ترجمات أجنبية

مجلس الأطلسي – المقاتلون من الشيشان وشمال القوقاز في سورية

مجلس الأطلسي – نيل هاور – 18/1/2018
تشكل مجموعة المقاتلين القادمين من الشيشان وشمال القوقاز واحدة من أكثر مجموعات المقاتلين الأجانب في سورية خضوعاً للمناقشة. وبقدومهم من منطقة متورطة في عقدين من التمرد ضد الجيش الروسي، عُرف هؤلاء المقاتلون منذ وقت طويل بخبرتهم ومهارتهم. وبينما يظلون في النهاية قليلين من حيث العدد، فقد لعبوا دوراً استثنائياً في الصراع، حيث شاركوا في هجمات مضادة رئيسية كان الجهاديون قد شنوها في البلد طوال نصف عقد.
بدأ المقاتلون من الشيشان وشمال القوقاز في الوصول إلى سورية في الوقت نفسه الذي وصل فيه مقاتلون أجانب آخرون تقريباً. ومع تكثف الصراع في منتصف العام 2012 وتحوله إلى حرب تقليدية بين النظام وقوات الثوار، كذلك فعلت قوة المجموعات المتطرفة وفكرة قبول سورية باعتبارها الجبهة الجديدة للجهاد. وبلا شك، كانت أول مجموعة كبيرة بقيادة شيشانية هي “كتيبة المهاجرين” التي تشكلت في العام 2012، ومهدت لظهور “جيش المهاجرين والأنصار” الأكثر شهرة. وكان قائد هؤلاء المقاتلين هو عمر الشيشاني، الآمر الشيشاني سيئ الصيت الذي ينحدر من أصل جورجي، والذي سيصعد لاحقاً في صفوف “داعش”. وترك عمر المجموعة المكونة من 700 رجل قوي في وقت مبكر هو العام 2013؛ حيث تم استبداله في ذلك الوقت بقائد شيشاني آخر، صلاح الدين الشيشاني.
وحول ذلك الوقت، وقع حادث حاسم حفز الهجرة من شمال القوقاز إلى سورية. ففي آب (أغسطس) من العام 2012، تصدت قوات الأمن الجورجية لحوالي 20 متشدداً من شمال القوقاز بينما كانوا يحاولون عبور الحدود الروسية إلى داخل داغستان. وفيما أصبح يعرف باسم “حادث لوبوتا” (حيث الممر الذي وقع فيه الحادث)، قتل نصف المتشددين وتبعثر الباقون نتيجة للقتال الذي تبع. واعتبر الباحثون هذا الحادث نقطة تحول، والذي شكل آخر جهد منسق بذله المتشددون لتنشيط التمرد الإقليمي في شمال القوقاز. وانعكس هذا في المواقف في صفوف التمرد نفسه؛ حيث قال أحد المقاتلين إن الجهاد في شمال القوقاز أصبح “أصعب 1000 مرة منه في سورية”. ومنذ تلك النقطة فصاعداً، أصبح المسرح السوري نقطة التركيز.
شهد مقاتلو شمال القوقاز في سورية صفوفهم تتعزز من جانب حليف غير متوقع: الحكومة الروسية. وبدءاً من العام 2013، بدأت الأجهزة الأمنية الروسية بمساعدة وتشجيع تدفق المتشددين من شمال القوقاز باتجاه سورية والعراق، وبرزت هذه العملية بشكل رئيسي في داغستان؛ حيث اجتمع عملاء الأمن الروس مع وسطاء محليين في القرى الواقعة على قمم التلال. وهناك، حصل العملاء على قائمة باسماء الشباب الذين يعتقد بأنهم قاتلوا في السابق في صفوف المتمردين أو أنهم على وشك القيام بذلك، وجلبوا جوازات سفر لأولئك المقاتلين وقاموا بإرسالهم إلى تركيا. وبينما منعت السلطات الشيشانية مثل هذه النشاطات في الشيشان خوفاً من تبعات تصدير هؤلاء المقاتلين، فقد اعتبرتها الجهات الأمنية الروسية نجاحاً كبيراً. وقد وصف أحد العملاء الروس هذا الواقع بقوله: “الكل سعيد: سوف يموتون في سبيل الله، ولن تكون لدينا عمليات إرهابية هنا”.
فيما ينطوي على مفارقة، فقد أفضى نفس النجاح الفعلي الذي أحرزه الجهاد السوري (والأكثر تحديداً، نجاح إحدى المجموعات التي تشنه) إلى تشظي الحركة الجهادية في شمال القوقاز. وكان عمر الشيشاني واحداً من أوائل الشيشانيين الذين انضموا إلى “داعش”، حيث أعلن ولاءه لها في وقت مبكر هو العام 2013. وساعدت نجاحات عمر العسكرية -خاصة دور مجموعته في الاستيلاء على قاعدة “المناخ” العسكرية الجوية، في بناء سمعته كقائد فعال. وفي ذلك الوقت، تصاعدت التوترات بين “داعش” وتنظيم القاعدة، مع تداعيات خاصة على “المهاجرين” من شمال القوقاز. وكان كل هؤلاء المقاتلين تقريباً قد أعلنوا ولاءهم لإمارة القوقاز المتحالفة مع “القاعدة”، والعاملة في منطقتهم الأصلية. ومع هذه الولاءات المتناقضة مع ولاء عمر لتنظيم “داعش” الحديث، هجر العديد من الشيشانيين في “جيش المهاجرين والأنصار قائدهم” في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 واندمجوا في الفرع السوري لتنظيم القاعدة، جبهة النصرة. وقد اندلعت الحرب بين الجانبين بعد شهر واحد من ذلك.
أصاب الانقسام الحاسم بين “داعش” و”القاعدة” العناصر الشيشانية والقوقازية. وتبعت أغلبية المقاتلين عمر الشيشاني إلى “داعش”، مع هجران العديد من المتشددين تحت قيادة قادة شيشانيين مرموقين تنظيم القاعدة وانضمامهم إلى الخلافة الوليدة. وعندما أعلن جيش المهاجرين والأنصار ولاءه لجبهة النصرة في أيلول (سبتمبر) 2015، تركت معظم العناصر من شمال القوقاز المجموعة عند تلك النقطة. وثمة قائد آخر، النائب السابق لعمر، سيف الله الشيشاني، والذي جلب مقاتليه المتبقين إلى صفوف النصرة. ومن اللافت أن خياراً لقي شعبية بين متشددين آخرين من المنطقة كان يتمثل في تأسيس مجموعات جهادية تتبع “طريقاً ثالثاً”؛ حيث تتعاون مع جبهة النصرة أو “داعش” من وقت لآخر، وإنما باستقلال عن الجانبين. واندمج مقاتلو شمال القوقاز في مجموعتين رئيسيتين؛ “جند الشام” و”أجناد القوقاز” (ثم ظهرت مجموعة ثالثة لاحقاً، “جيش العسرة”). وتم هذا العمل في الجزء الضخم منه لتجنب التورط في الاقتتال الأخوي بين الثوار السوريين والمجموعات الجهادية، حيث أعلن أمراء جماعات “جند الشام” و”أجناد القوقاز” و”جيش العسرة” بوضوح عن كراهيتهم للفتنة في شريط فيديو تضمن بياناً مشتركا يعود تاريخه إلى شهر آب (أغسطس) من العام 2017. وكان هذا المسار شبه فريد تقريباً ومقتصر على الشيشان، حيث كانت “جند الأقصى” هي المجموعة المرموقة الأخرى التي تظهر؛ ومن الممكن أن تكون سمعة المقاتلين الشيشان وجاذبيتهم كحلفاء هي التي مكنتم من تجنب الاحتواء، في تناقض مع ما حدث للعديد من الفصائل الأخرى.
في ذروتهم، كان المقاتلون من شمال القوقاز يشكلون نسبة كبيرة من قوة القتال الجهادية في سورية. وقدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العام 2017 عدد المواطنين الروس الذين يقاتلون في سورية في ذلك الحين بنحو 4.000 مقال، وهو ما يتوافق مع العديد من التقديرات المستقلة. وتنحدر أكبر مجموعة من هؤلاء المقاتلين من داغستان، حيث قالت سلطات الجمهورية إن عدد الداغستانيين الذين يقاتلون في صفوف “داعش” يبلغ 1.200 مقاتل. ويأتي الشيشانيون من مكانين: نحو 600 مقاتل جاؤوا مباشرة من الشيشان؛ و2400 آخرين جاؤوا من الشتات في أوروبا من الذين كانوا قد هربوا في التسعينيات وفي بدايات الألفية. وتقول مصادر أخرى أن ثمة 100 مقاتل جاؤوا من أنغوشيا، والذين يعتقد بأنهم دخلوا إلى سورية كمقاتلين متشددين؛ وثمة 175 مقاتلاً جاؤوا من جمهورية كاباردينو بالكاريا. وعلى الرغم من أنهم ليسوا من شمال القوقاز بالضبط، فإن من المعقول ضم أبناء خست الجيورجية، وهم متفرعون من العرق الشيشاني، إلى هذه المجموعة: والذين كان أكثر من 50 منهم (بمن فيهم عمر الشيشاني) قد غادروا إلى سورية.
وفي نهاية المطاف، علمت الخسائر الفادحة في ميادين المعارك والتغير في مصير الثوار بعد التدخل العسكري الروسي، على تهميش المجموعات القوقازية في سورية. وكان عمر الشيشاني معروفاً بسوء الصيت بشكل خاص، حيث لم يكن يبدي الكثير من الاهتمام بسلامة رجاله: أفضى هذا التصلب في موقفه إلى موت مئات المقاتلين الشيشان في أواخر العام 2014 في معركة كوباني “عين العرب”. أما عمر نفسه فقد قتل في العراق في تموز (يوليو) من العام 2016، حيث قاتلت أعداد كبيرة من المقاتلين الشيشان حتى الموت في الموصل. وعانت المجموعات المستقلة والمتحالفة مع جبهة النصرة من مقاتلي شمال القوقاز الانكاسات نفسها التي منيت بها حركة الثوار الأوسع، حيث استعادت الحكومة السورية مدينة حلب في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2016، وهو ما تركهم من دون معالم واضحة للخطوة التالية. وبحلول منتصف العام 2017، أصبح مستقبل كافة المقاتلين الجهاديين القادمين من القوقاز في سورية غامضاً مبهماً -وهو عنوان سيعالجه مقال لاحق عن هذا الموضوع.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Chechen and North Caucasian Militants in Syria
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 7/2/2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى