محمد أبو الفضل: حالة مصر في تونس والسودان
محمد أبو الفضل 25-7-2022م
تجد تجارب بعض الدول بحلوها ومرها الكثير من الاهتمام عندما تمتد تأثيراتها إلى خارج حدودها وتخضع النتائج التي وصلت إليها أي تجربة لتحليل عميق من قبل المتابعين لتطوراتها اقتداء بها أو تحاشيا لها، وذلك حسب زاوية الرؤية التي تنظر بها القيادات والشعوب، ما يجعلها خاضعة إلى تقييم متباين.
تنطبق هذه المقدمة على حالة مصر التي بدأت مع الثورة الشعبية في الثلاثين من يونيو 2013 وسقوط حكم جماعة الإخوان وحتى الآن، حيث تفاوتت التقديرات بين مؤيدين لما وصلت إليه من نتائج شاملة، أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ومن اختزلوا السلبيات في الانتقادات الغربية لما هو حاصل في بُعد الحريات.
يلقى النموذج المصري الذي يقوده الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ ثمانية أعوام رضاء من جانب شريحة في تونس استيقظت على مخاطر كابوس تمثله حركة النهضة عقب سنوات من صعودها للسلطة في بلدهم وما شكلته إدارتها غير الرشيدة من تدهور في المستوى العام خلال سنوات حكمها.
ويجد النموذج المصري ذاته تململا في السودان، وتخشى فئة كبيرة من القوى المدنية من هيمنة المؤسسة العسكرية على مفاصل الحكم، وتربط هذه الفئة دوما ما جرى في مصر وما يمكن أن يجري في بلدهم الذي تنتعش فيه الأحزاب والقوى السياسية ولها باع طويل في الشارع ويصعب أن تخضع أو تستسلم لقيادة غير ديمقراطية.
ترى نخب ومواطنون في تونس ما حدث من تطورات في القاهرة على المستويين الأمني والاقتصادي نقلة نوعية مهمة، وإن كانت تحفظاتهم على صعيد تصورات السياسة الداخلية في مصر لا تحجب إعجابهم بنواح أخرى، في حين حصر غالبية السودانيين رؤيتهم في مخاوف أن تمضي المؤسسة العسكرية في بلدهم على نهج نظيرتها في مصر من دون اعتبار للفوارق وكثير من المزايا التي تحققت على يديها.
لا يوجد للدولة المصرية دور في القناعة التي توصل لها التونسيون أو السودانيون، فلكل نظام خصوصيته وكل شعب له همومه ومشاكله وكل بلد يختار الوسيلة التي تتواءم مع ظروفه السياسية، ولا سلطان لدولة عربية على أخرى إلا بالمقدار التقليدي الذي يحدث عادة بين الشعوب العربية ويتوقف على ديناميات متعددة إما أن تستخدم التدخلات المباشرة أو يتم توظيف القوى الناعمة فيها.
في حالة مصر، لا توجد تدخلات أو توظيف، وما يصل لكل من تونس والسودان جزء منه ينحدر من مظاهر التأثير والتأثر التلقائي، وجزء آخر مما تنقله وسائل إعلام خضع بعضها لمعالجات موجهة تؤدي إلى رؤى مفرطة في الإيجابية والسلبية.
بعيدا عن طريقة التأثير ونمط المعالجات، استقر في الوجدان العام عند التونسيين أن مصر تخلصت من هيمنة جماعة الإخوان وقوضت أذرعها وضربت في مقتل بؤر المتطرفين وبدأت خطة طموحة للإصلاح الاقتصادي قد تواجهها عثرات لكن يمكنها أن تنهض لاحقا، بصرف النظر عن الآلية المستخدمة في الوصول إلى ذلك.
يمثل التيار الإسلامي شبحا مخيفا وصداعا مؤلما، وما لم يتم تقنين أوضاعه وتحجيم أدوات العنف التي يمتلكها والرضوخ لما يتناسب مع الطبيعة التونسية من سماحة ربما تعاني البلاد كثيرا، خاصة إذا قرر خوض مواجهة مفتوحة مع أجهزة الدولة.
استقر في الوجدان العام لدى السودانيين أن مصر سبب كل المشكلات في بلدهم ولا تهدأ عن نسج مؤامرات عليهم، وهي فرية رسختها الحركة الإسلامية وكل ذيولها السياسية كي تضمن أن هناك فجوة بين بلدي وادي النيل، معتمدة على بعض الخلافات التاريخية التي تم تضخيمها وتطويعها بما يناسب هذا الهدف.
أصبحت القاهرة حاضرة في كل كبيرة وصغيرة في الخرطوم، فعندما يقرر رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان الهيمنة على الحكم منفردا وتنحية القوى المدنية في أكتوبر الماضي يتردد أنه تلقى تعليمات من القاهرة بعد زيارة سرية لها، وعندما يعلن أن الجيش قرر الانسحاب من الحوار السياسي وترك تشكيل الحكومة للمدنيين يتردد أن هذه مناورة نسجت خيوطها في القاهرة أيضا.
رغم كل الأزمات التي يعيشها السودان في الداخل والخارج الظاهرة للعيان في جميع ربوع البلاد ومع بعض دول الجوار، غير أن عقدة مصر لم تغب عن عقل الكثير من القوى السياسية ويتم تحميلها جزءا من الإخفاقات، اعتمادا على ميراث به كثير من الشوائب وسياسة الصمت التي تتبعها القيادة الحاكمة في البلدين.
قد تستفيد مصر من توجهات حصار التيار الإسلامي في تونس، لأن وجود حركة النهضة على رأس الحكومة له ارتدادات قاتمة على الإقليم، وهذا لا يعني أن القاهرة تتدخل في شؤون تونس أو أن الرئيس قيس سعيد معه خبراء أمنيون من مصر يشيرون عليه أو ينصحونه بما يفعله أو يتجنبه، فهو الذي يقدّر خطواته من واقع رؤيته التي تصادف أنها جاءت على هوى القاهرة.
كذلك الحال بالنسبة إلى رئيس مجلس السيادة في السودان الذي يتبنى أحيانا توجهات داخلية أو خارجية يمكن أن تضر بالمصالح المصرية، فلا يعني انحداره من مؤسسة عسكرية أن الرئيس المصري المنحدر منها له يد طولى عليه، فقد تبنى الجنرال البرهان سياسات توحي أنه يقوم بالتعاون والتنسيق مع الحركة الإسلامية في بلاده.
وهو اتهام رددته قوى مدنية في أكثر من مناسبة بالسودان، فهل يعقل أن ينصحه الرئيس عبدالفتاح السيسي بفتح الطريق لعودة نظام عمر البشير وطغمته الإسلامية؟ وبماذا يفسر هؤلاء التردد الذي يبدو عليه البرهان في تسليم الكثير من العناصر المتطرفة لمصر ومحكوم عليها قضائيا بأحكام نهائية؟
تحولت مسألة النموذج المصري إلى كرة ثلج تتدحرج في كل من تونس والسودان، وتستخدمها جماعة الإخوان كوسيلة للنيل من نظامي الحكم، ومحاولة التلاعب بالقوى المدنية كنوع من التحريض على القاهرة التي وجهت أكبر ضربة نالها التيار الإسلامي في العقد الأخير، وأبطلت مفعول مشروعهم الرامي للهيمنة على مفاتيح المنطقة.
يفسر هذا الاستنتاج الكثير من المعطيات المتعلقة بالحالة المصرية في الوجدان العام سواء في تونس أو السودان ويدحض الخطاب المراوغ الهادف إلى إبعاد النظام الحاكم في القاهرة عن نظيره في كل من تونس والخرطوم، وبالتبعية يخلق هوة شعبية بينهم.
وتستفيد من هذه الهوة جماعة الإخوان التي ترى في أي تقارب مع مصر ونظامها شرا مستطيرا لها، الأمر الذي يجعلها تسعى دائما لنشر الفتن، والسعي نحو قطيعة ممتدة مع مصر التي تتخذ موقفا حاسما من التيار الإسلامي وتعلم ألاعيبه السياسية.