أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: انقسام مصري حول قطر وحماس

محمد أبو الفضل 8-4-2025: انقسام مصري حول قطر وحماس

تثير توجهات قطر وتصورات حماس انقساما في الكثير من الدول العربية، وبدت معالم هذا الانقسام جلية رسميا وشعبيا في مصر خلال الفترة الماضية، فقد اهتمت وسائل إعلام قريبة من الحكومة ببيان أصدرته الدوحة قبل أيام نفت فيه ما يسمى بـ”قطر- غيت”، بعد أن كشفت إسرائيل عن معلومات أفادت بأن قطر دفعت أموالا لمسؤولين كبار في مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو  مقابل تشويه دور مصر في الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس، بينما هاجم إعلاميون قريبون أيضا من الحكومة المصرية قطر على ما قامت به لتشويه صورة القاهرة.

وفي الوقت الذي وجّه فيه إعلاميون محسوبون على الحكومة المصرية انتقادات إلى حماس وتحميلها مسؤولية ما جرى من تدمير لقطاع غزة، خرج اللواء سمير فرج، وهو أحد المقربين من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بإشارات تتعلق بأهمية ما قامت به الحركة لدعم القضية الفلسطينية، وهو تقدير يسير عكس اتجاه الخطاب العام، ما أربك حسابات من شنوا هجوما على حماس واعتقدوا أنهم خدموا السياسة الرسمية.

يعبر انقسام المصريين حول قطر وحماس، والذي ظهرت تجلياته على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، عن غموض كبير يكتنف الكثير من القضايا السياسية، ما يجعل الكثيرين لا يستطيعون تحديد مواقفهم بدقة، أو يتعاملون بازدواجية مفرطة، لأن الأمور مفتوحة على احتمالات متصادمة، وتنطوي على براغماتية من جانب البعض، خشية أن تنقلب التطورات في أيّ لحظة وبشكل خارج التوقعات.

كما يحوي هذا التوجه رسالة بأن سياسة الأداتين (مع وضد) بدأت تزداد انتشارا في التفاعل مع القضايا الإقليمية والدولية، في ظل مرحلة تسود فيها سيولة تضاعف من صعوبة توقع المآلات التي يمكن أن تصل إليها قضية مّا.

ومع أن المواقف الرسمية لمصر متوازنة، بل جيدة، في التعامل مع قطر وحماس، إلا أن ما عبّر عنه إعلاميون في القاهرة لا يعكس حرية رأي أو وجهة نظر شخصية فقط، لكنه يندرج في إطار التعبير عن مواقف شبه رسمية، وهي أداة تلجأ إليها بعض الدول من أجل توصيل رسائل معينة لمن يهمهم الأمر، وأن حسابات مصر رهينة بما تتخذه هذه الجهة أو تلك من سياسات معلنة حيالها.

ولا تخلو هذه التصورات من رسائل موجهة إلى دوائر لها مواقف سلبية من قطر وحماس، وأن مصر قد تؤيد أو ترفض ما يقومان به، ولا تنسجم مع ما يتبناه كلاهما، وقبولها بالتعامل من خلال وساطة أو علاقات سياسية يشبه قبول الضرورة، وهي سياسة تمنح صاحب القرار ديناميكية عالية، ولا تجعله أثيرا لتبني رؤية واحدة جامدة، لم تعد سائدة في العلاقات بين الدول، حيث يمكن الاتفاق والاختلاف في آن واحد، دون أن ينعكس ذلك بشكل كبير على مصالح الدولة المصرية التي تميل إلى جعل خطوطها مفتوحة مع جهات قد لا تقبل بتحركاتها، فقد تجاوزت القاهرة مرحلة “الدوغما” التي تتمسك فيها بمواقف جامدة، صحيحة أو خاطئة، ظالمة أو مظلومة.

يؤكد انقسام المصريين عدم اقتلاع بعض الهواجس والشكوك التي سكنت ذاكرتهم منذ مرحلة الخلاف الشديد مع قطر بسبب دعمها الكبير لجماعة الإخوان، وتحريضها السابق ضد الدولة، وشن أبواقها الإعلامية هجمات قاسية ضد النظام المصري، ولا تزال بقاياها مستمرة حتى الآن، وتشير هذه المسألة إلى أن الدوحة لم تصفُ نواياها تماما نحو القاهرة، وأن شريحة كبيرة من المواطنين تشعر بعدم الثقة بتوجهاتها.

وإذا كان هذا الشعور وصل إليهم مباشرة، فهذا يعني أن أجهزة الدولة لديها ما يعززه، وعليها عدم تجاهل محصلته النهائية، ما يفسر الموقف الحاد من فئة تعتقد في صواب فضيحة “قطر – غيت”، وعدم اقتناعها بالنفي الرسمي الذي أعلنته الدوحة مؤخرا.

ولا يختلف الموقف الشعبي في مصر من حماس عن قطر، فكلاهما قريب وجدانيا وسياسيا من الآخر، ولا ينسى مواطنون دعم الحركة لجماعة الإخوان بعد ثورة يناير 2011، ليس فقط باعتبارها جزءا منها، لكن أيضا بسبب تخريب متعمد قام به منتمون لحماس في الداخل المصري، وأن سنوات التفاهم الأمني بين القاهرة والحركة التي جاءت بعد اتهامها بالإرهاب وتصدير العنف إلى منطقة سيناء، لن تفلح في إلغاء ما رسخ من انطباعات قاتمة عنها.

علاوة على تحميلها مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في غزة من مأساوية أمنية وسياسية وإنسانية، كانت لها تداعيات على مصر، ويمكن أن تكون لها نتائج أكبر إذا لم يتم تفشيل مخطط توطين جزء من سكان القطاع في مصر، ومهما كانت الأهداف التي حملها حديث اللواء سمير فرج، فإنها لن تفلح في تبديد انطباعات سلبية لدى قطاع كبير من المصريين عن حماس.

وقد يتفهم مواطنون دبلوماسية الدولة في التعامل الإيجابي الظاهر مع قطر وحماس، لكن لن تستطيع تجاهل الماضي القذر لكليهما، خاصة أن هذا التاريخ لا تزال ظلاله حاضرة في بعض الممارسات حاليا، وترك مخزونا كبيرا من الشكوك في تصوراتهما وإن تحسنت العلاقات الرسمية معهما، حيث تكبدت الدولة المصرية خسائر فادحة بسبب ممارسات قطر وحماس، ويمكن أن تتكبد المزيد منها إذا اطمأن كلاهما إلى أن قبضة القاهرة ضعيفة أو مرتخية، بالتالي فالاستنفار المستمر في شكل تعليقات غير رسمية يؤدي الهدف منه بلا حاجة إلى أن تعلن أجهزة الدولة ذلك رسميا.

يبدو أنه مطلوب توجيه رسائل متناقضة ليتسنى إرباك قطر وحماس، أو ردعهما في حالة وجود توجهات وحسابات خاطئة تضر بالمصالح المصرية، وهو ما ستفهمه الدوحة والحركة من الإشارات الغاضبة ضدهما، وستتعاملان بحذر من الإشارات الإيجابية، لأن الأولى أكثر انتشارا، وتنطوي على موقف شعبي لن تظهر معالمه ما لم تكن له جذور في دهاليز الدولة الرسمية، إذ كان يمكنها مداراته وعدم السماح لحواريّي الحكومة والقريبين منها الكشف عن رؤاهم السلبية نحو قطر وحماس.

ما يدعم هذا الاستنتاج أن إشادة الخبير العسكري سمير فرج بحركة حماس لم تؤثر في الكثير من المصريين، وإن كان مضمونها حقيقيا أو شبه حقيقي بشأن القضية الفلسطينية، حيث واجهت رؤية الجنرال السابق انتقادات حادة، على الرغم مما حظيت به آراؤه من قبل باحترام عندما كان يفصح عنها من حين إلى آخر، وهو دليل على أن رسالته حول ما قدمته الحركة ضلت طريقها أو أن سلبياتها أكبر من إيجابياتها، ما يعني أن الانقسام حولها وقطر لن يصب في صالحهما.

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى