محمد أبو الفضل: تهدئة واسعة على الحدود السودانية
محمد أبو الفضل 10-4-2023م: تهدئة واسعة على الحدود السودانية
تطفو على السطح مشاكل الحدود بين الدول كلما اشتعلت الأزمات فيها، وتزداد المناوشات مع انخراط قياداتها في عملية تفكيك التعقيدات الداخلية. وفي حالة السودان الذي يجاور سبع دول من الجهات الأربع، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، خفتت حدة مشاكل أرقت نظام الرئيس السابق عمر البشير ومجلس السيادة الذي حكم بعده.
مع أن مشاكل الحدود تسببت في توتير العلاقات السياسية بين الخرطوم وعدد من الدول السبع: مصر وليبيا وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد، إلا أن الهدوء الظاهر عليها الآن يقول إن هناك إدارة تعمل على تفكيكها، لا تسمح للدولة بأن يكون استقرارها متذبذبا في الداخل والخارج.
وتكفي الأزمة السياسية بين المكونين المدني والعسكري لتجعل أي دولة تهتز كثيرا، فما بالنا إذا أضيفت إليها أزمة من النوعية الحدودية التي قادت في وقت سابق إلى اشتباكات عسكرية مع إثيوبيا.
أدى الانهماك في الأزمة السياسية إلى تجاهل ما يجري على الحدود، وعدم الالتفات إلى جهود قام بها، ولا يزال، قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حيث تمكن الرجل من إطفاء نيران كثيرة ظلت مكتومة مع جنوب السودان بسبب أزمة منطقة أبيي، والتي تتداخل فيها الجغرافيا مع الأمن والاقتصاد والمجتمع.
استمرت هذه الأزمة تؤرق السودان منذ استقلال دولة الجنوب عنه عام 2011، وانتابتها تعقيدات حالت دون تحقيق تقدم يطوي صفحاتها، وصلت إلى اشتباكات مسلحة بين قبائل عربية وأخرى أفريقية، ولأن السلباح في هذه المنطقة من الصعب السيطرة عليه، في يد القبائل والحركات، بدت السيطرة عليها شبه مستحيلة، خاصة أن هذه المنطقة غنية بالنفط وأوصلها نزاعها إلى مستوى اللجوء إلى التحكيم الدولي.
قد لا تكون الأزمة انتهت تماما، غير أن الجهود التي بذلها الجنرال حميدتي باتجاه جنوب السودان ومتابعته للجنة العليا للإشراف على منطقة أبيي منحت قدرا واضحا من الاستقرار على جانبي الحدود، حيث امتلك الرجل حنكة وحكمة ورشادة قادته للبحث في التفاصيل والتوصل إلى صيغة مناسبة تضمن الحفاظ على هدوء مستمر.
نجح قائد الدعم السريع في توفير ضمانات مشتركة مع جنوب السودان الفترة الماضية يمكن أن تمهد الطريق لتسوية حقيقية لأزمة أبيي، وتراعي حقوق السكان على الجانبين، استخدم فيها خبرته الطويلة في نزع فتيل الكثير من النزاعات في إقليم دارفور، والذي يقع في منطقة يتماس فيها السكان مع قبائل تنحدر من أصول مختلفة، ناهيك عن امتداداتها الجغرافية في دول مجاورة، مثل ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
من هنا وضعت أزمة الحدود في الواجهة في أجندة حميدتي، وزاد اهتمامه بها عندما تحولت إلى ممر لجماعات متطرفة وإرهابيين وميليشيات مسلحة وتجار مخدرات وهجرات غير شرعية.
ولذلك فالهدوء النسبي الحالي في غرب السودان تقف خلفه تحركات غير معلنة قام بها قائد قوات الدعم السريع، حيث زار دولا عديدة وعقد لقاءات مع مسؤولين فيها لمنع انفلات الأوضاع على الحدود، والتي سوف تشكل وبالا على الجميع.
تبددت السحب التي خيمت على جبهتي إثيوبيا واريتريا بعد أن كانتا من أشد الجبهات سخونة ورعونة، ولعب حميدتي دورا محوريا مع أديس أبابا، ومن خلال تحركاته تمت السيطرة على الالتحامات الحدودية التي كانت تحدث من وقت إلى آخر، ووصلت إلى مشاركة قوات نظامية فيها، ووضعت الخلافات بين البلدين على فوهة بركان بعد أن تداخلت فيها تصفية الحسابات السياسية مع التقديرات الأمنية.
حافظت جبهة الحدود مع إريتريا على مستوى منخفض من التوتر يندرج في الإطار الاجتماعي المعروف نتيجة القبائل المترامية على جانبي الحدود، لكن الجهد السياسي كان ملحوظا من قبل القيادتين في الخرطوم وأسمرة، فلا أحد على استعداد لخوض جولة عسكرية في توقيت يواجه فيه كل نظام تحديات داخلية بالغة.
بقيت أزمة مثلث حلايب وشلاتين مع مصر تحت السيطرة، تطفو عندما تريد بعض القوى السودانية توصيل إشارات بأن المثلث لن يتم تمصيره، أو تسعى لفتح جرح بين القاهرة والخرطوم، مع المحافظة على أنها أزمة مكتومة، لا أحد يريد تفجيرها في وقت تتكالب على السودان أزمات بالجملة، وتوجد مصالح مشتركة حيوية مع مصر من غير المرغوب تفجيرها لما تحمله من تداعيات سلبية، وعدم قدرة على الحسم.
تتجاوز أزمات الحدود بين السودان وبعض دول الجوار فكرة الحقوق التاريخية والقانونية، فوجود سبع دول يطل عليها السودان مسألة حرجة من زاوية عدم القدرة على ضبط الأمن على الحدود تماما، ووجود فصائل مسلحة، وقبائل تعيش في أكثر من دولة، وحنين للروابط الاجتماعية، ناهيك عن توظيف تنظيمات إرهابية لها في الدخول والخروج، وهي نقطة لفتت الانتباه إلى خطورة عدم السيطرة على حدود السودان.
يقوم الجنرال حميدتي بدور معتبر في هذا الاتجاه، فالخبرات التي تراكمت له في إقليم دارفور جعلته ينتبه للخطورة التي تنطوي عليها السيولة الاجتماعية والفراغ الأمني والمناوشات المسلحة، وهو ما يحاول القيام به بالحسم والصرامة تارة، والتفاهم مع دول الجوار تارة أخرى، وفي الحالتين حققت هذه المعادلة تقدما قلل من التهديدات القادمة من غرب السودان بشكل خاص.
كما أن ملف اللاجئين الذي تضخم في السودان عقب الحرب بين قوات الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي تحول إلى منغص اجتماعي وسياسي وأمني واقتصادي، وفرض البحث عن آليات تعاون مع أديس أبابا كي لا يصبح بابا للمزيد من التوترات في المستقبل، وهو ما عالجت جزءا كبيرا فيه جولات حميدتي إلى إثيوبيا وعلاقاته الوثيقة بدوائر غربية يمثل لها اللجوء والهجرة غير الشرعية منغصا سياسيا.
يوضع ملف الهجرة غير الشرعية على الطاولة في السودان بعد أن جرى النظر إليه كممر إلى مصر وليبيا في شمال أفريقيا ومنها إلى أوروبا، وتسهم فوضى الحدود في تضخيمه، بينما يؤدي ضبطها إلى تقزيمه، وهي مهمة تنتبه لها القيادة العسكرية في الخرطوم ويمنحها حميدتي اهتمامه في البحث عن تسوية ناجزة لمشاكل الحدود.
يؤدي اكتمال نموذج التفاهم المتصاعد مع جنوب السودان حول أبيي والتقارب مع إثيوبيا إلى إخماد نيران منطقة الشفقة على قواعد المصالح المشتركة، ويقود كلاهما قائد الدعم السريع إلى تهدئة مستمرة على حدود السودان، والتي طالما كانت سببا لتوترات إقليمية مختلفة السنوات الماضية.
يمثل تمركز جزء كبير من قوات الدعم السريع في دارفور والحفاظ على دورها في الإقليم عنصرا لمنع تحويله إلى مركز لجذب المتطرفين وعودته إلى بؤرة صراعات لقوى دولية، أدت تصورات أمنية وسياسية سابقة إلى جعل تجربة دارفور مخيفة للسودان.