شؤون مكافحة الاٍرهاب

محاربة الإرهاب .. التجربة الجزائرية نموذجا

بقلم: علي ياحي، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا – 25/4/2018
ظهر نموذج ”المراجعات” لمواجهة الفكر الجهادي للحركات والتنظيمات الإسلامية المسلحة في العالم انطلاقا من مصر، وليبيا، في محاولة لوضع العناصر المسلحة أمام المفهوم الشرعي الصحيح والفهم الصائب للدين الإسلامي، الذي اتخذته في وقت سابق وسيلة لتبرئة أعمالها الإرهابية وفكرها المنحصر في القتل والدمار إزاء كل متحرك باسم الجهاد• غير أن تصاعد أعمال العنف داخل المجتمعات الإسلامية دفع إلى طرح سؤال لدى الدعاة والمنظرين في العالم الإسلامي: الجهاد ضد من؟
استقبل مسجد القطب عبد الحميد بن باديس بوهران 7 أئمة قدموا من الولايات المتحدة يوم 24 ابريل 2018 في إطار مشروع تكوين أطلقته وزارة الشؤون الدينية لعرض تجربة الجزائر في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف. وكان وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، قد كشف قبل أشهر، عن قدوم أئمة من الولايات المتحدة إلى الجزائر، كي يخضعوا لتكوين من قبل إطارات الوزارة في مجال محاربة التشدد والتطرف الديني.
واستمع الوفد الأمريكي إلى محاضرة حول تعايش الأديان، حيث كشف ممثل وزير الشؤون الدينية والأوقاف في كلمة ألقاها أمام الحضور، أن الهدف من هذه المحاضرة هو مشاركة الولايات المتحدة التجربة الجزائرية الأليمة، مع الإرهاب وكيف استطاعت أن تتغلب عليه، وعلى مجمل الأفكار الهدامة التي تنهل من معين الفكر المتشدّد.
خطاب التطرف عند الجماعات الاسلاموية
بعد أن أسست الجماعات الإرهابية فكر الانقلاب والعنف والتكفير مستعملة في خطاباتها أسماء عدة مرجعيات إسلامية فقهية وعلمية، انقلبت فيما بعد عليها قيادات بعد أن أعلنت براءتها وتوبتها من الأعمال المسلحة الإرهابية والدموية باسم الجهاد، و اصبحت مهددة بالقتل والتصفية بعد تكفيرها ووصفها بشتى الأوصاف، لا لشيء سوى أنها تراجعت عن الفكر الظلامي والدموي، و طرحت رغم ذلك رسائل وثائق تعلن من خلالها عن براءة الإسلام من فكرهم الخاطئ، مثل التائبين حسان حطاب وعماري صايفي وعودة عبد الحق لعيايدة ومدني مزراق وغيرهم من القياديين السابقين في التنظيمات المسلحة الجزائرية، و امام الشريف لمصري، والمقدسي السوري، وغيرهم من الرموز الإسلامية العالمية التي تبرأت من الحركات والتنظيمات المسلحة التي تتخذ العنف والعمل الإرهابي وسيلة لإسماع صوتها•

”المراجعات”
إن ”المراجعات” لدى القيادات السابقة لمختلف الجماعات المسلحة في الجزائر، من خلال توجيهها لنداءات التوبة ورسائل النزول من الجبال وترك العمل المسلح، نموذج توصلت إليه المصالح المختصة يساهم بشكل وآخر في إنهاء الأزمة الأمنية التي عاشتها البلاد خلال سنوات التسعينات، بعد دراسة معمقة لكل جوانب مراجعات الدول السباقة في انتهاجها، آخذة خصائص المجتمع الجزائري بعين الاعتبار، وبادرت السلطات الأمنية الجزائرية إلى طرح فكرة ”المراجعات” وتبنتها ولازالت ترعاها في وقت تعاملت عدة أطراف سياسية وفكرية بسلبية كبيرة معها، وحاولت الدفاع عن تلك الإيديولوجيات الإرهابية التي لا تمت بصلة بالمجتمع الجزائري ، رغم أنها لا تتوافق معها في الفكر والأسلوب، لكن رضخت أغلبها إلى ما تقدمت به الدولة بعد النتائج الكبيرة المحققة•
وعرفت الجماعات الإسلامية في الجزائر ظاهرة ما يسمى ”المراجعات” بعد أن أعلنت قيادتها براءتها من العمل المسلح ونبذها للعنف منذ أن بادرت السلطات الأمنية إلى فتح أبواب التوبة والعودة لأحضان المجتمع، وقدمت قيادات سابقة معروفة في الجماعة الإسلامية المسلحة والجماعة السلفية للدعوة والقتال والجيش الإسلامي للإنقاذ، عدة رسائل ونداءات تكشف فيها الانحرافات التي أصابت الجماعات الإسلامية وتشرح فيها أسباب تراجعها عن العنف وتدعو إلى التوبة، ونقضت فيها الأساس الشرعي والفكري لخروجها على الدولة وإعلان حربها ضد النظام، بعد أن كانت قد اتخذت العمل المسلح منهجا في التغيير وتبنت قناعاته•
ان انكسار الجماعات المسلحة في الجزائر فتح الباب لتقبل ظاهرة ”المراجعات”، وتعاطت معها الجهات الرسمية و الشعب الجزائري بإيجابية لطي الملف الأمني بصفة نهائية، رغم تصاعد أصوات راغبة في استمرار الوضع على حاله من حين لآخر، ومادام الشعب سيدا في اتخاذ مواقف تخصه بالدرجة الأولى رحب بسياسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والاحترافية التي تنتهجها السلطات الأمنية في معالجة هذه القضايا، و أصر بقوة على ميثاق السلم والمصالحة الذي راعى خصائص الفرد الجزائري دينيا وسياسيا واجتماعيا، مع ملاحقة بقايا الإرهاب الرافضة لليد الممدودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى