شؤون اقليمية

مجلة ذا ناشيونال إنترست الأمريكية- اليمن هدف روسيا المقبل.. هل تريد إنهاء الحرب فعلًا أم أهدافها استعمارية؟

مجلة ذا ناشيونال إنترست الأمريكية – اعداد صموئيل راماني – ترجمات – 22/11/2017

إن التدخل الدبلوماسي الروسي الناجح في اليمن ستكون له آثار إيجابية كثيرة على أجندة موسكو الجيوسياسية في الشرق الأوسط.

رصد صموئيل راماني، وهو طالب دكتوراه بالعلاقات الدولية في كلية سانت أنتوني جامعة أكسفورد، الأسباب المحتملة التي قد تساهم في جعل روسيا وسيطًا رائدًا في الأزمة اليمنية التي دخلت عامها الثالث، منذ أن شنت السعودية حربًا ضد جماعة الحوثيين الشيعية المدعومة من إيران بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء.
وقال الكاتب الصحافي الذي يساهم بالكتابة في صحيفتي «واشنطن بوست» و«هافينجتون بوست»، في مقال نشرته مجلة «ذا ناشيونال إنترست» الأمريكية: «منذ بدء محادثات أستانة حول سوريا في ديسمبر (كانون الأول) 2016، ألقى المحللون الغربيون قدرًا كبيرًا من الاهتمام على الدور الروسي الناشئ بوصفه وسيطًا للنزاع في الشرق الأوسط. وقد أثار التدقيق الذي أحاط بالوساطة الروسية في سوريا موجة من التنبؤات حول الأزمة الأمنية التالية في الشرق الأوسط، التي ستتولى فيها موسكو دورًا دبلوماسيًّا رائدًا. ومن أكثر المسارات المحتملة للتدخل الدبلوماسي الروسي تأتي الأزمة الليبية، وأزمة قطر، والموقف السعودي- الإيراني».
وأضاف الكاتب أنه وفي حين أن التدخل في كل من هذه الأزمات الإقليمية الثلاث يتيح فرصًا لروسيا لتوسيع نفوذها الجيوسياسي في الشرق الأوسط، فإن صناع السياسة الغربيين لم يولوا سوى اهتمامًا ضئيلًا لاحتمال التدخل الدبلوماسي الروسي في اليمن. وهذا الإغفال قصير النظر، وفقًا للكاتب. إن الصراع اليمني يمتلك تقاربًا فريدًا من الخصائص التي تساعد على وجود تدخل روسي على غرار التدخل الروسي في سوريا، ويوفر فرصة منخفضة التكلفة لفلاديمير بوتين حتى يسلط الضوء على نفوذ موسكو في الشرق الأوسط.
ويرى صنّاع القرار في روسيا أن اليمن هو وجهة جذابة للتدخل الدبلوماسي، وذلك لأنهم يعتقدون أن السعودية على استعداد لوضع حد للأعمال العدائية في اليمن إذا عُرض عليها شروط مقبولة. وأكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير هذا التقييم خلال زيارته الأخيرة لموسكو. وردًّا على أسئلة الصحافيين الروس، أصر الجبير على أن السعودية تريد تسوية دبلوماسية في اليمن تجبر جميع الأطراف المتحاربة على الامتثال إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، وهو قرار صدر في أبريل (نيسان) عام 2015، يدعو إلى إنهاء الحرب الأهلية اليمنية.
وساطة روسية رائدة
ويمكن تفسير المشاعر المتصاعدة ضد الحرب داخل المؤسسة السياسية السعودية بتدهور الأوضاع على الأرض في اليمن. وقد أدى غياب الانتصار الاستراتيجي السعودي الرئيسي في اليمن منذ سقوط عدن في خريف عام 2015، إلى إقناع صناع السياسة السعودية بأن الصراع في اليمن قد انحدر إلى مأزق مستعصٍ، وخاصةً منذ أن انسحبت قطر من بعثة مجلس التعاون الخليجي في يونيو (حزيران) الماضي، وبدأت الإمارات في شن هجمات ضد التجمع اليمني للإصلاح، التابع لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن.
ومن أجل التوصل إلى تسوية سياسية دائمة في اليمن، ستحتاج الرياض إلى التنسيق مع وسيط خارجي قوي؛ إذ استنفدت الجهات الفاعلة الإقليمية مثل الكويت وعمان خياراتها الدبلوماسية. ويوفر هذا الفراغ في الوساطة فرصة ممتازة لروسيا حتى تعرض براعتها الدبلوماسية من خلال تسهيل حل الصراع في اليمن، بحسب ما أورده الكاتب.
وفقًا للكاتب، تستند الحالة الروسية لتولي دور وساطة رائد في اليمن إلى ميزتين:

أولًا، منذ بدء التدخل العسكري بقيادة السعودية في مارس (آذار) 2015، حافظت روسيا على علاقة تعاونية مع جميع أصحاب المصلحة السياسيين الرئيسيين في اليمن. وخلافًا للولايات المتحدة، التي اتفقت علنًا مع السعودية خلال المراحل المبكرة من الصراع، أعلنت موسكو على الفور دعمها لحل سلمي للحرب الأهلية في اليمن. وفي أبريل (نيسان) 2015، أدانت روسيا الضربات الجوية السعودية في اليمن، وأعربت عن تأييدها لحظر الأمم المتحدة الشامل على توريد الأسلحة إلى الفصائل اليمنية المتحاربة.
وعلى الرغم من أن التدخل العسكري السعودي في اليمن قد انتقل إلى صراع مطول، فقد حافظت روسيا على علاقات إيجابية مع القادة على جانبي الحرب الأهلية. ولإثبات التزامها بالحوار الدبلوماسي الشامل، تحتفظ روسيا بسفارة في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، وقنصلية في عدن، عاصمة حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية. ومن خلال هذه القنوات الدبلوماسية، تشاورت موسكو مع الفصائل المؤيدة للسعودية والمؤيدة لإيران بشأن تدابير مكافحة الإرهاب، وأجرت مفاوضات غير رسمية بشأن حل الأعمال القتالية في اليمن.

يتيح وقف الصراع المفتوح في اليمن فرصةً لروسيا لترسيخ نفسها باعتبارها قوة عسكرية كبرى على البحر الأحمر.

ولدى الفصائل السياسية الرئيسية في اليمن أيضًا ذكريات حديثة عن التضامن الروسي مع قضاياها. في يوليو (تموز) الماضي، رحبت موسكو ترحيبًا حارًا بتعيين الدبلوماسي السعودي أحمد الوهيشي سفيرًا يمنيًّا لدى روسيا. في 25 سبتمبر (أيلول)، ساعدت روسيا حكومة هادي على تسليم مدفوعات نقدية يمنية إلى جنوب اليمن؛ لدفع رواتب المسؤولين الحكوميين اليمنيين.
ومن أجل استرضاء القوات الشيعية في اليمن، دأبت موسكو على دحض انتقادات الأمم المتحدة للعدوان الحوثي على السعودية، وأرسلت مساعدات إنسانية إلى مناطق اليمن التي دمرتها الضربات الجوية السعودية. هذا النهج المتوازن تجاه النزاع في اليمن عزز علاقات روسيا مع الفصائل السياسية اليمنية من جميع الانتماءات الأيديولوجية، وضمن أن روسيا يمكن أن تكون وسيطًا فعالًا في الصراع.
ثانيًا، لدى روسيا تاريخ طويل في تعزيز الاستقرار السياسي في اليمن، خلال فترات الصراع داخل الدولة. في عام 1986، اندلعت حرب أهلية بين الفصائل الماركسية المتنافسة في جمهورية اليمن الجنوبية. وعلى الرغم من أن الاتحاد السوفيتي كان متواطئًا في اندلاع هذه الحرب الأهلية، إذ كان يقوم بتسليح الفصائل اليمنية الجنوبية في أوائل الثمانينيات، إلا أن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية ساعد على استقرار اليمن من خلال المشاركة العسكرية المحدودة، وتعهد بتقديم مساعدات اقتصادية.
كما أثر الاتحاد السوفيتي تأثيرًا عميقًا في المفاوضات الدبلوماسية التي أدت إلى إعادة توحيد اليمن عام 1990. خلال الثمانينات، يسّر اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية عملية إعادة التوحيد من خلال دعم الماركسيين المعتدلين في جنوب اليمن، الذين دعوا إلى المشاركة الدبلوماسية مع اليمن الشمالي. كما أقام الاتحاد السوفيتي علاقة دبلوماسية قوية مع زعيم اليمن الشمالي علي عبد الله صالح. وساعد هذا التحالف على سد الفجوة الطائفية بين اليمن الجنوبي ذات الأغلبية السنية، واليمن الشمالي ذات الأغلبية الشيعية.
تاريخ روسي ناجح في اليمن
أشار الكاتب إلى أن ذكريات التدخلات الدبلوماسية السوفيتية الناجحة في اليمن تعزز -إلى حد كبير- مصداقية روسيا لتصبح محكمًا في الأزمة الحالية. وبحسب ما نقله الكاتب عن ألكسندر كوزنيتسوف، وهو خبير بارز في العلاقات الروسية-الشرق الأوسط، فإن الجيش اليمني يقدر الدور الروسي، إذ قدمت موسكو مساعدة واسعة للقوات المسلحة في جنوب اليمن خلال الحرب الباردة.
وتابع الكاتب: «تساعد تجربة صالح الإيجابية مع موسكو بشأن إعادة التوحيد اليمني في تفسير مواقفه الموالية لروسيا خلال الأزمة اليمنية الحالية. في أغسطس (آب) 2016، طلب صالح رسميًّا المساعدة الروسية لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن، وعرض على روسيا الوصول الكامل إلى المنشآت العسكرية في اليمن».
إن التدخل الدبلوماسي الروسي الناجح في اليمن ستكون له أيضًا آثار إيجابية كثيرة في أجندة موسكو الجيوسياسية في الشرق الأوسط. ومن منظور تكتيكي قصير الأجل، يتيح وقف الصراع المفتوح في اليمن فرصة لروسيا لكي ترسخ نفسها بوصفها قوة عسكرية كبرى على البحر الأحمر.
ومنذ عام 2009، أعرب المسؤولون العسكريون الروس عن اهتمامهم بإنشاء قاعدة بحرية روسية على الأراضي اليمنية. ومن شأن هذه القاعدة البحرية أن تزيد من قدرة روسيا على الوصول إلى ممرات الشحن في البحر الأحمر، وأن تضع موسكو موطئ قدم لها في مضيق باب المندب الاستراتيجي الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن. ومن المؤكد أن اقتراح بناء قاعدة عسكرية في موسكو سيكون محل ترحيب كبير لدى السياسيين المحليين، وتسيطر القوات الحوثية على معظم المدن الساحلية في البحر الأحمر باليمن.
مصالح تجارية
وبما أن الولايات المتحدة تمارس نفوذًا كبيرًا على الأنشطة التجارية التي تمر عبر مضيق باب المندب، والصين قد أقامت قاعدة بحرية في البحر الأحمر بجيبوتي، فإن إنشاء قاعدة عسكرية روسية في اليمن سيزيد من مكانة روسيا بوصفها قوة عظمى في شبه الجزيرة العربية. ومن شأن الاعتراف الدولي بنفوذ روسيا في شبه الجزيرة العربية أن يعزز تصورات التأثير الدبلوماسي لموسكو في الشرق الأوسط، وأن يعزز تطلعات روسيا لإنشاء نظام أمن جماعي إقليمي.
بحسب الكاتب، فإنه ومن منظور استراتيجي طويل الأجل، سيعطي التدخل الدبلوماسي الروسي الناجح في اليمن مصداقية أكبر لمقترحات الوساطة الروسية في المستقبل. على الرغم من أن سمعة روسيا كمحكم في الشرق الأوسط قد تحسنت بشكل مطرد منذ اتفاق موسكو التاريخي عام 2013 مع الولايات المتحدة لتدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية في سوريا، فإن منتقدي الكرملين في العالم العربي قد قالوا إن موسكو تُسخّر الوساطة للنهوض بمصالحها الجيوسياسية.
وقد تعززت هذه الانتقادات بالسلوك الروسي خلال محادثات أستانة. واعتبر بعض المسؤولين السعوديين والقطريين انسحاب حركات المعارضة السورية من هذه المحادثات دليلًا على أن روسيا تستخدم المحادثات للسلام كجبهة دبلوماسية فقط لإضفاء الشرعية على الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال الكاتب إنه وفي حال عملت روسيا وسيطًا محايدًا وفعالًا في اليمن، فإن بوتين سيكون قادرًا على مواجهة الانتقادات لسياسة موسكو في سوريا، ويزيد احترام روسيا كمحكم صراع في العالم العربي. وبما أن موسكو قد أعربت عن اهتمامها بالتوسط في الأزمة السياسية الليبية، والصراع بين السعودية وقطر، والحرب العربية السعودية- الإيرانية، فإن التدخل الدبلوماسي الروسي الناجح في اليمن سيعزز هدف موسكو في أن تصبح قوة كبيرة لا غنى عنها في الشرق الأوسط.
كيف يرى الشباب العربي روسيا؟
ويعتقد صناع السياسة الروس أيضًا أن توسيع مشاركة موسكو الدبلوماسية في اليمن سيساعد روسيا على تحسين صورتها في العالم العربي. وكما أشار السفير الروسي السابق لدى اليمن فينيامين بوبوف مؤخرًا، فإن تعزيز موسكو للحوار الدبلوماسي بين الفصائل اليمنية المتحاربة، وتعزيز المساعدات الإنسانية للمدنيين اليمنيين سيعزز المشاعر الموالية لروسيا في الشرق الأوسط.
ورصد الكاتب كيف أن نتائج مسح الشباب العربي لعام 2017 تؤكد أن التحكيم الدبلوماسي يمكن أن يحسن التصورات العامة عن روسيا في العالم العربي. وفقًا للاستطلاع، فإن 21% من الشباب العرب يعتبرون روسيا حليفًا رئيسيًّا لبلدهم. ويمثل هذا المستوى من التأييد للمواءمة مع روسيا زيادة هائلة على الرقم الذي حققته روسيا في عام 2016 وبلغت نسبته 9%، وهو أعلى بكثير من الرقم الذي سجلته الولايات المتحدة والبالغ 17%.
واختتم الكاتب بقوله: «وعلى الرغم من أن صناع السياسة الغربيين ركزوا في المقام الأول على المواقع المحتملة الأخرى للتحكيم الدبلوماسي الروسي، فإن فحص العوامل الجيوسياسية في الشرق الأوسط بشكل أوثق يشير إلى أن اليمن هو المسرح الأمثل للتدخل الدبلوماسي الروسي. وإذا ما وسعت موسكو وجودها الدبلوماسي في اليمن، وأحرزت تقدمًا نحو إنهاء المأزق العسكري الذي يبدو أنه مستعصٍ على الحل، فإن دور روسيا كوسيط لا غنى عنه في الشرق الأوسط سيكون راسخًا لسنوات قادمة».
مترجم عن
Russia’s next Power Play May Occur in Yemen
للكاتب Samuel Ramani – 14/11/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى