أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: مأزق حماس بين ويتكوف ونتنياهو

محمد أبو الفضل 21-3-2025: مأزق حماس بين ويتكوف ونتنياهو

وجدت حركة حماس نفسها في مأزق بالغ عقب استئناف إسرائيل عملياتها العسكرية على قطاع غزة، بذريعة أن الحركة لم توافق على مبادرة ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي للمنطقة الخاص بالأسرى، بينما كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قد جهز كل أوراقه للعودة إلى الحرب، واتخذ من تحفظات حماس على مبادرة ويتكوف حجة، مستفيدا من انتقادات عدد من كبار المسؤولين في الولايات المتحدة لتصرف حماس، من دون أن يوجه هؤلاء لوما واحدا إلى إسرائيل التي كانت لها تحفظات أيضا على خطة ويتكوف.

تريد إسرائيل من وراء استئناف الحرب تضييق الخناق على حماس ووضعها في خانة تزيدها إضعافا، بعد أن وقعت في أزمة تحفظها على خطة ويتكوف، التي صيغت عباراتها بعناية وعبر طريقة خبيثة تقود إلى رفضها، أو على الأقل المطالبة بتعديلات عليها، حيث بدت مبادرة مستقلة، لا علاقة لها بالاتفاق السابق بمراحله الثلاث التي لم تطبق منها سوى المرحلة الأولى، وقامت إسرائيل بالتهرب من استكماله.

كما اقتصرت على الإفراج عن عدد من الأسرى، وتقلص من جميعهم (نحو 59 شخصا) إلى عشرة أحياء، ثم خمسة فقط، لكن الخطة تجاهلت أي إشارة لوقف دائم لإطلاق النار أو انسحاب كامل لقوات الاحتلال من غزة أو الحديث عن إعادة الإعمار.

انتظر نتنياهو الفرصة ليستكمل حربا أصبحت هدفا في حد ذاتها، فمع أن قدرات حماس العسكرية تقلصت وربما باتت معدومة، وخسرت عددا كبيرا من قياداتها، غير أن إسرائيل وجدت في العودة إلى العمليات العسكرية ملاذا يرضي اليمين المتطرف، ويعود بموجبها وزير الأمن القومي ايتمار بنغفير إلى الحكومة (عاد بالفعل مساء الثلاثاء)، وتتولى التشويش على وضع نتنياهو القضائي وتعطيل عملية محاكمته، وتمنحه فسحة من الوقت لتمرير الميزانية المالية بأريحية قبل نهاية مارس الجاري.

عاد رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى الحرب وفي ذهنه أن الخطة المصرية – العربية لإعادة إعمار غزة بدأت تكتسب أرضا على الساحة الدولية، وكشفت الإدارة الأميركية عن نوايا للتعاطي معها وتحسينها أو إجراء تعديلات فيها، المهم أنها قد تتحول إلى ركيزة يمكن الاعتماد عليها أو سقف يقيد تصورات نتنياهو. وكان خيار الحرب الوحيد الذي سيساعده على ضرب مجموعة من العصافير، وحشر حماس في زاوية ضيقة.

إذا قبلت الحركة بخطة ويتكوف الآن تكون وضعت حول رقبتها حبلا يخنقها فلسطينيا، لأنها لم تعلن قبولها منذ البداية وتجنيب الناس المزيد من القتل والدمار، وتؤكد أن حساباتها خاطئة في كل مرة، ما يعزز قناعة نتنياهو أن مواقف حماس تلين فقط مع الضغط العسكري، وربما تبالغ إسرائيل في مطالبها بإجبار الحركة على الإفراج عن كل الرهائن لديها دون وعود بالحصول على مقابل بشأن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ومستقبل غزة بلا حماس، وعدم التهاون في التخلي عن سلاحها وترحيل قادتها من القطاع، وكلها أهداف تعني الموافقة عليها وفاة الحركة إكلينيكيا.

