محمد أبو الفضل: مصر تخشى شبح سوريا في ليبيا

محمد أبو الفضل 3-1-2025: مصر تخشى شبح سوريا في ليبيا
بدأت بعض الأنظمة العربية في دول شمال أفريقيا تقلق من معلومات وصلتها حيال انتقال بعض المتطرفين من سوريا إلى عدد من هذه الدول، وخشيت أن تؤدي سياسات هيئة تحرير الشام بعد سيطرتها على الحكم في دمشق إلى منح الجنسية السورية لمتطرفي دول، مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، وبالتالي تسريبهم تدريجيا إليها بهويات جديدة، أو عبر هوياتهم القديمة في حالة ليبيا حيث لا توجد ممانعات كبيرة لدى حكومة طرابلس في استقبال هؤلاء.
منحت زيارة وفد يمثل حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس إلى دمشق قبل أيام صدقية لعملية نقل عناصر معروفة بتطرفها إلى ليبيا، إذ ضم الوفد شخصيات محسوبة على تنظيم القاعدة، لم تظهر علنا في الصورة، وراجت معلومات حول نشاط غير مألوف لجماعات متشددة ومتهمة في قضايا إرهاب في بعض المناطق داخل ليبيا، والترتيب لاستقبال عناصر جديدة تأتي من سوريا.
فتحت عملية الاستيلاء على السلطة في سوريا شهية بعض المسلحين في ليبيا ممّن لهم علاقة بتركيا ويعملون تحت عباءتها، على غرار فصائل سوريا التي أطبقت على السلطة في دمشق في غضون أيام، وأنهت حكم عائلة الأسد بعد نحو نصف قرن.
في ظل وجود فصائل مسلحة في غرب ليبيا تتعاون مع حكومة الدبيبة، وهما يملكان علاقات جيدة مع أنقرة، سيكون سيناريو سوريا غير مستبعد، لتشابه الراعي والرعية والبيئة العسكرية والأهداف السياسية، فقد تزامن انطلاق الثورة في ليبيا مع نظيرتها في سوريا وعاشتا ظروفا متشابهة في بعض النواحي، باستثناء سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي مبكرا، وسقوط نظام بشار الأسد بعد نحو ثلاثة عشر عاما.
كانت الأوضاع على الأرض شبه متقاربة، في زوايا: انتشار الميليشيات والجماعات المسلحة، وارتفاع صوت المتطرفين وعملياتهم الإرهابية، ووجود مناطق خارج سيطرة الحكومة المركزية، وتوالي الاشتباكات من حين إلى آخر بين شرق ليبيا وغربها، أو العكس، طرفاها قوات الجيش الوطني الليبي تحت قيادة المشير خليفة حفتر وفصائل مسلحة تابعة لحكومة طرابلس وحاضنتها تركيا.
لم يقنع الهدوء الحاصل بين الشرق والغرب الفترة الماضية دولة مثل مصر، المعروف أن علاقتها وطيدة بالمشير خليفة حفتر، وباردة وأحيانا متوترة مع حكومة الدبيبة، حيث أخفقت كل المبادرات الإقليمية والدولية في تسوية الأزمة الليبية، وسلمت جهات عديدة بالتباعد بين الجانبين، وجرى التعامل معه كأحد المسلمات على الساحة الليبية.
كما أن المصالحة بين القاهرة وأنقرة لم تفض إلى تحول كبير في شكل التجاذبات الخفية بينهما داخل ليبيا، فقد يكون الهدوء ساد بينهما، إلا أن الطرفين فشلا في التوصل إلى تفاهمات تسهم في وضع حد للأزمة في ليبيا، واكتفت تركيا بعدم الإضرار مباشرة بمصالح مصر، لكنها سعت إلى تحقيق اختراق داخل فريق حفتر، وهو حليف قوي للقاهرة، كما سعت مصر لتحقيق اختراق داخل فريق الدبيبة، وهو حليف قوي أيضا لأنقرة، وحقق كلاهما نجاحات نسبية، لكن لم توفر لأحدهما قدرة كبيرة على ضبط التوازن لصالحه على حساب الطرف الآخر.
ينبع قلق مصر من محاولة تركيا الحثيثة نقل نموذج سوريا إلى ليبيا من خلال توظيف الفصائل المسلحة، والاستفادة من العلاقة الوطيدة مع الدبيبة، وشحن العناصر ذات الرؤى الإخوانية لخدمة أهداف أنقرة وإعادة الحياة لمشروعها الإسلامي، والمسألة يمكن أن تتحقق بتطبيق تكتيكات الزحف الذي اتبع في سوريا، وجزء كبير منها يتعلق بعملية التنظيم المحكمة وإثارة الرعب في فريق حفتر والعمل على تفكيك جيشه من الداخل واستقطاب بعض القوى الرئيسية فيه.
فُهمت زيارة رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد إلى بنغازي عقب زيارة وفد طرابلس إلى دمشق لتهنئة قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، على أنها رسالة تنبيه مصرية للمشير خليفة حفتر لما يمكن أن يواجهه الفترة المقبلة، ورسالة تحذير إلى تركيا وحكومة الدبيبة بأن أيّ محاولة لجعل شبح سوريا يطل برأسه في ليبيا سوف يجابه بتدخل من مصر، وذلك على ضوء ما توافر لدى أجهزتها الأمنية من معلومات حول وجود ترتيبات لتحركات تقوم بها ميليشيات باتجاه سرت في شرق ليبيا للقيام بعمليات عسكرية، ومحاولة تهريب عناصر متطرفة إلى داخل الأراضي المصرية.
وفي الحالتين، لن تتهاون القاهرة مع هذا النوع من الممارسات، ما يعني أنها لن تترك الأمور للدخول في أزمة ثم تبدأ في البحث عن حل لها، حيث يمثل اقتراب فصائل مسلحة متشددة من سرت تجاوزا للخط الأحمر المحدد سلفا من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، ويعد تسريب عناصر إرهابية انتهاكا سافرا للأمن القومي المصري، ومن الضروري التصدي لهذه التهديدات بشكل حاسم.
تكمن المخاوف المصرية من انتقال السلطة إلى هيئة تحرير الشام في سوريا من استثمار الجماعات المتطرفة لهذا التحول والاستدارة إلى القاهرة التي قامت بدور محوري في تقويض تيار الإسلام السياسي في المنطقة.
وتزداد هذه المخاوف مع اقتراب هذه العناصر من المساس بالجغرافيا السياسية في ليبيا بسبب وجود حدود مشتركة طويلة مع مصر، ورغبة الجهات المتطرفة لاختراقها وإزعاج السلطة، وهو ما تنتبه له القاهرة جيدا، وتحاول قطع الطريق عليه مبكرا.
قد تستطيع مصر وضع مصدات عسكرية في شرق ليبيا، لكن يمكن أن تواجه تهديدات كبيرة إذا لم يتمكن قائد الجيش الوطني الليبي من زيادة اللحمة بين قواته، ووقف بعض الخلافات بين أبنائه وقادة عسكريين كبار، أو نجحت تركيا في نقل عناصر متطرفة كثيرة إلى غرب ليبيا ومنها إلى شرقها، خاصة أن رجل أنقرة في طرابلس (الدبيبة) يعتقد أن هذه فرصة مناسبة لتمديد عُمر حكومته المنتهية سياسيا، والتي واجهت اعتراضات الفترة الماضية وتحركات عدة لإقالتها.
تحتاج القاهرة من أجل إبعاد شبح سوريا عن ليبيا إلى توفير دعم مادي سخي للجيش الليبي، والاستعداد للتدخل مباشرة في أي لحظة لمنع إعادة تمركز المتطرفين في الشرق، والتعاون مع دول شمال أفريقيا، لأن سيطرة فصائل مسلحة على ليبيا سوف يمثل تهديدا لغالبية دولها، والسعي للاستفادة من وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والذي يبدي عدم ثقة في توجهات الإدارة الجديدة في سوريا، ويمانع من وجود حكومات إسلامية متطرفة في ليبيا أو غيرها.
تشير التصورات المصرية إلى عدم الثقة في النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها التطورات في سوريا، وإلى انزعاج كبير مما قد يحدث في ليبيا، وهذا ما جعلها تتريث في التعاطي سياسيا مع الإدارة الجديدة بدمشق، وتسارع الخطوات في استباق أيّ تحركات سلبية في ليبيا، لأن سيطرة المتطرفين على الشرق تتجاوز التلويح بتهديد الأمن القومي، وتدخل في خضم الفعل المباشر، ما يعني تبني مقاربات عسكرية معلنة لم تألفها القاهرة من قبل، أو حاولت الابتعاد عنها طوال السنوات الماضية.