ترجمات أجنبية

مجلة جاكوبين – لماذا ينحاز الإعلام الغربي لإسرائيل؟

مجلة جاكوبين  –  غريغ شوباك – 29/9/2018

لنفهم لماذا تُقدم وسائل الإعلام الغربيّة روايات عن فلسطين وإسرائيل تقف في صفّ الأخيرة، من الضروري أن ننتبه للوظيفة السياسية لوسائل الإعلام هذه. يوضِّحُ جوزيف يوسشينسكي أنّه «لا شك بأن عوامل الاقتصاد النظاميّة مثل الحاجة لبيع مساحات إعلانيّة وإدارة النفقات تُوجّه أفعال شركات الأخبار».

تُظهر عدّة دراسات أن التوجه التجاريّ لوسائل الإعلام يُحدّد شَكل محتواها. استطلاعٌ أكاديميّ في مطلع التسعينات من القرن الماضي، مع مُحررين في جرائد ورقيّة يوميّة، 90% قالوا إنّ المُعلنين حاولوا التأثير على محتوى القصص التي تظهر في صُحفهم، و90% منهم كان لديهم مُعلنون فرضوا ضغطًا اقتصاديًا عليهم بسبب أخبارهم، و37% فقط أقرّوا بخضوعهم لضغط المُعلن.

وجدَ استطلاع أكاديميّ آخر لصحف يوميّة، نُشر في 2007، أنّ هنالك «نزاعات متكررة بين صَفِّ التجارة، وصفِّ الصحافة، في مجال الجرائد»، وأنّ «مُديري الإعلانات قادرون على تهدئة مُعلنيهم وقادرون أيضًا على الاستجابة بشكل إيجابي لطلباتهم». تُشير الدراسة إلى أنّ هذه المشكلة حادةٌ بشكل خاص في الصحف المملوكة لسلسلة (مملوكة لسلسلة شركات أو صُحف)، التي تكون بشكل خاص عرضةً للمساومة على نزاهتها التحريرية، إما لتُرضي مُعلنيها أو لتبتعد عن إزعاجهم. توجد مشكلة مشابهة في التلفزيونات، حيثُ يقول استطلاع لمراسلي شبكات الأخبار أنّ ثلثهم شعروا بضغط مباشر لينقلوا قصصًا معينة لا غيرها، بسبب أمور مالية متعلّقة بالمالكين والمُعلنين.

عند النظر في تغطية -الصراع- الفلسطينيّ الإسرائيليّ في سياق الإعلام الربحيّ، لن يكون مُفاجئًا أنّ الروايات المرتبطة بالموضوع متحيّزة لإسرائيل كما هو منتشر.

وسائل الإعلام التي تغطي الشؤون الفلسطينية الإسرائيلية هي جزءٌ من نظام عالمي إمبرياليّ رأسماليّ مبنيٍّ على الهيمنة الأمريكية، وإسرائيل إحدى أهم صفات هذه الهيمنة. عملُ النظام الرأسمالي الدوليّ، الذي يكون الإعلام الربحيُّ جزءًا منه، مُؤمَّنٌ بالجيش الأمريكيّ، وكما أُبيّن في القسم الثاني من كتابي، الرعاية الأمريكية للاستيطان الإسرائيليّ الاستعماريّ الرأسمالي جزءٌ أساسي من استراتيجية المُخططين الأمريكيين للهيمنة على الشرق الأوسط. مالكو الإعلام من أصحاب الملايين والمليارات والمُعلنون الذي يموّلون الإعلام هم بلا شك جزءٌ من الطبقة الحاكمة.

