أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: شجون وهموم مصر وإيران

محمد أبو الفضل 29-12-2022م: شجون وهموم مصر وإيران

تظل العلاقات بين مصر وإيران من القضايا الإقليمية المسكوت عنها، والتي ترتاح غالبية الأطراف المعنية بها إلى نسيانها أو تجاهل الحديث عنها إلى أن يأتي تطور أو حدث ما يعيدها إلى الأضواء، وهذا ما حصل عقب انعقاد مؤتمر “بغداد 2” في الأردن مؤخرا، بمشاركة مسؤولين في كل من القاهرة وطهران.

أشار وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان إلى ترحيبه باقتراح تلقاه من رئيس وزراء العراق محمد شيّاع السوداني لبدء حوار بين القاهرة وطهران على المستويين السياسي والأمني، ومن المتوقع اتخاذ خطوات في هذا الصدد الأسابيع المقبلة.

لم تعلق مصر على المقترح أو تكترث علنا برد الفعل الإيراني، لكن الصمت في الحالتين قد يُفهم منه عدم وجود ممانعة سياسية، لأن الحوارات بين الجانبين تتم بصور متباينة منذ فترة، وهي التي أوصلت العلاقات إلى درجة عالية من الهدوء، حيث يحاول كل طرف تجنب الصدام مع الآخر في القضايا الإقليمية المشتركة.

يمكن أن يكون مقترح السوداني جس نبض للقوى التي تراقب تحركاته، والتي يريد من خلالها المواءمة بين علاقاته العربية وتوجهاته الإيرانية، وأن تكون بغداد جسر سلام للعبور بين الجانبين لضمان الحفاظ على صورة إيجابية لحكومته، والتي يعلم أنها لا تستطيع البقاء في السلطة من دون مباركة طهران.

وربما يكون المقترح بإيعاز من إيران التي تعيش وضعا إقليميا دقيقا، حيث تريد انفتاحا على مصر يخفف عن كاهلها بعض الضغوط الخارجية التي حشرتها في زاوية القوة المهيمنة على قرارات عدد من العواصم العربية، وأسهمت في تغذية الكثير من التوترات في المنطقة بسبب رعايتها ميليشيات وطوائف مذهبية.

جاء المقترح بعد أيام قليلة من الإعلان عن قيام القوات البحرية المصرية بقيادة القوة 153 المعنية بمراقبة جنوب البحر الأحمر وباب المندب لمنع تهريب الأسلحة وتمويل الإرهاب، في إشارة مباشرة إلى جماعة الحوثي في اليمن التي تحظى بدعم عسكري وسياسي من إيران، ما يعني عدم استبعاد حدوث مناوشات بين القاهرة وطهران في ظل كثافة عمليات تهريب الأسلحة التي تقوم بها إيران للحوثيين.

يشير إفصاح طهران عن المقترح إلى محاولة إظهار أن العلاقات مع القاهرة ليست عصية على الاختراق، وأن مراقبة القوات البحرية ضمن قوة دولية يمكن تجاوزها على وقع بعض التفاهمات، وهي إيماءة غرضها الإيحاء بأن هذه القوة مهمتها شكلية، لأن مصر لن تتحول إلى طرف مباشر في حرب اتخذت العديد من الخطوات كي تصبح بعيدة عنها، وتحافظ على الحد الأدنى بين التزاماتها العربية مع قوات التحالف بقيادة السعودية وبين رغبتها في عدم التورط في حرب إيران أحد أطرافها.

أسهم الانفتاح المصري على الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية في توفير خطوط تواصل لها مع قوى متعددة، بينها إيران وجماعة الحوثي أيضا، وبالتالي التجاوب مع عملية الحوار المقترح من قبل شيّاع السوداني يمكن حدوثه مستقبلا، لأن التصورات التي تتبناها القاهرة تعتمد على تعظيم المصالح المشتركة، وهي التي قادتها إلى تصفية الأجواء مع قطر، والتقارب مع تركيا.

يؤكد القياس على التجربتين أن القاهرة غير بعيدة عن طهران، ولو كانت الالتباسات التي تحيط بملف العلاقات أشد تعقيدا، لأنها تدخل فيها حسابات ثنائية وإقليمية ودولية، ويمكن أن تقود التطورات التي تعتمل في المنطقة إلى فتح قنوات تواصل أوسع نطاقا بين الطرفين، وقد وصلا إلى المرحلة الراهنة من الهدوء بموجب تفاهمات خلفية.

تعتري العلاقات المشتركة ووصولها إلى المستوى الذي وصلت إليه قطر أو تركيا جملة من الاعتبارات توصف بالشجون والهموم معا، فالمعادلة الوازنة مشدودة بينهما، ما أدى إلى القبول بوضعية تتساوى فيها أسباب الشجون مع دوافع الهموم.

تأتي الشجون من وجود طموحات مصرية للاستفادة من تطوير العلاقات مع العراق وزيادة المصالح الاقتصادية معه، والذي تملك إيران مفاتيحه الرئيسية، وهي التي منحت الضوء الأخضر لحكومة شيّاع السوداني وما سبقها من حكومات عراقية السنوات الماضية كي تخطو نحو التعاون والتنسيق مع كل من مصر والأردن، في إطار العنوان الفضفاض “الشام الجديد” وتوابعه السياسية والاقتصادية.

كما أن المعادلة الخليجية التي مثلت شبكة أمان اقتصادية لمصر خلال الفترة الماضية بدأت تدخل عليها تعديلات جوهرية سوف تقلل حصيلتها من حجم المساعدات والمعونات والمنح التي كانت تتلقاها القاهرة، ما يؤثر على الممانعة المصرية تجاه إيران ويؤدي إلى تحرر نسبي من القيود التي فرضتها على القاهرة في هذا الملف.

علاوة على أن الولايات المتحدة التي درجت على رفع “الفيتو” أو الاعتراض في وجه القاهرة كلما ألمحت بالاتجاه نحو طهران غارقة في أزمات إقليمية ودولية لا تمكنها من التركيز مع هذه الجزئية، خاصة أن اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط يتراجع تدريجيا وكل محاولات إصلاح مساراتها منصبة على السعودية بصورة أساسية.

في مقابل المستجدات التي تمنح ملف مصر وإيران جاذبية لا يخلو الأمر من هموم وشواغل وتحديات تعكر الصفو الذي تحلم به دوائر في البلدين، أبرزها أن العائد نفسه الذي تجنيه القاهرة من تطوير العلاقات مع طهران لن يكون كبيرا من الناحية الاقتصادية، وهي زاوية تتحكم في توجهات مصر في حالتي العزوف أو الانفتاح.

لا تملك إيران ما يمكن أن تساعد به مصر سوى ورقة السياحة الشيعية، وتقف في طريقها مصدات أمنية، لأن طهران تنظر إلى مسألة الحوار وما يقود إليه من تطبيع على أنه تصريح بسفر ملايين من مواطنيها لزيارة مقامات آل البيت المنتشرة في القاهرة وضواحيها، بينما تنظر مصر إلى ذلك على أنه عنصر يهدد الأمن القومي، فالسياحة الإيرانية مشحونة بالأهداف السياسية المرفوضة من قبل القيادة المصرية.

ناهيك عن تأثير الحديث عن مقترح السوداني على العلاقات بين مصر وإسرائيل، وما يمثله من تداعيات بينهما، حيث تبدو أي خطوة في هذا الفضاء موجهة للحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة بنيامين نتنياهو، ويمكن أن تواجه مصر مشاكل مضاعفة إذا كسبت طهران وخسرت تل أبيب التي تعتزم تطوير علاقاتها مع بعض الدول العربية.

تظل صيغة الجمود التي تكتسي بها العلاقات بين مصر وطهران الأكثر فائدة، لأن كسره سوف يحمل ارتدادات إقليمية مختلفة لا تسمح التحديات التي يواجهها النظام المصري بالتصدي لها، وهو الذي يمنح أولوية كبيرة لتجاوز الأزمة الاقتصادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى