محمد أبو الفضل: المعارضة المصرية القوانين أهم من الانتخابات
محمد أبو الفضل 5-6-2023: المعارضة المصرية القوانين أهم من الانتخابات
تركز الكثير من قوى المعارضة المصرية في جلسات الحوار الوطني على ضبط قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحليات أكثر من تركيزها على ترتيب أوضاعها الداخلية للتعامل مع الانتخابات نفسها، فلا أحد يقلل من أهمية الأولى، لكن قيمتها سوف تصبح معدومة إذا لم تجتهد المعارضة السياسية لتكون رقما مهما.
تاهت المعارضة في هذه الإشكالية فترة طويلة خلال نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ونجحت القيادات المعاونة له في إشغالها بأمور فرعية تبعدها عن لب العملية السياسية، وهي أن تكون قوية وتملك حضورا مؤثرا في الشارع، وقتها مهما بلغ البطش وزادت القبضة الأمنية لن تكون تأثيراتهما كبيرة.
تتكرر تقريبا المسألة نفسها الآن، حيث تجد قوى معارضة فرصة لتبرئة ساحتها بوضع الكرة في ملعب السلطة بذريعة حرمانها من الحركة السياسية وإغلاق الطرق أمام محاولاتها الرامية إلى الإصلاح، ما جعلها تنظر إليه على أنه عملية تقتصر على إعداد قوانين انتخابية، بصرف النظر عن مدى استعدادها لحصد مكاسب منها أم لا.
يؤاخذ مصريون المعارضة على أنها تصور نفسها دائما على أنها بريئة من أي قصور في دورها، وأن الأجواء العامة وحدها المتهم الجاهز في نظرها، فما لم تفرج الحكومة عن جميع المعتقلين السياسيين وتحترم حقوق الإنسان على الطريقة الغربية وتفتح المجال كاملا أمام الحريات وتضع قوانين تتناسب مع رؤيتها، تصبح مذنبة.
بدأت هذه المسألة تتكرر منذ انطلاق قطار الحوار الوطني، وكان يمكن أن يتحول إلى بداية جيدة لانتزاع مكاسب سياسية عدة من الحكومة، غير أن تركيز الخطاب العام لدى المعارضة انصب على مطالب محددة تبرزها وكأنها قوة تستطيع إجبار الحكومة على تقديم تنازلات لتبعد الحديث عن وجود قصور حقيقي في هياكل معارضة شاخت غالبيتها في أماكنها ولم تعد قادرة على مناطحة السلطة.
تحتاج المعارضة في أبسط صورها إلى ترتيب صفوفها أولا، لأن عملية الهروب إلى الأمام جرى اختبارها ولم تجد نفعا، وأقصى ما حققته سابقا التوصل إلى تفاهمات حول تقاسم عدد من المقاعد ويكون هناك تمثيل رمزي في البرلمان، فالتغيير الحقيقي يتطلب إهمال القضايا الصغيرة والاهتمام بقضايا كبيرة هي جوهر التغيير على المدى البعيد.
ما أسهل على أي نظام التجاوب مع مطالب المعارضة عندما تتعلق بإصلاحات سياسية محدودة، وإجراء تغييرات في قوانين الانتخابات ليوحي بوجود تفاهمات مشتركة معها، ففي النهاية يملك مفاتيح تمكنه من التحكم في حل وعقد كل القضايا الكبيرة.
لا يعني إجراء انتخابات فردية أو بالقائمة النسبية أو القائمة المطلقة غير المغلقة أو حتى الحديث عن إجراء انتخابات المحليات المعطلة منذ سنوات، أن تغييرا يمكن أن يحدث في الفضاء العام بمصر، طالما أن المعارضة مستمرة على حالها من الفراغ وكل ما يهمها إحراج النظام أو دفعه نحو تبني سياسات لم يكن مقتنعا بها.
كانت مشاركة المعارضة في الحوار الوطني خطوة مهمة، لأن المقاطعة لن تغير من المشهد العام إذا ظلت على حالها من التكلس والتلكؤ، ولم تستفد من الثقوب المتاحة لإعادة ضبط قواعدها الداخلية، فكثيرون لا يعرفون أسماء أحزاب المعارضة وقياداتها، وكثيرون لا يجدون حضورا لهؤلاء في الشارع، فأقصى ما يمكن العثور عليه صفحة أو بيان على منصات التواصل الاجتماعي يشيران إلى حزب صغير.
معروف أن أي عملية تغيير صعبة، وتزداد هذه العملية صعوبة في الحالة المصرية التي مرت بتطورات خطيرة خلال السنوات الماضية، وعندما بدأت تعبرها اصطدمت بأزمة اقتصادية خانقة، وكلها أمور تستوجب التعامل معها بروح وطنية وليس عبر انتهازية سياسية، لأن المحصلة سوف تصب في الصالح العام الذي يفرض أن يكون التغيير من الداخل، فقبل مطالبة النظام الحاكم بإصلاحات رئيسية من الضروري أن تصلح أحزاب المعارضة منظومتها بصورة هيكلية.
مهما بلغت أهمية القوانين التي تطالب المعارضة بتغييرها من دون معارضة قوية في الشارع سوف تكون نتيجتها شبه معدومة، لأن الفيصل في العمل العام القدرة على الفعل والوصول إلى الأهداف، والقدرة على تقديم نماذج جيدة يمكنها أن تخوض المنافسة وقت أن تمتلك رديفا من المواطنين يؤيدون وجهة نظرها.
انصرف الكثير من المواطنين في مصر عن السياسية، بغضا وكرها لما جرى من تطورات في الفضاء العام، وإحباطا لما حصل من هيمنة على مفاصله من قبل تكتل حزبي ضيق، وانخراطا في هموم اقتصادية طاحنة لم تجعل السياسة رفاهية أو توجد لها مكانا في عقل وقلب شريحة كبيرة من المصريين، ناهيك عن عدم اليقين في أي دور ملموس للمعارضة يشعر الناس بأن البديل المتوافر سوف يكون أفضل.
لو عملت قوى المعارضة على تدعيم صفوفها وصمدت في مواجهة استنزافها كان يمكن أن يشعر الناس بالثقة فيها، لكن تراخيها وتقاعسها وقابلية معظمها للضغوط ألغى هذا الخيار من قاموس المصريين، والذي بات لسان حاله “ما أسوأ من الحكومة سوى المعارضة”.
إذا وصلت هذه القناعة إلى الناس واستقرت في وجدانهم لن تجدي أي خطوة أخرى كبيرة أو صغيرة يمكن أن تخطوها المعارضة في مواجهة السلطة، والتي على يقين أن مهما بلغت أهمية القوانين التي تطالب المعارضة بتغييرها من دون معارضة قوية في الشارع سوف تكون نتيجتها شبه معدومة، لأن الفيصل في العمل العام القدرة على الفعل والوصول إلى الأهداف.
يمثل هذا الجانب مركز الأزمة في مصر، فالسياسة خرجت من حسابات الأغلبية، وحزب الكنبة الشهير يضم فئة كبيرة من الصامتين والقانعين والراضين عن أوضاعهم مهما زادت سوءا، ولن ينجرف وراء ما يعتبره مغامرة تقودها المعارضة، وهو يرى دولا عدة تحول أبناؤها إلى لاجئين يتسولون إقامة مشروطة.
فقدت المعارضة جانبا كبيرا من مصداقيتها، فلسان حال رجل الشارع يقول إذا كانت السلطة عاجزة عن حل الأزمة الاقتصادية بكل ما تملكه من مقومات ومشروعات، فكيف لمعارضة محدودة الإمكانيات عديمة الخبرات لا تستطيع إصلاح أحوالها الداخلية أن تحل ألغاز أزمة مستعصية؟
أدى ثبوت هذه القناعة إلى صعوبة التعويل على معارضة أو الثقة في أن مجرد تغيير قوانين الانتخابات يفضي إلى تغيير حقيقي في مصر، كما أكد أن كل ما يعني قيادات الأحزاب هو رمي المسؤولية بعيدا عن كاهلها واتهام السلطة في شرفها السياسي بأن تصوراتها وحدها هي سبب كل الأزمات، وما لم تصلح المعارضة أحوالها لن تتمكن من إصلاح السلطة، والتي لا تُبنى قواعدها فقط على تغيير قوانين الانتخابات.