وهذا صحيح في حالات أخرى، على الأقل في حالة منظمات الإعلام الرئيسية دوليًا ووطنيًا، وفي حالة المُحررين، وأحيانًا، كما تُشير فايزة هرجي، الصحافيّون أنفسهم الذين «ينتمون إلى نخبة اجتماعية، يساهمون بشكل ما ودون وعي في فرض أفكار عن كيف يبدو العالم». يُمكن أن أضيف أن تدبيرًا أيديولوجيًا للإعلام كهذا التدبير يتضمن أيضًا تشكيل القناعات عن: كيف يجب أن يكون العالم وكيف يُمكن أن يكون. قصص الشأن الفلسطينيّ الإسرائيليّ المُراجعة في كتابي تُشير إلى أنّ النخبة المنخرطة في عملية صناعة الأخبار­ ترى أن الاضطهاد العنيف للفلسطينيين وتحويلهم المستمر إلى حالة اللجوء والتشرّد ليسَا ظلمًا عظيمًا، وأن إشرافًا أمريكيًا على الشرق الأوسط ضروريّ ومرغوب.

الروايات الفلسطينية-الإسرائيليّة التي نُوقشت في كتابي هي أمثلة لحالات التأثير الضار للسمات الرأسماليّة في وسائل الإعلام. يصف يوسشينسكي التوجه الربحي لوسائل الإعلام بأنه «فشل للسوق» ذو «مضاعفات سلبيّة» كبيرة. ويكتب:«إعلام رديء الجودة يُقدم بيئة معلومات رديئة لعملية صناعة قرار ديمقراطيّة». الروايات الثلاث الإسرائيلي المنتشرة عن الشأن الفلسطيني التي نُوقشت في كتابي، كما أَظهَرتُ، مُضَلِّلَةٌ جدًا. سردٌ دقيقٌ للقصة سيُخبرنا بأنّ إسرائيل تستعمرُ الفلسطينيين بعنف، بدعم حيويّ من الولايات المتحدة، وتعملُ -إسرائيل- كحاميةٍ للإمبريالية الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة.

وبدلًا من هذه الرواية، تعرضُ وسائل الإعلام حكايات يكون فيها كلٌ من الإسرائيليين والفلسطينيين مُخطئين بشكل متشابه، وكلاهما يستحقان فيها اللوم بنفس القدر على عدم حَلّ الوضع الفلسطيني. ويُقدَّم للقرّاء تقديرات مواقف تقولُ إن المشكلة في أن المتطرفين يوجهون الأحداث في فلسطين وإسرائيل بدلًا من المُعتدلين. وبالمثل لا تُفيد القصص التي ترويها وسائل الإعلام عن حقّ إسرائيل المُفترض:«حقّ الدفاع عن نفسها».

تزويد الجمهور بـ«معلومات رديئة الجودة» عن القضيّة يُشوّه عملية «صناعة القرار الديمقراطيّة» بتخفيضها لاحتمالية وجود نسبة من سكّان أمريكا والدول الغربية كبيرة بشكل كافٍ لتفرض تغييرات سياسيّة تعترفُ بالأثر المُدمر على الفلسطينيين بسبب دعم حكوماتهم للاستيطان الاستعماريّ الرأسمالي الإسرائيليّ، وأنّه يُولّد الحرب في الشرق الأوسط.

الدور الاجتماعي للإعلام الموجّه تجاريًا هو تعزيزُ مصالح الطبقة الحاكمة، والذي أقصدُه بهذا الكلام: منظمات الإعلام التي تُوجد للربح، وحتى التي لا تسعى للربح وإنما للعوائد من خلال الإعلانات. تُدير الطبقة الحاكمة الغربيّة الإعلام الغربيّ، الذي يروي لنا قصصًا توجّه الجمهور نحو مواقف تُفضّلها الطبقة الحاكمة. كما بيّنت هرجي: «إذا كانت هنالك رواية مهيمنة عن قصة أو مجموعة محدّدة، فتلك الرواية -غالبًا- مُغذَّاةٌ بعلاقات القوّة: من يملكها، ومن لا يملكها، ومن يريد إبقاء الأمور على ما هي عليه». روايات مسيطرة كهذه تتضمنُ وجهات نظر عن فلسطين وإسرائيل مُتسقةٌ مع وضعٍ تكون فيه أمريكا راعيةً لبقاء إسرائيل كقوّة عسكريّة مسيطرة في المنطقة لأن هذا يُفيدُ أهداف الولايات المتحدة السياسيّة والاقتصاديّة.

تتولّد القصص المُحبّبة للطبقة الحاكمة في مناخٍ إعلاميّ مطبوع بـ«نظام تجاريّ… يُفضّل محتوى يخدمُ المصالح التجارية. سوقٌ يُفضّلُ خطابًا ينحاز للسوق». ويُجادل روبرت إنتمان بأن التأطير «يلعبُ دورًا رئيسيًا في ممارسة السلطة السياسية، والإطار في نصٍ إخباريّ هو فعلًا بصمةُ السلطة. إنها تُسجّل هوية اللاعبين أو المصالح التي تنافست للسيطرة على النص». الطريقة التي تُؤطَّر بها قضيةٌ ما والقصص التي تنتجُ من ذلك الإطار يجب أن يُنظر لها في سياق الملكية النخبويّة للإعلام الغربيّ. لاستيعاب سبب تداول الإعلام الغربيّ لروايات تُحبّذ إسرائيل، يجب أن ننتبه إلى أنّ الطبقة الغربية الحاكمة تتحكم بالإعلام وتستثمر عميقًا في الاستيطان الاستعماري الإسرائيليّ الرأسماليّ، وليس لديها مصالح مساوية في جانب التحرير الفلسطيني.

المسؤولون عن وسائل الإعلام هذه ليسوا بالضرورة مُدبِّرين بوعي لمؤامرات لدفع الجمهور ليؤمن بقصص مُضلِّلَة عن الشأن الفلسطيني الإسرائيلي. إنما يقودهم التوجّه المؤسساتي لمنظمات الإعلام بشكل مُتسقٍ نحو تأطير القصص بطُرقٍ تنفع الطبقة التي ينتمون إليها، سواءٌ كان الموضوع فلسطين وإسرائيل أو أيّ موضوعات أخرى.

لحلّ مسألة فلسطين يجب أن تُمنع الطبقة الغربيّة الحاكمة من دعم إسرائيل كأداةٍ للسيطرة على الشرق الأوسط. وبسبب الدعم الغربي لإسرائيل؛ عسكريًا وماليًا وسياسيًا، للرأي العام في المجتمعات الغربية دورٌ ليلعبه ليُحلّ سلامًا عادلًا ومعاديًا للاستعمار في فلسطين التاريخية. لن تقوم الدول الغربيّة بتحوّلات سياسية ضخمة كهذه إلا إذا أجبرها ضغطٌ هائل على فعل ذلك. ورغمَ ذلك، فبنية الإعلام الغربيّ تُظهر أنه من غير المحتمل أن يبدأ برواية قصص عن الشأن الفلسطيني الإسرائيليّ أقلّ انحيازًا لإسرائيل، ما يعني أنّ هذا العائق الكبير أمام بناء التوجّه العام اللازم لإيقاف الإمبريالية الغربيّة سيظلُ ثابتًا في المستقبل المنظور.

ولذا تقعُ مهمة دفع التحوّل في الوعي على أكتاف وسائل النشر والإعلام المُستقلة وكذلك النشطاء العاملين مع بعضهم البعض ومع غيرهم في الجامعات، وفي أماكن العمل، وفي المجتمعات المتدينة وفي الشوارع. هذا العمل في ازدهار وتشهدُ بذلك النتائج التي حصدتها بي دي أس (حركة مقاطعة إسرائيل) في كافة هذه المجالات. إنجازٌ كهذا يُبيّن أنه لتحدٍ كبير، ولكن مقدورٌ عليه، أن تجعل شعوب الدول الغربية تدركُ أنّ الطبقة الحاكمة التي نعيش تحتها كانت لاعبًا أساسيًا في إيقاع الظلم الجسيم على الفلسطينيين، وأنّها مكوّن أساسي في نظام عالمي من اللامساواة تُشرف عليه هذه الطبقة.-

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى