ترجمات أجنبية

مجلس الأطلسي – فن الصفقة (الروسية – الإسرائيلية)

مجلس الأطلسي  – إيهود إيران* –  15/6/2018

في 1 حزيران (يونيو)، قال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي يبنزيا، للصحافة إنه “يعتقد” أن بلده وإسرائيل توصلتا إلى اتفاق بخصوص “فك ارتباط معين في جنوب غرب سورية“. وقالت مصادر أخرى إن الاتفاق سوف يشمل انسحاب القوات الإيرانية والمدعومة من إيران من منطقة الحدود السورية-الإسرائيلية في مقابل قبول إسرائيلي صريح بإعادة نشر القوات السورية هناك. بل إن بعض التقارير الأخرى أشارت إلى أن روسيا وعدت بالنظر إلى الناحية الأخرى خلال أي هجمات إسرائيلية أخرى قد تشنها إسرائيل في سورية مستقبلاً، بما أن القدس تلتزم بعدم استهداف قوات الرئيس السوري بشار الأسد.

كان تصريح السفير الروسي المذكور هو الاعتراف الرسمي الوحيد بأنه تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق. وقد رفض كافة المسؤولين الروس والإسرائيليين الآخرين تأكيد إبرام مثل هذا الاتفاق. وفي الحقيقة، أنكر “مصدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع” يوم 2 حزيران (يونيو) أنه تم التوصل إلى اتفاق، وكذلك فعل وزير الخارجية السوري، وليد المعلم. وجاءت هذه التقارير وسط تفاعلات دبلوماسية إسرائيلية-روسية مكثفة في الأسابيع الأخيرة.

في 9 أيار (مايو)، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واحداً من اثنين من الزعماء الأجانب اللذين رافقا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال العرض العسكري بمناسبة احتفالات “يوم النصر” في موسكو. وكان ظهور نتنياهو في المناسبة بمثابة إشارة معلنة قوية إلى حميمية العلاقات بين القدس وموسكو. فبعد كل شيء، كان الزعيم الأجنبي الآخر الذي حضر المناسبة مع بوتين في ذلك اليوم هو الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش. ويمثل الرئيس الصربي بلداً كانت له -وفقاً للرئيس بوتين- علاقات دبلوماسية مع روسيا على مدى 180 عاماً، ويتقاسم روابط مشتركة سياسية وثقافية، بل وحتى عائلية، مع روسيا، والتي يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر.

استمرت الاتصالات رفيعة المستوى بين إسرائيل وروسيا بعد الزيارة. ففي 30 أيار (مايو)، تحدث رئيس الوزراء نتنياهو بالهاتف مع الرئيس بوتين حول التواجد الإيراني في سورية. وفي اليوم التالي، قام وزير الدفاع الإسرائيلي المولود في الاتحاد السوفياتي السابق، أفيغدور ليبرمان، بزيارة إلى موسكو وشكر الروس على “تفهم مخاوف إسرائيل الأمنية في الشمال”. وفي 7 حزيران (يونيو)، التقى وفد عسكري روسي مع وزير الدفاع، ليبرمان، في إسرائيل لمناقشة “الترتيبات العسكرية السورية”. وجاءت هذه الفورة من النشاط الدبلوماسي بعد بضعة أسابيع من إعلان إسرائيل أنها لن تتسامح مع تواجد إيراني طويل الأمد في سورية. وأوضحت القدس -التي كانت قلقة تقليدياً من مشروع طهران النووي- موقفها من وجودٍ عسكري تقليدي إيراني طويل الأمد في سورية عن طريق شن عدد من الغارات على أهداف إيرانية في سورية.

منذ التوصل إلى الاتفاق بين روسيا وإسرائيل في أوائل حزيران (يونيو)، كما زُعِم، يمكن ملاحظة بعض التغييرات مسبقاً على الأرض. ففي 8 حزيران (يونيو)، قيل إن التوترات تصاعدت بين روسيا وإيران حول مسائل الانتشار العسكري الإيراني في سورية. وقيل إن قوات مدعومة من إيران ارتدت أزياء أفراد الجيش السوري بينما تنتشر بالقرب من الحدود الإسرائيلية. وليس من الواضح ما إذا كانت روسيا وإسرائيل قد توصلتا حقاً إلى اتفاق، وإذا ما كان الطرفان سيحترمان بنوده إذا كان موجوداً.

مع ذلك، يلقي المستوى الحالي من التواصل الإسرائيلي-الروسي حول المسائل العسكرية الضوء على ثلاث قضايا مهمة على الأقل: أولاً، إنه يعكس تفوق المناورة الروسية في تحقيق الهيمنة على الوضع السوري. فقد جعلت موسكو من نفسها محور أي ترتيب حالي أو مستقبلي في سورية، واستطاعت أن تستخدم وضعها لتعزيز أهدافها الأوسع إطاراً في السياسة الخارجية. ويبدو إنجاز روسيا مُستلاً تماماً من طريقة عمل هنري كيسنغر. ففي أوائل السبعينيات، تمكن كيسنغر من إقناع أهم حليف عربي للاتحاد السوفياتي السابق، مصر، بأن واشنطن وحدها هي التي تستطيع تحقيق هدف القاهرة المتمثل في استعادة شبه جزيرة سيناء من إسرائيل. وبتلك الطريقة، استطاع أن يحول حليفاً للسوفيات منذ وقت طويل إلى نظام موالٍ للغرب.

الآن، جاء دور روسيا لكي تُري حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة، إسرائيل، أن موسكو فقط هي التي تستطيع أن تؤمِّن مصالحها في سورية، بينما تفقد الولايات المتحدة الاهتمام هناك -وربما بالمنطقة الأوسع. ولا يعني هذا القول إن إسرائيل سوف تتخلى عن تحالفها طويل الأمد مع الولايات المتحدة، لكنها ربما تأخذ تفضيلات موسكو بشكل أكثر جدية. وفي العام 2014، عرضت القدس تلميحاً في هذا الاتجاه عندما تجنبت دعم ما بدا قراراً ضد روسيا في الأمم المتحدة بخصوص أوكرانيا، على الرغم من توقع واشنطن أن إسرائيل سوف تدعم ذلك القرار.

ثانياً، يتضمن احتمال التوصل إلى اتفاق إسرائيلي-روسي حول سورية أيضاً الإشارة إلى ولادة نهج إسرائيلي أكثر تنوعاً في المنطقة. فقد اعتمدت إسرائيل طوال عقود على رجحان كفة قوتها العسكرية لحل العديد من تحدياتها الأمنية في سورية وخارجها. وفي الحقيقة، تميزت طريقتها الرئيسة في العمل في سورية خلال السنوات القليلة الأخيرة بشن الغارات الجوية على عتاد حزب الله. وكانت استراتيجية إسرائيل الدبلوماسية الموازية بسيطة إلى حد ما، حيث التمست من الولايات المتحدة تأمين مصالحها في المحافل الدولية.

لكن تدخل روسيا في سورية في أيلول (سبتمبر) 2015 قدم للشرق الأوسط -لأول مرة في عقود- قوة عسكرية يمكنها أن تشكل ضغطاً على إسرائيل. وفي الرد على ذلك، تبنت القدس نهجاً أكثر تعقيداً؛ حيث أرفقت عملياً اعتمادها التاريخي على القوة بالدبلوماسية المتطورة. وتم التخلي عن تحذيرات إسرائيل التقليدية ضد محور شر متراص مدعوم من روسيا، يتكون من إيران وسورية وحزب الله. وبدلاً من ذلك، أظهرت إسرائيل قدرة على استخدام سياسة دق الإسفين (بين روسيا وإيران) لتحقيق غاياتها. وإذا ما اُخذت إلى جانب سياسة دق الإسفين التي استخدمتها على الجبهة الفلسطينية بين حماس والسلطة الفلسطينية، يبدو أن إسرائيل لم تعد تعتمد على القوة وحدها في الوقت الحالي.

وأخيراً، حصلت التبادلات الروسية-الإسرائيلية خلال فترة تقارب وثيق بشكل خاص في العلاقات الإسرائيلية-الأميركية. ففي أيار (مايو)، نقضت الولايات المتحدة سياسة قائمة منذ سبعين عاماً، بحيث قبلت بتحقيق مطلب إسرائيل بأن تكون القدس عاصمتها. ويقوم رئيس وزراء إسرائيل –وهو مواطن أميركي سابق وخريج معهد مساشوستس للتقنية- ووزير الدفاع الإسرائيلي -وهو مواطن سوفياتي سابق ما يزال يحتفظ بصلات وثيقة في المجال ما بعد السوفياتي- بأداء هذه الرقصة الدقيقة بين القوتين العظميين. وتذكِّر هذه المناورة بين واشنطن وموسكو بالأيام المبكرة للحركة الصهيونية، عندما فرضت القوة المحدودة للحركة عليها أن تبرع على المستوى الدبلوماسي -والذي كان ذروة إنجازاته تأمين الدعم السوفياتي والأميركي لإقامة دولة يهودية في العام 1947 عند بداية الحرب الباردة.

مع التغير البطيء في سياسات القوة العالمية، للتحول من هيمنة الولايات المتحدة إلى عالم متعدد الأقطاب، فإن هذه الأسابيع القليلة الأخيرة في الشرق الأوسط توفر لمحة عن التعديلات التي سوف تجريها القوى الإقليمية مثل إسرائيل، والتي هي حليفة للولايات المتحدة أيضاً. وسوف تنتقل مثل هذه القوى من الاعتماد الكامل على واشنطن إلى الدبلوماسية، التي تشمل إجراء اتصالات وثيقة مع القوى الأخرى، حتى بكلفة المخاطرة ببعض التوتر مع الولايات المتحدة. ولا بد أن تشمل هذه البيئة متعددة الأقطاب آخرين إلى جانب واشنطن وموسكو.

بدلاً من ذلك، وبينما كانت الأحداث تتكشف في شمال إسرائيل، كان المبعوث الصيني للسلام في الشرق الأوسط، غونغ شياوشينغ، يقوم بزيارة إلى الضفة الغربية. وسوف يحتاج دبلوماسيو المنطقة إلى إظهار المهارة في الموازنة بين المصالح المتنافسة. ويُظهر اتفاق إسرائيل المحتمل مع روسيا حول سورية أن لديها القدرة على اللعب بفعالية في عالم متعدد الأقطاب. ولكن، مع تدخل الولايات المتحدة، وروسيا والصين في المنطقة، فإن الحاجة تظل قائمة إلى التحلي بالمزيد من الموهبة الدبلوماسية.

*أستاذ مساعد في جامعة حيفا، وعضو مجلس الإدارة في “ميتفيم”؛ المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى