أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: علاقة مصر بإيران وعقدة الغضب الخليجي

محمد أبو الفضل 2022/07/16

يبدو أن المخاوف التي أبداها الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك من عودة العلاقات مع إيران إلى طبيعتها بسبب ما تمثله من غضب لدى البعض من دول الخليج لا تزال تسيطر على توجهات القاهرة حتى الآن، وربما تزداد تمددا بعد قمة جدة – بايدن التي يحضرها قادة دول الخليج ومصر والأردن والعراق، السبت.

مرت تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان خلال لقائه مع قادة الفصائل الفلسطينية في دمشق قبل أيام بلا تعليق رسمي من القاهرة، حيث قال “طهران ترحب بتعزيز العلاقات مع مصر وتوسيعها”.

كان صدور هذا الكلام محرجا في هذا التوقيت وأوحى أن طهران تلقت إشارات إيجابية من القاهرة التي تدخل قمة جدة وهي تعلم أن الملف الإيراني على رأس أولوياتها، ولم تفصح بصورة مباشرة عن موقفها مما يتردد حول وضع نواة لتحالف أمني يستهدف إيران بمباركة إسرائيل.

أدلى وزير الخارجية المصري سامح شكري عقب قمة النقب التي جمعت وزراء خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب ومصر في مارس الماضي بتصريح قال فيه “ليست (قمة النقب) من أجل بناء تحالف في المنطقة ضد طرف معين”.

فُهم من ذلك في حينه أن القاهرة لا تؤيد تحالفا إقليميا ضد إيران التي وصلتها الرسالة وردت عليها من خلال عبداللهيان أيضا بقوله “تعزيز العلاقات الثنائية بين طهران والقاهرة يصب في مصلحة المنطقة والعالم الإسلامي”، في محاولة لجذب مصر بعيدا عن أيّ ترتيبات تضع بلاده هدفا لها، وموحيا بوجود تفاهمات خلفية معها.

تزايد التركيز على الملف الإيراني عندما وضع الرئيس الأميركي جو بايدن قدميه في مطار بن غوريون، الأربعاء، وتحدث بما يعزز تكهنات أشارت إلى مرحلة جديدة عنوانها خلق تعاون ضد إيران تصبح إسرائيل لاعبا مهمّا فيه، ما رفع سقف الفضول لدى دوائر إقليمية حول ما يمكن أن تقوم به القاهرة من قبول أو رفض لهذا التوجه.

رفضت حكومات مصرية عدة الدخول في خصومة مفرطة مع إيران، وسعت إلى امتصاص المشكلات التي سببتها تدخلات طهران بعدد من الدول العربية، بينها مصر خلال أحداث ثورة يناير 2011، وتحاشت تحويلها إلى صدمات أو مواجهات مباشرة.

وظهر الطرفان في محكات كثيرة وكلاهما متمسك بشعرة معاوية، إذا شدتها طهران أرختها القاهرة والعكس بالعكس، وهو تفاهم ضمني فحواه الحفاظ على الحد الأدنى من الدفء في العلاقات وتجنب التمادي في تضارب المصالح في منطقة مليئة بالعواصف السياسية والصراعات المسلحة والأزمات الاقتصادية.

لم يعد شعور كل بلد حيال الآخر خافيا على الولايات المتحدة التي قيل منذ عهد الرئيس حسني مبارك أنها تضع “فيتو” على أيّ تقارب بين القاهرة وطهران، ويبدو أن الفيتو الأميركي لن يتم رفعه وقد يزداد حدة في ظل حزمة ترتيبات تقوم بها واشنطن لاستعادة دورها في المنطقة والحد من تنامي النفوذ الروسي فيها.

على الرغم من أهمية الموقف الأميركي في كبح التصورات الرامية إلى تطوير العلاقات بين القاهرة وطهران، غير أن الكابح الحقيقي لميل القيادة المصرية نحو تحسين العلاقات مع إيران هو مخاوفها من غضب دول الخليج المتوارث، فما يمكن وصفه بـ”عقدة مبارك” ما زال يقف حائلا أمام تطوير العلاقات مع طهران.

تدفقت مياه كثيرة في الشرق الأوسط ولم تتغير الثوابت الحاكمة لإدارة العلاقات المصرية مع إيران، والتي تقوم على توفير درجة من الدفء لا تقود إلى رفع الحرارة أو النزول بها إلى برودة تمهد لحدوث صدام غير مرغوب.

تشير الأحداث التي تمر بها المنطقة حاليا إلى عدم استبعاد تغير معادلة التوازن التي حبكتها القاهرة نحو طهران، فما يجري من تحركات يمكن أن يقود إلى واقع يتخذ من الاقتصاد مدخلا له، وبالتالي سوف يتعين على جميع الدول المشاركة فيه أن تكون أجنداتها أكثر وضوحا مع كل تقدم أفقي يخطوه التعاون الاقتصادي.

تواجه الإدارة الأميركية عقبات وعراقيل تمنع تطبيق رؤيتها الأمنية بشأن تحالف إقليمي لمواجهة إيران لأسباب لا تتعلق بالقاهرة وحدها، فالبعض من دول الخليج لا يميل إلى تشكيل مظلة دفاعية جماعية تستهدف طهران، لكن ذلك لن يلغي الهواجس التي أفضت إليها التدخلات الإيرانية وما تنطوي عليه من تهديدات خليجية.

تأتي هذه التقديرات وسط أزمة اقتصادية محتدمة تعيشها مصر، تلعب دول الخليج دورا مهما في تخفيفها، بدرجات متفاوتة، ما يضع العلاقات مع إيران في موقف صعب من ناحيتي القطيعة أو التطوير، فالصيغة التي أرستها القاهرة وارتاحت لها طهران سوف تهتز مع ظهور بعض المستجدات.

تعتب دوائر سياسية في مصر على دول الخليج من أن جميعها لها علاقات مع إيران، وتتحاور معها وهي في أوج الغضب منها، مع ذلك تفسّر صمت القاهرة على طهران بأنه يحمل كلاما كثيرا، وتحاسب على نواياها وأنها لا تتخذ موقفا سلبيا منها بينما تقبل ذلك من دولة مثل تركيا قريبة من دول الخليج ومن إيران معا.

تتحفظ الدوائر المصرية على الطريقة الانتقائية عند النظر إلى ملف العلاقات مع إيران، من دون أن تتخلى المواقف السياسية للدولة عن تفهمها لطبيعة العقدة الخليجية، وهو ما جعلها تختار لسنوات طويلة صيغة اللاءات الثلاث “لا وئام، لا خصومة، لا صدام مع إيران”، التي يمكن أن تختل في الفترة المقبلة مع التحركات الجديدة.

تحاول دول عدة ترسيخ حقها في أن تتعدد علاقاتها السياسية ويتم التقييم على أساس حسابات المصالح، وهو توجه صاعد في المنطقة أجادت التعامل به أنقرة وتسعى دول الخليج لتبنيه من خلال الانفتاح الكبير على روسيا والصين، إلى جانب الولايات المتحدة التي أصبحت تتفاهم حول قضايا وتختلف أيضا في الأزمة الواحدة.

كشفت الأزمة السورية عن براغماتية فائقة للولايات المتحدة وروسيا وتركيا، وأثبتت الأزمة الأوكرانية أن التأييد أو الرفض المطلق عملية نسبية يصعب تعميمها، وأن المساحة الرمادية بين الجانبين (التأييد والرفض) تتسع لاستيعاب الدول وممارسة حقها في الاختيار دفاعا عن مصالحها من دون إضرار بالآخرين.

تحاول مصر تطبيق ذلك، وقد تكون نجحت بعض الشيء في الفترة الماضية في حالات معينة، لكن الوضع بالنسبة إلى إيران أكثر حساسية ومن الصعوبة أن تقبل دول الخليج التي تمثل داعما اقتصاديا كبيرا للقاهرة القبول بانفتاحها على طهران، لأن كل خطوة إيجابية نحوها يمكن أن تخصم من رصيدها على الضفة الأخرى، ما يجعل العقدة الخليجية التي أرسيت في عهد مبارك نهجا في رؤية مصر حيال إيران.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى