محمد أبو الفضل: تركيا تأمل في تحقيق أهدافها بالليونة مع مصر
محمد أبو الفضل 2022/11/25: تركيا تأمل في تحقيق أهدافها بالليونة مع مصر
ما لم تستطع تركيا تحقيقه من خلال أسلحتها الخشنة مع مصر يبدو أنها قررت استبداله بأخرى ليّنة، فبعد سنوات من الضغوط والمناورات والحيل والألاعيب الأمنية رضخت إلى الحوار مع القاهرة وسعت إلى توفير بيئة مناسبة له.
ويمكن أن تتوسع أطر الحوار الفترة المقبلة عقب المصافحة التاريخية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، على هامش افتتاح فعاليات كأس العالم، في قطر أخيرا، والتي حركت الكثير من المياه السياسية.
أشارت كل المقدمات التي ظهرت الأشهر الماضية إلى الاتجاه نحو تنقية الأجواء بين الجانبين، وأن مرحلة العداء التي بدأتها تركيا مع النظام المصري تتقلص تدريجيا وفي طريقها إلى الزوال في الخطابين الإعلامي والسياسي، لأن هناك تصورات براغماتية تتبناها أنقرة تقول ما لم يتحقق بالقوة نسعى نحو الوصول إليه بالمرونة.
أثبتت الطريقة الخشنة التي اعتمدت عليها أنقرة على مدار ثمانية أعوام في تعاملها مع النظام المصري إخفاقها عمليا، فلا الإخوان عادوا إلى السلطة في القاهرة ولا رئيسهم عاد إلى القصر، ولا تركيا تمكنت من فرض إرادتها على منطقة شرق البحر المتوسط، ولا سياستها العدائية ساعدتها في فرض قبضتها على الدولة المصرية، وحتى ليبيا التي توغلت فيها لم تفلح في إجبار القاهرة على القبول بالأمر الواقع.
ما يثير الهواجس في مصر حاليا أن المصالحة السياسية إذا تحققت ستكون بمواصفات مختلفة عن تلك التي تمت مع الدوحة، فقطر دولة عربية مهما علت طموحاتها الإقليمية لن تؤثر كثيرا على مكانة مصر التي تميل عوامل الجغرافيا السياسية إلى صالحها، والخلافات معها انصبت حول دورها في دعم جماعة الإخوان كإحدى أدوات تنفيذ سياستها الخارجية ولا تملك روافد أيديولوجية محددة لذلك.
على العكس لدى تركيا طموحات إقليمية كبيرة وتطلعات في المنطقة تخصم من الرصيد الحيوي للقاهرة ومشروع أيديولوجي واضح يتنافى تماما مع الرؤية المصرية ويقف على النقيض منها، وميراث من العداء ليس هينا، وكل ليونة ظاهرة في الوقت الراهن يتم التعامل معها على أنها استبدال أداة بأداة، لأن السياقات السياسية والأمنية والاقتصادية لن تؤدي إلى نتائج إيجابية أو تدعم مصالحة بعيدة المدى.
درست مصر تجربة الحضور التركي على أراضيها قبل ثورة يناير 2011 عندما تحول حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة إلى نموذج جذاب للكثير من الأحزاب الإسلامية والمدنية، وامتد التأثير إلى الوجدان العام لمواطنين فرحوا بالنموذج التركي.
يقود تطوير العلاقات بين البلدين إلى تطبيع على المستوى الشعبي، خاصة أن السياحة التركية بدأت تجذب فئات كبيرة من المصريين، وكل مرونة سياسية واقتصادية وثقافية يظهرها طرف حيال الآخر تؤدي إلى المزيد من الإقبال على زيارة أنقرة، وإسطنبول تحديدا التي تحظى بمكانة سياحية عاطفية عند مصريين وتستقطب شريحة منهم الآن.
هذه المرة لن يكون الانتشار التركي قويا على المستوى السياسي في مصر، كما كان قبل ثورة يناير، لأن الحكومة المصرية استفادت من التجربة السابقة التي تحول فيها بعض المثقفين في مصر إلى ما يشبه “المبشرين” لتركيا.
يتجاوز لجوء الرئيس أردوغان إلى سلاح الليونة المعاني الخارجية المتعلقة بالقضايا الإقليمية المتباينة، ويصل إلى مضامين داخلية متصلة بالعمق المصري ذاته، لأن الأولى يمكن التوصل فيها إلى تفاهمات انطلاقا من تعظيم القواسم المشتركة وتقليص هامش التباعد في الملفات الخلافية، بينما الثانية هي التي تمثل هدف أردوغان الحقيقي.
تأكدت أنقرة أن التأثير داخل مصر لن يتم عبر أدوات العنف والتهديد أو توفير بيئة خصبة لتحركات جماعة الإخوان في الأراضي التركية، ومن المهم الانتقال إلى العمق المصري، الأمر الذي لن يتوافر وسط حالة العداء والاستنفار والاستكبار، والتي أثبتت فشلها خلال السنوات الماضية.
يجد أردوغان في المصالحة مع مصر منفذا أو أرضية جيدة للبحث عن تسوية سياسية ملائمة لحل أزمة التيه لدى الإخوان، لأنه لن يستطيع نفيهم أو التخلص منهم أو تحويلهم إلى خصوم بين يوم وليلة لأجل إحداث المزيد من التقارب مع القاهرة.
تؤكد تجربة مصر مع قطر أن ملف الإخوان ليس مطلبا رئيسيا لتطوير العلاقة بين الدولتين، وتريد تركيا تكرار هذا النموذج لتجاوز العقد التي تكتنفه، ولن تجد ممانعة كبيرة من قبل مصر في ذلك التي تبدو مطالبها محصورة في ضبط العناصر القيادية الحركية، لأن الإعلاميين لن يتوقفوا عن مناكفة النظام المصري من خارج تركيا.
وجود هؤلاء في قطر وتركيا في حالة كمون لا يكفي لبلوغ العلاقات مع مصر مرحلة متقدمة، إذ يمكن تحريكهم عند اللزوم، ولا توجد استعدادات كبيرة لدى القاهرة لاستقبال المئات من العناصر الإخوانية ومحاسبتهم على جرائمهم والزج بهم في السجون بما يضاعف أزمة معتقلين باتت ملفا طازجا على مائدة المنظمات الحقوقية.
تميل الحسابات التركية إلى حل إشكالية الإخوان من جوانبها الشائكة في مرحلة لاحقة بعد أن تتمكن من تطوير علاقاتها عمليا مع مصر، وهو مأزق سوف تواجهه الأخيرة، لأن استمرار قيادات الإخوان الكبيرة في السجون فترات طويلة أزمة، والمصالحة التي تعتق رقابهم وتهيئ الطريق نحو اندماجهم في المشهد السياسي أزمة أكبر.
مهما تحدثت تركيا بإيجابية عن مصر وبادلتها الأخيرة الحديث نفسه لن تشهد العلاقات تطورات حقيقية قبل تصفية القضايا الخلافية من خلال إيجاد حلول ترضي الطرفين.
أبدت أنقرة تجاوبا كبيرا وحصرت مطلبها الوحيد من مصر في تهدئة بمنطقة شرق البحر المتوسط، في إشارة تؤكد أن الإخوان ملف مؤجل أو لا يمثل أهمية لها حاليا ولن يتحولوا إلى خطر نوعي على القاهرة، ولا يعني ذلك صفاء الأجواء تماما، فالجماعة جزء مهم في الحزب الحاكم وقضيتهم من الصعوبة تجاهلها.
تسعى تركيا إلى وضع كرة الإخوان المتشابكة في الملعب المصري، فهي لن تعيد توظيفهم مباشرة، وإذا قبلت بعقد صفقة لتسليم بعض العناصر القيادية فماذا عن الآلاف من الكوادر ممن يعيشون على أراضيها وقد يمثلون منغصا داخليا لها، وخروج عدد كبير منهم وانتقاله إلى دول أخرى ربما يفاقم الأزمة على النظام المصري.
تواجه المصالحة بين البلدين عراقيل كبيرة بشأن ملف الإخوان، وتعتقد تركيا أن كل الطرق مع مصر سوف تفضي إلى حثها على تغليب الحل السياسي، والذي يمثل النافذة التي تتنفس من خلالها هواء نقيا في القاهرة لاحقا، لأن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر لن تسعفها على مواصلة الحرب على جبهة الإخوان داخليا وخارجيا.