محمد أبو الفضل: قبلة حياة منقوصة قدمها سقوط الأسد للإخوان في مصر

محمد أبو الفضل 15-12-2024: قبلة حياة منقوصة قدمها سقوط الأسد للإخوان في مصر
تشير السعادة الطاغية على تعليقات الكثير من المنتمين والمحسوبين على جماعة الإخوان المصريين بسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، إلى أن الحياة منحتهم قبلة أمل سياسية، حيث يعتبرون في بعض أدبياتهم الرائجة أن الإخواني في ماليزيا أو سوريا أو تركيا أو غيرهم أقرب إليهم من المسلم العادي أو المسيحي المصري.
يفرحون لانتصار الأول في أيّ بقعة ويشمتون في هزيمة الثاني ولو في مصر، من هنا يرون أن ما حدث في سوريا أشبه بعودة إلى الروح بعد أن أحبطوا سياسيا في دول عدة خلال الفترة الماضية، وبدت تركيا كأنها تخلت عن دعمها لهم، لكن دورها الحيوي في دعم هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) يوحي أنها استعادت جزءا من لياقتها علنا في دعم التيار الإسلامي، وعلى رأسه جماعة الإخوان.
وحفلت حسابات أشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، ممن ينتمون للجماعة أو يتعاطفون معها، بإسقاطات سياسية مختلفة، أبرزها تعمد الربط بين سوريا ومصر، وأن ما جرى في الأولى من تطورات متسارعة يمكن أن تنتقل عدواه إلى الثانية، واستعادوا رائحة أحداث الثورة في تونس منذ حوالي ثلاثة عشر عاما، إذ بعدها بأيام قليلة اشتعلت ثورة أخرى في مصر.
لكن هؤلاء تجاهلوا أن ما حدث في سوريا جاء على أيدي جماعات مسلحة مدربة، ليس لها وجود حاليا في مصر بعد أن قطعت أجهزة الأمن دابرها في سيناء، بينما ما حدث في تونس هو ثورة شعبية لها مبرّراتها المحلية، تكررت مقاطع منها في مصر، وما حرفها عن طريقها السليم هو اختطاف جماعة الإخوان لها في البلدين.
يعتمد تفاؤل الإخوان في مصر على عودة الرعاية التركية للأضواء لهيئة تحرير الشام، مع أنها وضعتها وغيرها من الدول الغربية على لائحة الإرهاب، وهي إشارة تدل على استئناف نشاط أنقرة للمشروع الإسلامي الذي خمد أو تراجع لأسباب تكتيكية في السنوات الماضية، ما يعني عودة أنقرة إلى توظيف ورقة الإخوان في مصر وغيرها من الدول التي بدا حماس تركيا فاترا معها.
وتعزز هذه النتيجة تقديرات مصرية تشككت كثيرا في النوايا السياسية للنظام الحاكم في تركيا عندما تمسك الرئيس رجب طيب أردوغان بعقد مصالحات مع عدة دول عربية، في مقدمتها مصر، بعد أن وضع الإخوان على الرف ولم يلفظهم تماما.
وتؤكد الحاضنة التركية للنظام الجديد في دمشق، والذي لم يخف هويته الإسلامية، أن أنقرة على موعد جديد للاستفادة من الإخوان في مصر، أو هكذا تتصور الجماعة وتروّج، وأن الدول الغربية لن تمانع في استمرار نشاط عناصرها، لأن الموقف الإيجابي من هيئة تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع (أبومحمد الجولاني) يغري الإخوان في مصر بشأن عدم استبعاد دعمهم في مسألة الضغط على النظام المصري، وهو ما بدأ الترويج له، للإيحاء بالقابلية الإقليمية للعدوى وبث معلومات سلبية عن أوضاع حقوق الإنسان.
ويستطيع المراقب أن يضع يده بسهولة بشأن حرص السلطة في مصر على عدم التهاون في التعامل مع الإخوان، ورغم كل الجهود التي بذلت لاجتثاث الجذور السياسية والأمنية والاقتصادية للجماعة للدرجة التي قيل إنها ماتت إكلينيكيا، إلا أن القاهرة لم تتهاون مع قياداتها أو تقبل بمصالحة ما أو تثق بنبذها العنف والإرهاب، ما يؤكد أن أجهزة الأمن المصرية لديها معلومات بأن الجماعة لم تمت أو تفقد أوراقها الإقليمية، وأن هناك حلقات أخرى سوف تظهر في المنطقة.
ومع أن المصالحة بين مصر وقطر وتركيا أزالت الكثير من الشوائب والرواسب في ملفات متباينة، غير أنها لم تتمكن من تحقيق الهدف نفسه في ملف الإخوان، إذ ظل عالقا معهما، ولم تقتنع القاهرة بالخطوات التي اتخذها كلاهما على استحياء، وهو ما يفسر عدم موافقة مصر على إعادة فتح مكتب قناة الجزيرة القطرية بالقاهرة حتى الآن، وتطور العلاقات السياسية ببطء مع أنقرة، لأن الحواجز لم تقم الأخيرة بإزالتها كاملة وبالشكل الذي يتناسب مع المطالب المصرية حيال الإخوان والتعامل معهم بصرامة تعزز قناعة القاهرة باختفاء المتاجرة والمناورة بهم.
ورفع سقوط نظام بشار الأسد الغطاء عن الكثير من الألغاز التي ترددت في أوساط شريحة من المواطنين حيال قطر وتركيا، ويفسر أسباب تمهل القيادة المصرية لاتخاذ خطوات كبيرة نحوهما، حيث خرجت عناصر الإخوان فيهما محتفية بانتصار جبهة تحرير الشام، باعتباره تفوقا للجماعة، ولا يهم كثيرا ما حدث أو سوف يحدث في سوريا، لأن أبصار الإخوان لم تفارق مصر.
وتقوم الجماعة بتسخير كل ما يجري في أيّ دولة لخدمة أهدافها الخفية، حيث يتملكهم اعتقاد بأن عودتهم للمشهد السياسي في مصر هو الجائزة الكبرى، ونظروا لتخلي الجيش عن بشار وعدم مقاومته للفصائل المسلحة كبروفة لما يتمنون حدوثه في مصر.
تتجاهل حسابات الإخوان عناصر القوة والتماسك والتلاحم والعقيدة القتالية بين الجيشين، المصري والسوري، والمعادلة الوطنية أو الأيديولوجية التي يقوم عليها كلاهما، والأهم الواقع العام في البلدين والحظوظ العملية التي تملكها المعارضة، فضلا عن القاعدة الشعبية التي تحظى بها الجماعة، وكلها ليست في صالح الإخوان في مصر، ما يجعل المعادلة التي أقاموا عليها فرحهم بما يجري في سوريا وإمكانية انتقاله إلى مصر منقوصة، لأن البيئة مختلفة وتوازنات القوى مختلة، والإخوان في مصر تمت تجربتهم وفشلوا، ولا يوجد هناك مجال لدخولهم اختبارا ثانيا لتحسين المستوى.
عانى الإسلاميون في سوريا كثيرا على يد نظام الأسد، الأب والابن، ولم يتم اختبارهم في الحكم، وثمة استدارة تركية لتقديم نموذج يبدو معتدلا، وموافقة غربية لمنحهم هذه الفرصة، والتي قد تعيد تصويب الفرص السابقة التي منحت لهم في مصر وتونس والمغرب والسودان، وما يمنح أملا للإخوان في هذه الدول أن الزخم الذي حصلوا عليه قبل سنوات والرهان عليهم يمكن أن يعود مرة أخرى. وهي النقطة التي جعلت الإخوان في مصر يهللون للتطورات الأخيرة في سوريا وما حملته من تغيير، ولم يعد الوجه الإسلامي/الإخواني خافيا في تشكيلة الحكومة المؤقتة في دمشق.
كما أن البراغماتية التي يتمتع بها الجولاني بمكن أن تصبح مخيفة لتركيا، ومزعجة للإخوان ذاتهم، ومريحة لخصومهما، ناهيك عن الموزاييك السوري الذي يصعب قبوله بتجربة عقائدية تؤدي إلى المزيد من الفوضى في بيئة اجتماعية مشحونة سياسيا، فالفرح الذي ينتاب الإخوان محاط بمستقبل غامض، لأن القاهرة قادرة على التعامل مع الجماعة وفلولها، ولم تكتمل الملامح الجديدة لهندسة البيت السوري، ولذلك فالصخب الملحوظ على “التايم لاين” قد يفضي إلى مفاجأة غير سارة للجماعة في مصر.