محمد أبو الفضل: مصر لن تدفع ثمنا لأخطاء حماس

محمد أبو الفضل 29-4-2025: مصر لن تدفع ثمنا لأخطاء حماس
لم يتوقف الجدل حول علاقة حركة حماس الفلسطينية بمصر. ورغم أن القاهرة تعلم أن الحركة ذات ميول إخوانية واضحة، إلا أن مقتضيات الأمن القومي والجغرافيا السياسية فرضتا التعامل معها بنعومة، وهو ما يرفضه البعض باعتبار أن تصرفات الحركة تضر بمصر، ويجب اتخاذ موقف صارم منها، لأن توجهاتها قد تتسبب في المزيد من الخسائر، حيث تجيد حماس اللعب على التناقضات الإقليمية.
بعد أن بدأت ورقة إيران تفقد جزءا كبيرا من بريقها وتفضي إلى متاعب لحلفائها وأذرعها، مالت الحركة أكثر نحو تركيا مؤخرا، على أمل أن تتولى إعادة تأهيلها وتعويمها لدى الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يعني احتفاظ حماس بهامش بعيد عن مصر والعودة إلى ما كانت عليه قبل عملية طوفان الأقصى من سياسة تعتمد على توظيف بعض القوى في المنطقة بما يخدم مصالحها، فقطر المعروف أنها “عرّابة” الحركة تربطها علاقات جيدة بتركيا وتجد التعاون معها أسهل من مصر.
ارتفعت في مصر نبرة تقول إنها لن تدفع ثمنا لأخطاء حماس، عبّرت عنها مقالات وتصريحات في وسائل إعلام قريبة من الحكومة، ما أضفى عليها طابعا شبه رسمي، بعد تقديرات سابقة من خبراء ومحللين، منهم اللواء سمير فرج القريب من الرئيس عبدالفتاح السيسي، ذهبت إلى أن حماس أزجت خدمة للقضية الفلسطينية بعملية طوفان الأقصى، ووضعتها على أجندة المجتمع الدولي، وبعد أن انهالت على اللواء فرج الانتقادات من قبل إعلاميين، توجه هؤلاء إلى الحركة مباشرة، وعددوا أخطاءها في حق الفلسطينيين، والدولة المصرية التي وُضعت في موقف بالغ الحساسية.
أفضت تصورات حماس إلى مأزق إقليمي، أصاب الكثير من دول المنطقة، وأخذت تداعياته تُلقي بعواصف على مصر، بدءا من الضغط عليها لتستوعب في أراضيها مئات الآلاف من سكان قطاع غزة، وحتى تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بطلب مرور سفن بلاده من قناة السويس “مجانا”، وهو ما لم يكن يحدث لو أن الحركة كانت منضبطة وامتلكت رؤية إستراتيجية لعواقب حربها المفتوحة ضد إسرائيل.
تمتنع مصر الرسمية عن توجيه اتهامات مباشرة لحماس، لأنها تقوم بوساطة بينها وبين وإسرائيل، ولا تريد أن تنفرد قطر بها وتسحب تركيا معها في هذه المهمة، وتتمكنا من هندسة الأوضاع في سوريا وغزة معا، خاصة أن روائح فضيحة “قطر- غيت” التي ابتلعتها القاهرة لا تزال تزكم الأنوف، حيث رشت الدوحة مسؤولين في إسرائيل لتشويه صورة مصر ومحاولة تقزيم دورها في الوساطة.
لدى مصر خبرة طويلة في التعامل مع حماس والحركات ذات الميول الإسلامية، وفهم سياسات قطر في الملف الفلسطيني، وتدرك جيدا أن عوامل الجغرافيا والتاريخ تلعب لصالح القاهرة، وتتعامل بحسابات دقيقة مع التطورات الجارية في المنطقة، بلا انجراف نحو ما تريده إسرائيل والولايات المتحدة من ترتيبات في المنطقة أو تهوين من مخاطر توجهات حماس، أو حتى تخوين لإجراءات الحركة.
وتصمم مصر على أنها لن تدفع ثمنا لأخطاء أحد من أراضيها، وتعمل على مقاومة أيّ محاولة لفرض أمر واقع جديد يجبرها على الانخراط في ترتيبات إقليمية تتعارض مع مصالحها، أو القبول بحلول مبتورة في غزة لا تتماشى مع أهدافها.
ومع أن الوضع مأساوي في قطاع غزة ويستلزم السعي لإنقاذه إنسانيا، إلاّ أن حالة الضعف التي تعيشها حماس والضغوط الإسرائيلية الكبيرة عليها، تمنعان القاهرة من ممارسة ضغوط موازية على الحركة، كي لا تبدو هي وتل أبيب في كفة واحدة، وهو الحال نفسه مع تهديدات جماعة الحوثي في اليمن للملاحة في البحر الأحمر حيث تجنبت مصر المشاركة مع الولايات المتحدة في استهدافها الجماعة عسكريا كي لا تظهر وكأنها تدافع عن مصالح إسرائيل أيضا.
فهمت حماس هذه المسألة خطأ، ولم تنصت جيدا لتحذيرات مصر في وقت كانت فيه المفاوضات تجري عبر وتيرة جيدة ويمكن انتزاع مكاسب من إسرائيل، فتمادت الحركة في التمسك بتصورات واهية، عزفا على عامل الوقت الذي اعتقدت أنه يمثل عنصرا ضاغطا على الحكومة اليمينية المتطرفة، حتى وجدت أن الضغط الداخلي والخارجي عليها يفوق ما تتعرض له إسرائيل حاليا.
ولم تشأ القاهرة أن تشارك فيه أو تزيده، فمهما بلغت أخطاء حماس من جسامة سياسية وفداحة عسكرية، فوجود المقاومة في غزة ومعها سلاحها يمثلان عنصرا حيويا لمصر، فتفريغ القطاع من المقاومة له انعكاسات سلبية، ما لم يكن ذلك ضمن صفقة سياسية شاملة، تُوقف الحرب في غزة، وتؤدي إلى انسحاب قوات الاحتلال منها، وتفتح أفقا إيجابيا لحل القضية الفلسطينية، وهذه القاعدة أدت إلى صبر مصر على تجاوزات الحركة وأخطائها، وحالت دون الصدام معها الفترة الماضية.
إذا اقتنعت حماس بأن تعاونها مع تركيا وقطر يجب أن يكون على حساب مصر، من منطلق براغماتي أو أيديولوجي، قد تجد وجها مختلفا من القاهرة، لأن طقوس لعبة المراوحة التي أجادتها الحركة قبل طوفان الأقصى كانت مفهومة، ولها ضوابط محكومة، وكل محاولات جرت في ذلك الوقت لاستبدال مصر بقوة أخرى، مثل: إيران وتركيا والسعودية والجزائر، فضلا عن قطر، باءت بالفشل لأسباب مختلفة، وعادت حماس إلى حضن مصر، التي تريد أن تكون السلطة الفلسطينية هي العنوان الرسمي الذي يجب التفاوض معه، بعد إدخال إصلاحات داخل هياكلها، باعتبارها الجهة الوحيدة المعترف بها دوليا، علاوة على محدودية القبول بأيّ دور لحماس، بل الكثيرون يرون أن مستقبلها بات خلفها.
عندما شعرت الحركة أن السلطة الوطنية شرعت في القيام بإصلاحات مبدئية تتماشى مع تطلعات بعض القوى الإقليمية والدولية، بدأت حماس تدخل تعديلات على تكتيكاتها لتحرم قيادة السلطة من الانخراط في إدارة غزة، وتعيد إلى أذهان إسرائيل لعبتها المفضلة في ضرب القوى الفلسطينية من خلال توزيع أدوار عليها، فتستقطب هذه سرا وتحرم تلك علنا، وفي الحالتين لن تجد تل أبيب أفضل من المماطلة، وحشر القوى الفلسطينية في زوايا ضيقة، وقد تجد في دخول تركيا لتعويم حماس مدخلا مناسبا يعيد إلى إسرائيل لياقتها في التسويف.
تقود هذه النتيجة إلى إحراج مصر، فهي لن ترفض دخول أيّ جهة للوساطة والعمل على وقف الحرب، لكن المشكلة أن ما يمكن أن تقوم به أنقرة في غزة لن يختلف عمّا قامت به في سوريا، من حيث منح القوى الإسلامية فرصة، تسير عكس الاتجاه الإستراتيجي الذي تتبناه القاهرة، ويجعلها ترفض أيّ معادلة من هذا النوع، والتي يمكن أن تكر بعدها سيناريوهات شبيهة في ليبيا والسودان وتصبح مصر محاطة بحزام من الحركات الإسلامية تقوده تركيا بعد أن استوعبت دروس “الربيع العربي”.