وإذا رفضت ستحصل إسرائيل على النتيجة نفسها تقريبا، مع ارتفاع كبير في عدد الضحايا من الفلسطينيين، ولم يكتف نتنياهو بإعلان وفاة اتفاق تبادل الأسرى، بل اشترط عودة المفاوضات مع استمرار النيران، بمعنى أن حماس ستعود إلى التفاوض وقوات الاحتلال تمارس ضرباتها العسكرية، ولا هدوء مؤقتا ولا هدنة تلتقط فيها الحركة أنفاسها ولا وقت يجد فيه سكان غزة فرصة لدخول المساعدات، فالصورة قاتمة من كل جوانبها، وتزداد قتامتها مع اتساع الدعم الذي توفره إدارة ترامب لإسرائيل.

أخطأت حماس مرتين. مرة عندما فهمت أن حوار واشنطن معها مباشرة يعني تحولا في الموقف الأميركي منها ومن الحرب ومن نتنياهو، وهو ما ثبت خطأه، وقد نال المبعوث الأميركي لشؤون الرهائن جزاءه بالإقالة من منصبه. والمرة الثانية عندما أخفقت في قراءة مبادرة ويتكوف واعتقدت أنها محل مساومة، ثم فوجئت بأنها فخ أوقع الحركة في مأزق مزدوج. فإذا قبلتها وهي فارغة من المضامين الرئيسية للمفاوضات تغرق في بحور نتنياهو، وإذا رفضتها على أمل تحسين بنودها تغرق في حرب نتنياهو، وفي الحالتين لا توجد خيارات جيدة أمامها.

تمتلك حماس ورقة ما تبقى من الأسرى لديها، ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يمانع في إعدامهم في الحرب، بعد أن رفض الانصياع لنصائح من أكدوا إمكانية وفاتهم تحت القصف، بالتالي يتخلص من أكبر تحد واجهه في غزة وهو الرهائن الذين تحولوا إلى صداع داخلي، وصارت مظاهراتهم تزعجه، ويمكن أن يتسع نطاقها، وإذ فقدت حماس ورقة الرهائن في الحرب الحالية أو رضخت لتسليمهم تصبح في العراء، سياسيا وعسكريا واجتماعيا، وتفعل إسرائيل ما يحلو لها في القطاع، وأهم أهدافها هذه المرة تحويل قضية التوطين إلى واقع حقيقي والعودة لتطبيق مقترح ترامب قسريا.

لم تكن فكرة التهجير القسري أو الطوعي على جدول أعمال الحرب الإسرائيلية بشكل مكثف في المرة السابقة، وإن كانت لم تغب عن ذهن نتنياهو، وما كان يفرمله خوفه من رد الفعل العربي، والآن معه تصريح رسمي من سيد البيت الأبيض، ما يجعله يسعى لتنفيذه على الأرض، فالعودة إلى القصف من بين أهدافه إجبار سكان غزة على الفرار من الجحيم نحو الحدود مع مصر أو عبر الهروب بالتجاوب مع إجراءات شرعت إسرائيل في توفيرها لخروجهم، ومع تصاعد حدة المعاناة الإنسانية قد يقبل عدد كبير منهم اللجوء إلى الفرار أو الهروب.

كادت خطة التوطين أن تفقد رونقها عقب الرفض العربي الواسع لها، لكن إسرائيل تعمل على إحيائها لتصبح هدفا محوريا على جدول أعمال الحرب هذه المرة، خاصة أن حماس خسرت الكثير من الأدوات العسكرية التي مكنتها من الرد على إسرائيل في المرات السابقة، ولم يعد لها النفوذ المادي أو المعنوي الذي يمكنها من الضغط على نتنياهو، ما يشير إلى أن أغراض الحرب متعددة ومتشابكة، وتجاوزت فكرة التخلص من حماس وقدراتها المسلحة وسيطرتها على القطاع.

أوشكت ممارسات نتنياهو أن تصل إلى مربع تفريغ غزة من سكانها بلا مواربة، لأنه يعلم ما في عقل ترامب، حيث لا يتنازل بسهولة عن أفكاره، والاستنتاج الذي فهم من تصريحات أدلى بها حول تخليه عن مقترح التوطين أو وضعه على الرف غير دقيق، ما يضاعف المأزق الذي تواجهه حماس، وفرض عليها التفكير في ما يهم المصلحة الفلسطينية أولا، وتنحي، تماما، أي مصلحة حركية، فالوقت يعمل ضدها.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى