محمد أبو الفضل: خريف قطر وحماس يقترب
محمد أبو الفضل 16-4-2024: خريف قطر وحماس يقترب
زادت الضغوط الأميركية والإسرائيلية على قطر لتفكيك ارتباطها بحركة حماس الفلسطينية، وتعرضت الدوحة في الأيام الماضية إلى نوعين من الضغوط، أحدهما من قبل أعضاء في الكونجرس الأميركي وحذر من مغبة استمرار العلاقة الوطيدة بين الجانبين، والآخر من جانب تقارير استخباراتية تشير إلى التأثيرات الخطيرة التي أحدثها الدعم المادي والمعنوي القطري لقادة حماس وعناصرها.
لم تفلح ردود الدوحة الدبلوماسية في تبديد الهواجس التي أثارها المسار الأول في مرتين خلال الفترة الماضية، حيث قالت إن علاقتها بالحركة تمت بعلم الولايات المتحدة، وبهدف تسهيل الوساطة بين إسرائيل وحماس، وهي ثيمة تبرر بها قطر علاقتها المتشابكة بحركات الإسلام السياسي، بدءا من حماس في فلسطين وحتى طالبان في أفغانستان، مرورا بطيف واسع في مصر وليبيا وسوريا وغيرها.
كما أن ردها على التقارير الاستخباراتية الأميركية والإسرائيلية لم يتبلور بصورة واضحة بعد، إذ تم تحميل قطر الكثير من النتائج السلبية التي أفرزتها تصرفات قوى وجماعات إسلامية متباينة، وظهرت الدوحة في صورة “العرّاب” لها في المنطقة، أو المسؤولة عن تسويقها سياسيا، ووفرت لها دعما إعلاميا كبيرا، مكّنها من الانتشار واستقطاب عناصر عديدة إلى جانبها، وجعلتها رأس الحربة في ما سمّي بـ”الربيع العربي” الذي قيس نجاحه بحجم الثورات الشعبية التي امتطتها جماعة الإخوان.
تبدو قطر وحماس مقبلتين على الدخول في مرحلة الخريف بعد أن جرى تحميل جانب من عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي ونتائجها للدوحة، وإن كان الدعم الذي قُدّم للحركة من الدوحة كان بتنسيق مع إسرائيل كي تتحلل الأخيرة من دورها كدولة احتلال، وهو ما وظفته قطر لتحقيق مكاسب معنوية، وظهرت كأنها راعية لفلول المقاومة، ومن أكثر الدول العربية تأييدا لها، وهي الصورة التي علقت في أذهان شرائح عدة ومنحت الدوحة دورا سياسيا كبيرا.
تتعرض المعادلة التي نسجتها قطر إلى مراجعة، فمهما كانت النتائج التي حققها الطرفان من وراء حث الدوحة على تعزيز علاقاتها مع جماعات إسلامية بتصنيفاتها المختلفة، فإن ارتداداتها القاتمة باتت مضاعفة على صورة الولايات المتحدة وإسرائيل، وقد يصعب تحمل نتائجها في المستقبل، لأن التقارير الاستخباراتية التي نشرت في وسائل إعلام في البلدين حظيت باهتمام بالغ من بعض السياسيين والرأي العام، إذ كشفت عن واحدة من الثغرات التي استغلت للإضرار بمصالحهما.
ويمتد التغيير إلى التأثير على بعض التوازنات التي أقامتها قطر مع جماعات وميليشيات متعددة في اليمن والعراق، ناهيك عن علاقتها المتطورة مع النظام الإيراني نفسه، رغم أن جميعها كانت تحت بصر واشنطن وتل أبيب، والكثير من التحركات التي قامت بها الدوحة من خلال وساطة أو دعم تمت بعلمهما.
ومع التحولات الجارية وما صاحبها من سخون سياسية وعسكرية مع هذه الجبهات قد تجد قطر نفسها مضطرة إلى تغيير توجهاتها، وينسحب خريف حماس والدوحة إلى خريف مواز بين الأخيرة وبعض الجهات التي تدخل في نطاق الشاردة أمنيا وسياسيا بعد أن فقدت المهمة التي قامت بها قطر جزءا من مبرّراتها.
تتمسك الدوحة بموقفها مع هذه الدوائر، وهي معتقدة أن استنادها إلى حدوثه بالتنسيق مع واشنطن يكفي لاستمراره، وما لم تحسب حسابه أن جماعات ضغط عدة في الولايات المتحدة وإسرائيل أعلنت الحرب على هذه السياسة، ولم تعد الازدواجية التي تمارسها قطر مقنعة للكثيرين، وباتت عملية فك الارتباط ضرورية، على الأقل في الوقت الراهن الذي تشتد فيه النقمة على حماس ومن بايعوها سياسيا، وفي خضم حمى إيران وميليشياتها في المنطقة التي أصبحت منبوذة أكثر من أيّ وقت مضى.
وجدت القيادة القطرية فجأة نفسها محل غضب، وربما نقمة من دوائر إسرائيلية وأميركية، ولم تنفعها تفسيراتها الخاصة بأنها أول من فتحت قنوات اتصال مع تل أبيب، أو يفيدها تبريرها أنها عززت علاقتها مع حماس واستضافت قياداتها للقيام بوساطة أو توصيل وتسلم رسائل متبادلة، كان أصحابها في حاجة إلى جهة على صلة وثيقة بالجانبين الفلسطيني والإسرائيلي – الأميركي، وتستطيع أن تقوم بدورها بما يحقق لكل الأطراف المكاسب التي يريدونها.
تأتي المشكلة من انقلاب السحر على الساحر، فلا الولايات المتحدة مقتنعة الآن بجدوى أن تواصل قطر دورها كوسيط، ولا إسرائيل راغبة في استمرار لعبة الدوحة – حماس بعد أن تكشفت الكثير من مخاطرها في عملية “طوفان الأقصى”، ولا تعلم قطر كيف تتنصل من علاقتها بالحركة والجماعات المشابهة لها في المنطقة، فما نسجته الدوحة على مدار السنوات الماضية كان جزءا مهما في سياستها الخارجية، ويحتاج تغييره إلى توجهات بديلة، معالمها غير واضحة حتى الآن.
يمكن استمرار السياسة القديمة برهة من الوقت لإدخال تعديلات عليها، أو إصلاح ما ظهر من عيوب هيكلية أحرجت قطر وجهات نسقت معها لعبة احتواء حماس وغيرها من الحركات الإسلامية، فالنتائج التي تمخض عنها تضخم دور جماعة الإخوان في الدول التي سطعت فيها تشير إلى خسائر فادحة لمشروع تصورت الدوحة أنه سوف يستمر معها وقتا طويلا، بموجبه يمكن أن تزداد سياستها الخارجية تأثيرا.
من المتوقع أن يؤدي تراجع حماس بعد تراجع جماعة الإخوان الأم إلى تآكل في السياسة القطرية، والتي حققت جانبا كبيرا من نجاحاتها بناء على فاعليتها في تسخير ورقة الإسلام السياسي، ودورها الظاهر في دعم المقاومة الفلسطينية، وقدرتها على تطوير علاقتها مع إيران، والكثير من الجماعات التي تتبنى أفكارا متطرفة.
كانت الدوحة الوحيدة المسموح لها بالانفتاح على جميع الحركات المتشددة في العالم وطرق أبوابها بلا تعقيدات سياسية أو أمنية، والتدخل بالوساطة في أزمات كانت هذه الحركات طرفا فيها للإفراج عن رعايا دول أو تسهيل طريق لعقد صفقات، أبرزها طالبان – واشنطن، ما منح قطر دورا مركزيا مكنها أن تصبح قريبة من جهات متنافرة.
تعيش قطر كابوسا سياسيا مع تزايد الاعتراضات على علاقتها بحماس، وإذا تم تجاوزه واستمرت هذه العلاقة على حالها، فإن تأثيرها لن يصبح كما كان في السنوات الماضية، حيث تعرضت السرديات التي راجت في الدوحة لنوع من الهدم عندما أرادت تفسير متانة هذه العلاقة وأسباب ظهورها، وجرفت معها الكثير من المعالم الإيجابية عندما أفصحت عن دوافعها الحقيقية، والمبررات الأميركية والإسرائيلية.
تجاهلت حركة حماس ما قالته قطر ردا على ما تعرضت له من ضغوط، وتصنّعت عدم اكتراثها إلى حين ترتيب أوضاعها، وهل المحطة القطرية يمكن إصلاح ما أصابها من عطب أم يتم البحث عن أخرى، كأن مكتوبا على الحركة أن تغير جلدها كل عشر سنوات، فبعد سوريا ظهرت قطر وتركيا، ولا أحد يعلم المحطة التالية.