مجلة واشنطن ريبورت اون ميدل ايست افيرز – قرار ترمب بشأن القدس يمكن إيران من الانتصار في الشرق الاوسط
ترجمةخاصة عن مجلة واشنطن ريبورت اون ميدل ايست افيرز – 14/1/2018
نشرت مجلة “واشنطن ريبورت اون ميدل ايست افيرز” تقريرا بعنوان “خمس وجهات نظر معارضة لسياسة ترمب بخصوص القدس”. كانت وجهات النظر تحليلية وتبريرية في طبيعتها، فهي تبرر معارضتها لقرار اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. نقدم فيما يأتي ترجمة لوجهة نظر المحلل الاستراتيجي “جوان كول”، حيث نشر مقال معارضته للقرار الترمبي تحت عنوان “قرار ترمب بشأن القدس سيمكن إيران من الانتصار في الشرق الاوسط”:
معتمرا الكوفية الفلسطينية، وأمام صورة عملاقة لقبة الصخرة في القدس، وقف رجل الدين الشيعي العراقي المتشدد، مقتدى الصدر، متحدثا الى الجماهير، وبصوت هادر، في مدينة النجف المضطربة في العراق، شاجبا بأشد العبارات قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومطالبا بإغلاق السفارة الأمريكية في بغداد بشكل فوري، على اقل تقدير، وفق الكاتب نقلا عن الصدر.
ربما كان في مخيلة عدد من الأشخاص المؤثرين في بطانة الرئيس الأمريكي ترامب، وتصورهم، انهم سيتمكنون من اضعاف إيران وعزلها ودفعها بعيدا عن العالم العربي الى ابعد حد ممكن، وربما الى حد الاحتراب والى غير رجعة، وذلك في سعي منهم لتنفيذ مخططهم الداعم لإسرائيل والسعودية. ولا شك بان رؤية هؤلاء انتكست، وتمت الإطاحة بمخططهم، مع تداعيات إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارته اليها. أي ان ترمب نفسه أفشل مخطط كان يهدف في مجمله الى خدمة إسرائيل والسعودية.
يعتقد بعض المراقبين السياسيين السُذّج في واشنطن أن كل السياسة هي سياسة مثالية وسياسة لا يمارسها الا النخبة، ولكن الواقع غير ذلك تماما. وبإمكانك ان تسأل حسني مبارك أو زين العابدين بن علي. ويتعين على القادة السياسيين أن يكونوا ذوي مصداقية وغير كذابين، كي يتوفر لهم الحد الأدنى من ثقة الجمهور.
فقد استفادت الثورة التونسية 2011 من “بروفات” شهدتها المدن التونسية في العام 2009، عندما خرجت الجماهير عن بكرة ابيها تضامنا مع قطاع غزة خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي عليها في ذلك العام. حيث تدرب نشطاء الحركات الطلابية، والنقابيون، والمحامون، والأطباء، وغيرهم، على كيفية التشبيك، وعلى اليات التواصل، والتنسيق الجماعي، للخروج في حشود هائلة دعما لقضية معينة. ومن ثم أصبحت الجماهير في تلك البلد مدربة، وجاهزة على أهبة الاستعداد للخروج في اية تجمعات في حال تمت دعوتها.
