أقلام وأراء

محمد أبوالفضل يكتب مصر مع المقاومة الفلسطينية أم ضدها

محمد أبوالفضل  30/5/2021

منح نجاح الوساطة المصرية في تثبيت الهدنة بين الجانببين الإسرائيلي والفلسطيني عقب حرب غزة الأخيرة دورا أكبر للقاهرة في ملفات المنطقة الساخنة، حيث تمكنت من استعادة دورها الإقليمي وباتت رقما وازنا وهو ما عكسه قبول رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية دعوة مصرية لزيارة القاهرة لبحث التهدئة مع إسرائيل وملف الإعمار، وأيضا إقرارا من الحركة بضرورة إشراك مصر في قرار الحرب والسلم، وهو ما من شأنه أن يقطع الطريق أمام مناورات إيران حليفة الحركة التاريخية، ويسمح للقاهرة بلعب دور أكبر في إطفاء نار الحرب التي ستشعلها طهران عبر حماس.

ولّدت حرب غزة الأخيرة الكثير من العبر والدروس التي جعلت البعض يتساءلون أين موقع مصر من المقاومة الفلسطينية، معها أم ضدها؟ هل تستمر حماس في إشعال الحرب في الوقت الذي يناسبها ثم تنتظر تدخل آخرين؟ هل تقبل مصر أن تقوم إيران بتغذية الحرب على مرمى بصر من حدودها وتتولى هي عملية الإطفاء نيابة عن الحركة وطهران، حيث اعترفت قيادات في الجانبين بعمق التعاون العسكري بينهما؟

تفرض التوازنات التي خلفتها نتائج الحرب البحث عن صيغة جديدة لمنع تكرارها كلما وجدت الأطراف الضالعة فيها مصلحة سياسية أو عسكرية، فإذا كانت حروب غزة الأربع السابقة (2008، 2012، 2014 و2021) جرى تطويقها عند حدود معينة بوساطة مصرية، ففي ظل تضخم الآلة العسكرية لحماس وثبوت التعاون الوثيق بينها وإيران، وإصرار إسرائيل على عدم التساهل معهما، يمكن أن تفلت الحرب المقبلة من عقالها ويصعب التحكم في المدى الجغرافي الذي قد تصل إليه.

أدت هذه المخاوف إلى زيادة وتيرة التعاون بين القاهرة وقوى إقليمية ودولية عدة لضبط مشهد المقاومة كرأس حربة لإيران في مواجهتها مع إسرائيل، فما تمخضت عنه حرب الأحد عشر يوما ينذر بأن أي جولة قادمة بين حماس وإسرائيل قد تكون مقدمة لحرب إقليمية، ربما تضع مصر نفسها في ورطة، فهي لن تستطيع الوقوف بجوار إسرائيل، كما أن وقوفها بجانب حماسالإخوانية يضعها في مربع واحد مع الجماعة التي تصنفها القاهرة كجماعة إرهابية، ومع طهران التي تمضي علاقاتها بمصر على حبال مشدودة ولا تريد الصدام المباشر معها.

تستغل القاهرة الواقع الجديد الذي أفرزته تحركاتها الإيجابية وتطور علاقتها مع واشنطن والثقة التي حصلت عليها من جهات عديدة في إعادة هندسة المشهد الإقليمي بما يجنبها الصدام مع أي من القوى الثلاث، إسرائيل وحماس وإيران، ويعزز دورها في المنطقة، ما يجعلها تدير الدفة بقدر عال من الحنكة كي لا تتهم بأنها منحازة لطرف وتفقد مصداقيتها التي راكمتها بنجاح وساطتها في وقف إطلاق النار .

وأكدت عبارات الغزل المتبادلة على ألسنة قادة حماس وإيران أن الثانية أوصلت رسالتها التي أرادتها إلى إسرائيل والعالم، وأن أذرعها لا تقف عند حدود حزب الله اللبناني أو الميليشيات الشيعية التابعة لها في دول عربية مختلفة، بل تملك أدوات سنية أيضا ومؤثرة تتمثل في المقاومة الفلسطينية وتقودها حركة حماس التي تتفاخر بتمويل إيران لها ومدها بالأسلحة وتطويرها، وأن هذه المسألة لن تقف عد حدود معينة.

تأتي الخطورة على مصر من أن وضع إيران قدميها في قطاع غزة بصورة كبيرة يمثل تهديدا لها، فالهدوء الذي يبدو على السطح بين القاهرة وطهران يمكن أن ينقلب إلى صدام، فتجاوز الأخيرة دورها ودس أنفها كثيرا في غزة أوإحداث خلل في التوازنات التي تجيد مصر التعامل معها منذ فترة تعني إيجاد منغص جديد لها.

تمكنت مصر من كسر شوكة تركيا في غزة عندما ضاعفت من تعاونها مع حماس، ووجدت الأوراق التي تضغط بها عليها وحصرتها في نطاق الدعم المعنوي، لكن الوضع بالنسبة إلى إيران قد يكون مختلفا ومكلفا، لأن دعم طهران يأخذ شكلا ماديا، ويملك خبرة طويلة وإذا انغرس في غزة سوف تكون هناك صعوبة في اقتلاعه.

وضعت القاهرة أيضا حدا للنفوذ القطري في القطاع من خلال التقارب الأخير بينهما، وتعمل على توظيفه في تطويق حماس بما يقوض حركتها ويسد القنوات التي تناور بها كلما حاولت التنصل من أي رؤية مصرية ترمي للمصالحة الفلسطينية.

يمثل اتساع دور طهران في قطاع غزة خطا أحمر لن تسمح القاهرة بتجاوزه، حيث يعني أن إيران يمكن أن تتحكم في بوصلة المقاومة بصورة كبيرة، والتي لا يجد قادتها في حركتي حماس والجهاد غضاضة في رهنها بطهران أو التنسيق معها، بما يفضي إلى ترتيبات تخدم مصالح إيران أولا.

لم تقف مصر في أي يوم من الأيام ضد الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه الشرعية بالمقاومة أو الانتفاضات أو الأدوات السياسية، ولم تتوان عن دعم القوى الوطنية داخل السلطة الفلسطينية أو خارجها، وما الحروب التي خاضتها مصر ضد إسرائيل على مدار عقود إلا وجها من وجوه الدفاع عن القضية الفلسطينية، بجانب الدفاع عن الأمن القومي المصري، وعندما حانت لحظة السلام مع إسرائيل عام 1977 وما بعده تمسكت القاهرة بوضع الحل الفلسطيني على الطاولة معها.

جرت مياه سياسية كثيرة في عملية المفاوضات أدت إلى توقيع اتفاق منفرد بين مصر وإسرائيل عام 1979، ولم يحل ذلك دون انخراط القاهرة في التطورات السياسية اللاحقة حتى استردت مكانتها في جميع التفاعلات التي مرت بها القضية الفلسطينية.

منذ ظهور حماس على الساحة (عام 1987)، أي بعد أقل من عشر سنوات من توقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، اتخذت المقاومة الفلسطينية شكلا عقائديا أكثر حدة استراحت له إسرائيل لتبرير خطابها الديني وزيادة الهوة بين الفصائل الفلسطينية، واضطرت القاهرة للتعامل مع حماس باللين حينا والصرامة أحيانا حتى استقرت المعادلة إلى الصورة التي أصبحت فيها الحركة الإخوانية تسيطر على قطاع غزة وباتت عنوانا رئيسيا للمقاومة الفلسطينية.

حافظت مصر على علاقة جيدة مع حماس وتغاضت عن الكثير من تدخلاتها في سيناء ودعمها لتنظيمات إسلامية متعددة، على أمل أن تضبط سلوكها وتتمكن من فرملة انجرافها نحو مزيد من التعاون مع جماعات متطرفة، ووصلت معها في العامين الأخيرين إلى تفاهمات تمنعها من الإضرار بالأمن القومي المصري، ولا تمنعها من حقها في مقاومة إسرائيل إلى حين التوقيع على اتفاق سلام على أساس حل الدولتين.

لن تفرط القاهرة في علاقتها بحماس وتعلم في اللحظة التي تفعل فيها ذلك وهي بكامل قوتها أنها سوف تنصرف تماما إلى جهات مناهضة في مقدمتها إيران، لذلك فالقرب منها يكبحها ويضعها تحت أعين مصر التي تمكنها الجغرافيا السياسية من ممارسة ضغوط قاسية على الحركة تجعلها تفكر ألف مرة قبل أن تخرج عن طوعها.

تتصور حماس أن حرب غزة منحتها صك الدفاع عن القدس، وهو ما يزعج القاهرة كثيرا، فهي تخشى أن تؤدي الشعبية الجديدة التي اكتسبتها في الضفة الغربية إلى دفعها نحو الضغط على زر الحرب بالتعاون مع إيران ضد إسرائيل متى شاء الطرفان، طالما أن الحركة ضمنت تدخل مصر لإطفاء وقود الحرب ومنع وقوع المزيد من الضحايا الفلسطينيين، وتجنب تمدد شراراتها في المنطقة.

أسهمت هذه القناعة في استسهال قرار الحرب من جانب حماس، ما يدفع مصر إلى العمل على إعادة ضبط هذا المفهوم وتضييق مساحة الحركة أمام أصحابه من خلال ترتيبات محكمة يقود الإخلال بها إلى تحمل حماس المسؤولية كاملة، وبالتالي سوف تكون مضطرة لضبط تصرفات المقاومة خوفا من انفجار آخر ينزع عنها قوتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى