محمد أبو الفضل: مصر بلا مساعدات خارجية
محمد أبو الفضل 2022/10/28، مصر ومساعدات خارجية
تتلقى الدول مساعدات بأشكال مختلفة عندما تكون ذات أهمية إستراتيجية للقوى التي تقدمها لتشجيعها على زيادة الروابط معها، أو في سبيل دعمها للخروج من دوائر الفقر. وجزء كبير من المعونات التي تلقتها مصر جاء بسبب أهميتها الحيوية للدول المانحة، سواء أكانت عربية أم أجنبية، وبهدف توثيق الروابط معها بما يصب في مصلحة الطرفين، فلا يوجد رابح واحد طوال الوقت.
بدأت تغيّرات تطرأ على منظومة المساعدات والمعونات والمنح في العالم، لأنها اخترعت في وقت كانت تحكمه تقديرات دولية معينة، والآن بدأت تشهد تحولات، ويشمل ذلك مصر، حيث تصاعدت الأصوات الأميركية المطالبة بتقويض حزمة المساعدات التي تقدم لها منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل كأداة لممارسة ضغوط على القاهرة، وأعادت دول الخليج النظر في عملية دعمها الاقتصادي والانتقال من مربع مساعدات إلى مربع استثمارات.
تنذر تطورات كثيرة في العالم بإدخال تعديلات على منظومة المعونات، في مقدمتها اتساع نطاق الأزمات الاقتصادية واستسهال بعض الدول الاعتماد عليها بدلا من الابتكار، بينها مصر، وقد يحدث تحول لافت في الآليات التي تقدم بها، خاصة أنها لم تحقق أهداف المانحين كاملة، ولا تستفيد منها الدول التي تتلقاها بصورة جيدة.
تطرق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمام المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في القاهرة خلال الفترة من الثالث والعشرين إلى الخامس والعشرين من أكتوبر الجاري إلى ملفات متباينة، وعرض خلاله ملف المساعدات الخارجية، وقد تحدث بلهجة تفيد بقرب انقطاعها عن بلاده، بعد أن أسهمت بدور مهم في إنقاذ الاقتصاد من التدهور في مرحلة سابقة.
بعيدا عن الأسباب التي أدت إلى إعادة النظر في مسألة المعونات الخليجية، وربما تواجه المساعدات الأميركية المصير نفسه قريبا، فإن ما تلقته مصر على مدار نصف قرن لم تنعكس آثاره الإيجابية على الاقتصاد، لأن جزءا كبيرا من المنح كان مشروطا وتم توجيهه لمسارات معينة، بالتالي لم تحقق المنح مردودا يؤدي إلى نهضة الاقتصاد.
قد يكون الرئيس السيسي أراد تهيئة شعبه للتأقلم مع فترة اقتصادية قاسية، وتبرئة حكومته من أي تقصير في خططها وسياساتها ورؤاها، وإسناد إخفاقها، بشكل غير مباشر، في تحسين المستوى الاقتصادي عموما إلى الدول التي أوقفت المساعدات، وعلى المواطنين تفهم الإشكالية إلى حين ضبط البوصلة من خلال الاعتماد على النفس.
حفل الخطاب المصري في عهود غالبية الرؤساء الذين تولوا الحكم منذ ثورة يوليو 1952 وحتى الآن بترنيمات سياسية مختلفة حول استقلال القرار الوطني وعدم خضوعه لأي ضغوط دولية، والتبشير بنهضة اقتصادية لم تتحقق، وزيادة الاعتماد على النفس في كثير من السلع الرئيسية وإنتاجها محليا. وعقب كل حقبة يكتشف المصريون أن لا شيء يتغير في حياتهم أو أسلوب معيشتهم.
بدت الزيادة السكانية شماعة يعلق عليها كل رئيس مصري الفشل الاقتصادي الحاصل في البلاد، وأضاف إليها الرئيس السيسي ما يوصف بـ”الاتكالية” في تلقي المساعدات من الدول الشقيقة والصديقة، وسعى لتعبئتهم معنويا وتحويل ما يمكن أن يتولد عن توقفها من نتائج سلبية إلى فوائد يشحذ بها همم المصريين في العمل، ويطالبهم بضرورة التعامل مع واقع بلا معونات تقريبا.
لم يكن تزايد لجوء الحكومة المصرية إلى قروض من صندوق النقد الدولي حاليا ينطوي على استباق بشأن توقف المساعدات، لأن اللجوء إليه بدأ مبكرا وفي عهد رؤساء سابقين، تزايد منذ ستة أعوام مع تدشين برنامج طموح للإصلاح الاقتصادي وقبل أن تكتمل الصورة الجديدة لما يتم استقباله من معونات خارجية.
يمثل تلقي المساعدات والتوسع في القروض أحد المسكنات أو الحلول المؤقتة ما لم تكن هناك رؤية شاملة لتجاوز الأزمة عبر زيادة الإنتاج وتوظيف إمكانيات الدولة بطريقة صحيحة وترتيب الأولويات والحد من زيادة سكانية تلتهم الكثير من الفوائض التي تتحقق من خلال ما يتم القيام به من إصلاحات في بعض الهياكل الاقتصادية.
تبدو مصر في سبيلها لتصبح دولة غير متلقية للمساعدات الخارجية، ورب ضارة نافعة، كي تعمل الحكومة على إرساء قواعد اقتصادية متينة قادرة على تحقيق تقدم ملموس وتحمل الصدمات والمفاجآت، لأن ما أفرزته أزمة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية كان قاسيا، فالدول ذات الاقتصاديات القوية تعاني منها، فما بالنا بالنامية؟
يحمل وقف المعونات في الحالة المصرية معاني سياسية تفوق الاقتصادية، ففكرة عدم الاستفادة أو قلة الجدوى المادية هي جبل الثلج الظاهر، لأن المضمون البعيد للخطوة له علاقة كبيرة بمكانة القاهرة ودورها الإقليمي في ظل ما لحق بقضايا مهمة في المنطقة من تغير لا يصب في صالح مصر، ولم تسعفها سياستها الخارجية في رسم تصورات تمكنها من المحافظة على دورها بالتأقلم مع ما يجري من تطورات.
انكفأت مصر على نفسها أكثر من اللازم، بفعل أزماتها الداخلية المتراكمة وما يتم من إعادة ترسيم للخرائط السياسية سريعا. لا هي نجحت في تفكيك العُقد في الأولى أو التكيف مع الثانية، فانعكست النتيجة تلقائيا في شكل يوحي بتقليل أهميتها الإستراتيجية التي اكتسبتها عبر سنوات طويلة، بالتالي لا حاجة لتقديم مساعدات أو معونات لها.
هذه إشارة لها علاقة بالمستقبل وقاموسه المادي، وعلى القاهرة أن تستوعب ما تنطوي عليه من أهمية، لأن الخيارات السياسية كما الاقتصادية تزداد ضيقا، ولا توجد دولة يمكنها بقدراتها الذاتية الاعتماد على نفسها وسط عالم يموج بتغيرات متلاحقة وتحكمه حسابات تخضع دوما لفكرة المكاسب والخسائر، والتنازلات والمواءمات.
حاولت مصر تطبيق فكرتها الخاصة في هذه المعادلة، حققت تفوقا نوعيا في البداية، أغرى قيادتها على المضي قدما في طريق يؤدي إلى حصد مكاسب بلا تنازلات كبيرة، وعدم تكبد خسائر وسط تغافل عن المواءمات، وأسهم الحصول على مساعدات سخية في ترسيخ انطباعات غير دقيقة، في وقت اعترف فيه الرئيس السيسي أن مصر بلا موارد اقتصادية كبيرة وكان مطلوبا منه أن يحسن الاستفادة من موارده السياسية.
عندما تتكاتف ندرة الموارد على الجانبين يصبح الموقف غاية في الصعوبة، ويحتاج إلى مراجعة عاجلة لتحاشي تضخيم الأزمات، ويمكن أن تكون عملية فرملة المساعدات والمعونات مفيدة إذا تمت استدارة سريعة وتحويل المحنة إلى منحة، وإعادة النظر في التصورات السياسية بما يمنع تكرار أخطاء ظهرت أحيانا في التعامل مع بعض التحديات الإقليمية التي تعد في صميم الأمن القومي المصري.