وقد ساعد ولاء بن علي ومبارك لمعسكر الولايات المتحدة، وتملقهما وتذللهما المستمر لواشنطن، على بناء جرأة جماهيرية كبيرة ضدهما، وعلى زعزعة اركان حكمهما، ومن ثم تسريع الإطاحة بهما بشكل سريع وغير متوقع. فمجرد الولاء لواشنطن يشجع الجماهير على كراهية أصحاب الولاء هؤلاء، وبشكل اوتوماتيكي، بغض النظر عمن هم هؤلاء الأشخاص. فجماهير المنطقة تعرف الولايات المتحدة جيدا، والجماهير “فيها ما يكفيها” من الام نتيجة السياسات الامريكية. زد على ذلك ان الجماهير امست جاهزة أصلا في نظرتها تجاه الإدارة الامريكية، ان لم يكن لسياساته الخارجية، فلسياساتها الداخلية. فهم يعرفون انها تعمل وفق سياسات اقتصادية تعاقب العمال، وتستنزف الطبقات الوسطى، ولا تحب المهاجرين كثيرا. هذا فضلا عن العامل الأكثر أهمية، وهو ان جماهير المنطقة تعرف من تلقاء نفسها ان واشنطن هي من يحمي سياسات إسرائيل في الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، وفي تشريدهم، وتحويل الملايين منهم الى لاجئين. ومن ثم جاء اعلان ترمب بشأن القدس ليضيف دليلا إضافيا، حديثا جدا على السياسات العدوانية للوليات المتحدة، كما تراها شعوب المنطقة، وفق الكاتب.
يبدو ان بعض الحكام في المنطقة قلقون جدا من تداعيات الأمور هذه الأيام. مثل ملك الأردن، عبد الله الثاني، رغم انه على تحالف قوي مع الولايات المتحدة (علما ان الشعب الأردني مؤيد للفلسطينيين، حيث يشكل الفلسطينيون نحو 60% من سكان الأردن).
من لا يعرف من الأمريكيين خفايا السياسة الامريكية وتفاصيلها، لا يستطيع ان يدرك حجم الضغط الذي تمارسه الإدارة الامريكية الحالية على الفلسطينيين، ولا حجم الاذلال التي تتصرف به تجاه العرب. ولكن ترمب بإعلانه حول القدس، والكثير من مقولاته الأخرى، يكون قد كسر القواعد، وفتح المجال لنفسه لقول أي شيء يشاء في وجه أي شخص يشاء، من الان فصاعدا.
ولكن، لندرس الان الحرب الباردة بين السعودية وإيران. ففي ضوء الإشارات السعودية التي تعبر عن استعدادها للتعاون مع إسرائيل في وجه إيران، وفي ضوء احتضان آل سعود لترمب، يتبين ان الرياض متورطة في قرار ترامب بشأن القدس، سواء أرادت أم لا، وفق الكاتب. اما في الحروب الدعائية بين إيران والسعودية، فيبدو ان إيران حققت افضلية كبيرة على حساب السعودية.
تركيا دولة ذات أغلبية سنية، في حين أن إيران جمهورية شيعية. وتدرك تركيا ان اية محاولة منها للانخراط في محاولات للحد من نفوذ إيران في المنطقة، لا بد ان يثير الحساسية وان يؤدي بالعلاقات الى نفق من التوتر والسوء. وهو ما قد يؤثر بالضرورة على مقدرات البلدين الأكثر اكتظاظا بالسكان، والأكثر غنى في الشرق الأوسط.
وعلى إثر قرار ترمب بخصوص القدس، نجحت تركيا وإيران في التقارب بشكل قريب على أساس التشارك في وجهات النظر، وعلى أساس موضوع يراه الطرفان مهما جدا لهما، واصفين اجراء ترمب بانه “خطأ” “وغير قانوني”. قد دعا روحاني جميع الدول ال (56) ذات الاغلبية المسلمة الى اتخاذ قرار موحد وقوي ضد الولايات المتحدة. اما وزير خارجيته، محمد جواد ظريف، فقال ان “القدس ستبقى دوما مدينة عربية إسلامية”. وتابعت إيران حديثها ودعواتها، عن قصد، باتجاه العالم العربي والإسلامي ككل، حيث دعا المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، العالم الإسلامي الى الالتزام برد عملي موحد على الخطوة الامريكية.
ويبدو ان هذا الموقف يُظهر، ان الإيرانيين (وليس العرب) أصبحوا الان أبطال القومية العربية. في حين تراوحت كل مواقف وردود فعل السعودية ومصر بين كونها سلبية او ضعيفة.
وفي ظل هذا الإشارات والتداعيات والادوار، مما لا شك فيه ان ترمب، بقراراته غير المحسوبة، يساعد في جعل إيران رائدة في العالم الإسلامي، ويظهرها اما مواطني المنطقة ككل على انها أفضل من يقوم بعمل جيد بين كل تلك الدول حاليا. “فشكرا لترمب على هذا العمل المدروس والمتقن”، يقول الكاتب متهكما.
اما الحالة العراقية، فهي غير بعيدة عن سياق النفوذ الإيراني، بل انها قصة أخرى من قصص السيطرة الإيرانية في المنطقة. فالحكومة العراقية يديرها حزب الدعوة الإسلامية، وهو من أكثر الأحزاب العراقية موالاة لإيران. وفي عمل غير معهود أمريكيا، وغير معهود استخباريا، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي اي ايه)، مايك بومبيو، انه وجه رسالة مكتوبة الى قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، يحذره فيها من عمليات فيلقه في الشرق الاوسط. غير ان سليماني لم يرد على الرسالة. تجدر الاشارة الى ان الولايات المتحدة لديها حوالي (6) الاف جندي في العراق، تحتفظ بهم لأجندات مختلفة او لتدخلات انية.
إذن، وبعد إعلان ترامب، الى اية جهة تميل الحكومة العراقية، والسياسيون هناك، بخصوص القدس؟
الجواب: بالطبع يميلون نحو الموقف الإيراني من القدس. فقد كتب وزير الخارجية العراقي رسالة الى واشنطن تندد بقسوة بقرار ترمب حيال القدس.
اما الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، فقد حذر بدوره القادة العرب من أنه إذا تخلوا عن القدس، فستكون هذه نهايتهم المحتومة. كما قام أتباعه بتنظيم عدد من المظاهرات الصاخبة والحاشدة منذ اعلان ترامب، في ارجاء العراق، وبالذات في مدينتي النجف وكربلاء المقدستين.
كما دعا رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، الى محاربة الاعلان الأميركي، معتبرا إياه بمثابة “اعلان حرب” على الشعب العربي برمته، وانه هجوم سافر على أبسط “حقوق الانسان الفلسطيني”.
ويضيف الكاتب، لك ان تتساءل “من هو المسؤول عن أمن القوات الأمريكية في العراق؟” الجواب ان المسؤول هو الحكومة العراقية، وجيشها، ومعه ميليشياتها الشيعية. إذاً، فقواتنا هناك في قبضة إيران شئنا ام ابينا.
وفي لبنان، حاول السعوديون تفكيك حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية، التي ينخرط فيها الشيعة والمسيحيون والسنة معا منذ سنوات. وقد كان التدخل السعودي سافرا الى الحد الذي تعاملوا فيه مع سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني، على انه مواطن سعودي فحسب. وبهذه الحركة، من المؤكد ان السعوديين، تسببوا بالكثير من الضرر والاهانة للبنانيين بما فعلوه مع رئيس وزرائهم. وفيما بعد، قام الحريري بإلغاء “استقالته القسرية”. وممن ثم سارع الى اصدار توبيخ لاذع لواشنطن ردا على اعلان ترمب بخصوص القدس. ومهما تكن طبيعة الحكومة اللبنانية، او طبيعة الجنسيات التي يحملها سعد الحريري، فان التحرك السعودي الاجوف ضده لا يمكن وصفه باي حال على انه مفيد. بل انه جاء ومنذ البداية بنتائج ضد المحور “السعودي الإسرائيلي الأمريكي”.
وحتى لو قررت الحكومة اللبنانية عدم الاقتراب من إيران ابدا، فإنها لن تكون ابدا الى جانب المحور “السعودي الإسرائيلي الأمريكي”. ولذلك، يستغل الزعيم الشيعي حسن نصر الله الظرف الإقليمي الجديد، ويكثف من اتصالاته لتعزيز الترابط الداخلي وكسب ود الجميع، بما فيه الحكومة اللبنانية، مستغلا السلوك السعودي غير المحسوب.
وينهي الكاتب متهكما، “ولهذا، شكرا للسيد دونالد ترمب، ونائبة مارك بينس”.
وطن للأنباء : ترجمة: ناصر العيسة