى مؤسساتٍ بحثية تخصّصت في هذا المجال، لكن هذه الجهود ما تزال مبعثرة غير مكتملة، ولم نصل بعد إلى مرحلة تكوين جماعاتٍ علميةٍ عربيةٍ مستقلةٍ قادرةٍ على إنتاج المعرفة الضرورية لفهم التحوّلات والمجتمعات، وإضاءة الطريق ليس فقط أمام البحث العلمي، بل الدول والمجتمعات والحركات، لمعرفة ما هي الميكانزمات الفاعلة والمعيقات والإشكالات الخطيرة التي تواجهها المجتمعات العربية.

أعود إلى هذا الموضوع، لأهميته القصوى من وجهة نظري، فهو بمثابة الفريضة الغائبة اليوم الملقاة على عاتق الباحثين، فنحن بحاجة إلى فهم عميق موضوعي علمي مستقل لما يحدث في العالم العربي، ولكيفية التعامل معه. وإذا كان البحث العلمي عاجزاً، فمن الطبيعي أن تتسم سياسات الجميع، أنظمة ومعارضة وحركات شبابية، بالارتجال.

*محمد أبو رمانوزير أردني سابق، باحث ومتخصص في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في العالم العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى