أقلام وأراء

محسن ابو رمضان: المصالحة الفلسطينية " مقاربة ديمقراطية "

بقلم : محسن ابو رمضان ٨-٤-٢٠١٨م
عندما نستمع إلى الشخصيات المسؤولة لدى السلطة الفلسطينية وفي نفس الوقت لقيادات حركة حماس نجد ان أحد التبريرات الرئيسية للاستمرار في ادارة الحكم في غزة أو الضفة يكمن بالشرعية .
فالشخصيات الرسمية الفلسطينية تؤكد شرعيتها من خلال انتخابات الرئيس في عام 2005 إلى جانب رئاسته ل .م.ت.ف وللسلطة واعادة تجديد هذه الشرعية من قبل الجامعة العربية بعد انتهاء الولاية الزمنية له وكذلك اعتراف المجتمع الدولي بمؤسساته وحكوماته المختلفة به ، الأمر الذي يعطيهم المبررات للحديث عن التمكين كآلية لإنهاء الانقسام عبر توفير الممكنات اللازمة للحكومة لمد سيطرتها الكاملة على قطاع غزة دون الاخذ بعين الاعتبار التغيرات التي تمت خلال سنى الانقسام لأكثر من 10 سنوات والتي تم بناء بها وقائع ومؤسسات ومراكز قانونية بالقطاع تختلف عن الضفة وهي بحاجة إلى ألية تدرجية وتراكمية لتحقيق الوحدة بعيداً عن سيطرة طرف على حساب طرف آخر وبما يضمن توفير مناخات من الثقة المتبادلة بين الطرفين .
وبالمقابل فإن قادة حركة حماس يعتبروا انفسهم نتاجاً للشرعية الانتخابية ، حيث حصلت الحركة على العدد الاكبر من اعضاء المجلس التشريعي ، إلى جانب شرعيتها الوطنية والنضالية ، وبأن القانون الاساسي للسلطة الفلسطينية يعتبر المجلس مستمراً وشرعياً حتى لحظة تسليم مهامه لمجلس آخر ، بما يعنى التبرير لاستمرارية عمل ” البرلمان ” بغض النظر عن مبدأ دورية الانتخابات والتداول السلمي للسلطة الذي يعتبر روح الديمقراطية وذلك فيما يتعلق بالمشاركة والمسائلة وتجديد الشرعيات .
لم تعط حركة فتح في بداية تسلمها للسلطة الفلسطينية عام 1994 نموذجاً مشرقاً بالحكم ، حيث تمت التعينات بالوظيفة العمومية على اساس الولاء السياسي واحياناً الشخصي ، كما لم يكن القضاء مستقلاً ، وتم تعطيل آلية المراقبة والمسائلة بالمجلس التشريعي كما برز اثناء متابعة ملف الفساد ، والذي استقال على خلفيتها الراحل الكبير د. حيدر عبد الشافي كما أبرزت التقارير المحلية والدولية مدى سوء الادارة وهدر المال العام وتوفير شبكة من الامتيازات واحياناً الاحتكارات لصالح المتنفذين بالسلطة .
وبالمقابل فلم يتم التعلم من اخطاء قيادة فتح للسلطة عندما حصلت عليها حركة حماس في غزة وذلك على خلفية احداث عام 2007 والتي ادت إلى الانقسام السياسي والجغرافي بين كل من غزة والضفة ، حيث تم استنساخ عملية التوظيف وفق الولاء الحزبي والسياسي ، كما تم السيطرة على جهاز القضاء وباتجاه تسيسه ، كما لم تجر عملية مسائلة ومحاسبة للمتنفذين بصورة واضحة وشفافة وامام الرأي العام .
تكمن معضلة الانقسام بادعاء كل طرف من طرفيه بأنه يملك الشرعية ، حيث تملك حركة فتح الشرعية التاريخية والسياسية كما تملك حركة حماس الشرعية الكفاحية المجسدة بالمقاومة والانتخابية بناءً على انتخابات المجلس التشريعي التي تمت في عام 2006 .
ومع تقديري للشرعية التاريخية والثورية والسياسية لكلا الحزبين الكبيرين ، إلا ان هذه الشرعية بحاجة دائماً إلى التجديد وفق المقاربة الديمقراطية ، فالرئاسة انتهت ولايتها الزمنية بعد 4 سنوات من اجرائها أي في عام 2009 وهذا ينطبق ايضاً على المجلس التشريعي التي انتهت ولايته في عام 2010 وذلك دون الحاجة إلى تبريرات من هذا الطرف او ذاك ،حيث ان الشعب مصدر السلطات وهو بالتالي المخول وحده في تجديد الشرعية واعادتها لمن يستحق بناءً على نتائج صندوق الاقتراع التي تتم بالانتخابات الدورية .
لقد غاب البحث في اطار حوارات المصالحة عن اسس ومرتكزات النظام السياسي الفلسطيني والذي يمر في مرحلة تحرر وطني وديمقراطي في تداخل جدلي بينهما ، حيث تفترض هذه المرحلة العمل على استيعاب كل المكونات السياسية والمجتمعية في اطار المؤسسات التمثيلية الجمعية لكي توحد الجهود والطاقات في مواجهة الاحتلال ، ولكي نستطيع إدارة الاختلاف بآلية ديمقراطية سواءً عبر الحوار أو صندوق الاقتراع بعيداً عن آليات العنف أو الاقصاء التي مورست بالحالة الفلسطينية وأدت نتائجها إلى الانقسام الذي يشكل ربحاً صافياً للاحتلال ، كما افرزت ادوات حكم مركزية بعيدة عن الديمقراطية والمشاركة .
لقد بات من ضروري العمل على اجراء حوار جاد بين الاطراف السياسية والمجتمعية بهدف الاتفاق على عقد اجتماعي يعمل وفق برنامج سياسي متوافق عليه يستند إلى وثيقة الوفاق الوطني والتي تم التوافق عليها بالقاهرة عام 2005 ويعمل على تطويرها ، كما يستند إلى اسس لإدارة الحكم مبنى على قيم المواطنة المتساوية والمتكافئة والحق بالتعددية الحزبية والرأي والتعبير والتجمع السلمي وكذلك إلى سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء واحترام الحريات العامة أي يستند إلى القانون الاساسي الفلسطيني للسلطة الذي جرى اعتماده عام 2003.
إن الوحدة الوطنية بحاجة إلى الشراكة واحترام التعددية وتغيب آليات التفرد والاقصاء أو العنف كوسائل لحل الخلافات وبحاجة إلى إعادة هيكلة النظام السياسي ، بحيث يتم اعادة احياء وبناء ودمقرطة م. ت.ف بوصفها البيت المعنوي للشعب الفلسطيني والمعبر عن الهوية الوطنية الجامعة له وذلك في مواجهة سياسة التجزئة والتفتيت وكذلك العمل على اعادة صياغة السلطة لتصبح مرجعيتها المنظمة والتحرر من قيود اتفاق اوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي والتنسيق الامني تنفيذاً لقرارات المجلس المركزي في دورته الاخيرة .
من غير المنطقي الابقاء على حالة الانقسام في ظل الحراك الشعبي الكبير الذي تمارسه الجماهير بكل فئاتها على حدود قطاع غزة ، خاصة في مرحلة تزداد بها الهجمة الامريكية والاسرائيلية شراسة على حقوق شعبنا .
إن التعامل بملكية خاصة مع مؤسسة المنظمة والسلطة من جهة ومؤسسات قطاع غزة من جهة ثانية بحاجة إلى مراجعة وذلك عبر احداث حالة من الهيكلة تنقل مؤسسات السلطة إلى الدائرة المهنية غير الفئوية او الحزبية ، كما تنقل مؤسسات المنظمة إلى حالة من الشراكة لدمج كل مكونات شبعنا في بنيتها .
وعليه وبهدف اعادة تجديد الشرعية للنظام السياسي بمكوناته السياسية والمؤسسية فنحن بحاجة إلى تطبيق اتفاق القاهرة 2011 بما يشمل الاتفاق على العقد الاجتماعي ، وذلك عبر آليتي الحوار والتوافق كمرحلة انتقالية على طريق تنفيذ آلية الانتخابات التي وحدها وعبر اعمال مبدأ أن الشعب مصدر السلطات تعمل على تجديد الشرعية وتعيد انتاجها لمن يحظى بثقة الجمهور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى