محمد أبو الفضل: حضرت سوريا وغابت فلسطين في جولة ترامب الخليجية

محمد أبو الفضل 16-5-2025: حضرت سوريا وغابت فلسطين في جولة ترامب الخليجية
طغى الاهتمام بالملف السوري على القضية الفلسطينية وأكثر روافدها إثارة وهي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خلال جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي شملت السعودية وقطر والإمارات، وكان التجاوب مع الإعلان عن رفع العقوبات عن سوريا ومصافحة رئيسها أحمد الشرع مع ترامب، انعكاسا جليا لهذا الاهتمام، الذي يعبر عن رغبة في انخراط النظام السوري في ترتيبات جديدة بالمنطقة.
ورغم قسوة الشروط التي وضعت لرفع العقوبات عن الحكم الحالي في دمشق وتحالفاته الداخلية، إلا أنه ليست هنا فرصة للتنصل منها أو الهروب منها، لأن النتائج التي سوف يفضي إليها التنصل أو الهروب قد تكون أشد قسوة من الشروط نفسها.
حمل حضور سوريا وغياب فلسطين في جولة الرئيس الأميركي دلالات كثيرة، أبرزها التعقيدات الإقليمية التي تحيط بكل ملف، فمهما كانت التشابكات المحيطة بسوريا، هناك رغبة خليجية لتفكيكها، وبعيدا عن التباين في حسابات دول الخليج، فإن لكل منها حاجة أو هدف في استيعاب النظام الجديد في دمشق.
السعودية تريد أن تكون راعية إقليمية محورية له بعد تأهيله وعدم ترك المجال تماما لتركيا للسيطرة عليه والتحكم في توجهاته، أو إتاحة الفرصة لإيران للعودة إلى سوريا مرة أخرى، فسقوط نظام بشار الأسد يمثل قاعدة مهمة في تقويض أجنحة طهران في المنطقة، كما أن تطوير علاقة الرياض بدمشق يشرع لها أبواب لبنان التي أغلقتها إيران على السعودية السنوات الماضية، والتي تريد إعادة التموضع في البلدين بما يمنحها مساحة كبيرة للحركة الإقليمية، ويمكنها من أن تصبح لاعبا أكثر أهمية، ولا يتوقف دوره عند حد ضخ استثمارات وتقديم مساعدات، حيث تريد الرياض أن تكون لذلك مردودات إستراتيجية تفيدها في توسيع نطاق الدفاع عن مصالحها.
ووجدت السعودية، التي اعترف الرئيس ترامب أنه قبل رفع العقوبات عن سوريا بناء على توصية أو طلب من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فرصة لصرف الأنظار عن موقفها من القضية الفلسطينية وربط تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بحدوث تطور في أطر تسويتها، وهو ما لم تجد تجاوبا حوله من جانب ترامب، وآثرت الخروج بمكاسب في سوريا، ناهيك عن إشارة ترامب حول اختيار الرياض الوقت المناسب للتطبيع مع تل أبيب، وهي علامة على النأي بعيدا عن حرب غزة وارتداداتها المعقدة في المنطقة، وكان الدخول فيها سيقلل من أهمية جولة ترامب الخليجية.
كما أن قطر، وهي المحطة الثانية في جولة ترامب، في مقدمة الدول الراعية للنظام السوري، ودورها معروف في مساندة جبهة تحرير الشام والجماعات التي تحالفت معها، وتريد تثبيت أركان هذا النظام، وتُحسب لها خطوة إعادة تأهيله، وإن لم تسهم فيها بشكل مباشر، غير أن دورها ليس خافيا على أحد، ومصلحتها تقتضي مساندة دمشق في هذه المرحلة الحرجة من وراء ستار، فالهدية القيمة الممثلة في منح ترامب طائرة بوينغ ثمنها 400 مليون دولار، ليس من أجل عيونه فقط، بل للدفاع عن مصالح قطر في سوريا، وإن كانت فلسطين حضرت في الخلفية، من زاوية تأكيد دور الدوحة في ملف الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس، وعدم فتح نقاط شائكة تتعلق بعلاقة قطر مع الحركة، أو إثارة قضايا تخص تعاونها مع جماعات متطرفة في المنطقة.
تعمد الرئيس ترامب الإشادة بدور الدوحة في وساطات إقليمية ودولية مختلفة، لكنه لم يشأ التوقف كثيرا عند وساطتها في ملف غزة، والذي لا يملك فيه رؤية واضحة للحل، ولا يريد الدخول في صدام مباشر مع حكومة إسرائيل، فكان الهروب إلى سوريا والتركيز على الاستثمارات القطرية من الخيارات التي ساعدته على تجاهل القضية الفلسطينية عموما، وحضرت أحيانا في خطابات قادة دول مجلس التعاون الخليجي في القمة التي جمعتهم مع ترامب في الرياض، الأربعاء، لكنها لم تحظ بما يتواءم مع السخونة السياسية والنيران المشتعلة في غزة.
تمثل سوريا بالنسبة إلى الإمارات، وهي المحطة الثالثة والأخيرة في جولة ترامب، أهمية فائقة من زاوية ما يحيط بالنظام الحاكم في دمشق من مخاوف بسبب ماضيه وما يمكن أن يظهر من ظلال له، فالعلاقة التي ربطته بجماعات متطرفة في حاجة إلى قطيعة أو نقلة نوعية تعزز عدم العودة إليها، ويبدو استيعاب سوريا من خلال طرح الرئيس ترامب طريقا جيدا لكشف نوايا الشرع الحقيقية، ومنحه فرصة ليكون جزءا من نظام إقليمي قيد التشكيل، بينما لا يزال ملف غزة غامضا، من حيث آليات وقف الحرب والتسوية السياسية وملامح اليوم التالي لخروج قوات الاحتلال الإسرائيلي.
الأولوية التي حظيت بها سوريا في أجندة ترامب الخليجية لم تحل دون التطرق إلى القضية الفلسطينية، لوجود ارتباط ضمني بين الملفين، وحدوث اختراق ظاهر بشأن دمشق يرجع إلى وجود إجماع على نجاح جولة الرئيس الأميركي، وعدم فتح ما يمكن أن يعكّر صفوها أو حصرها في النطاق الاقتصادي، بما يوحي أن الرجل جاء للحصول على أموال وينسى الكثيرون المقابل الذي حصل عليه الخليجيون، وكانت سوريا هي الحلقة السياسية المناسبة، التي تتكاتف ضمنيا مع حسابات الولايات المتحدة حيال إيران، والسعي نحو تطويق أذرعها في المنطقة.
ولا يعني الغياب النسبي للقضية الفلسطينية تجاهلها، فالكثيرون يعلمون أنها لا تزال حلقة مفصلية في صراعات المنطقة، وما لم يكن هناك حل منتج لها لن يكتب لأيّ مشروعات إقليمية نجاح في المدى المنظور، وما عطّل أو أخّر التطرق لها في سلم الأولويات هو العقبات التي تحيط بها، وتصميم الحكومة الإسرائيلية على فرض رؤية يصعب القبول بها خليجيا، ويحتاج تخطيها خلق شبكة مصالح كبرى مع الولايات المتحدة تجبرها على تبني طرح متوازن وتسويقه في الداخل الأميركي، ما يحتاج المزيد من الوقت لبلورة أفكار عابرة لما اختمر في عقل ترامب، وهو لا يعني عدم الاكتراث بغزة أو ما يجري من انتهاكات من قبل إسرائيل لغالبية الفلسطينيين.
وفّرت غلبة الاهتمام بسوريا جانبا دعائيا، باعتبار أن ترامب هو الوحيد الذي يستطيع تجاوز المحرمات، ومع أنه لا أحد يضمن تمسكه بموقفه من رفع العقوبات وكيفية تطبيق ذلك والتدليل على جديته بمصافحة الشرع والحديث معه، إلا أن التركيز على سوريا جنّب الخليج تسليط الضوء على غزة وحدها.
ويكفي هذا الهدف في مرحلة يشوبها قدر كبير من الغموض حول مصير القطاع، لتفهم إسرائيل أن ترامب الذي خرق محرماتها مع إيران واليمن وسوريا، يمكنه أيضا خرقها في القضية الفلسطينية لاحقا، وهي أهم رسالة يمكن أن تكون خرجت من جولة ترامب الخليجية.